أسرتها أسرة مميَّزة، فالوالد سيرته الصَّالحة تحكي حياته، التزامه الدِّينيُّ يتَّضح من قسمات وجهه، ثقافته تعلو كلَّ مناقشاته، أمَّا شخصيَّته فمع هدوئه إلَّا أنَّه جبل راسخ، وذات قوَّة ملحوظة، ووالدتها لا تقلُّ عن ذلك التزامًا وثقافةً وشخصيَّةً، فالبنت نشأت في حضن الإيمان، والوعي، والثَّقافة، تسمع القرآن الكريم وتقرأه، ترى الصَّلاة وقيمها، ويتعدَّى ذلك التَّمسك بالمستحبَّات، وتستمتع بتنفيذها، فالإنسجام بين الوالدين عميق جدًّا، حتَّى بدأت والدتي بقراءة ثقافة جديدة عندما بدأت المناكفات بينهما فجأة، فالوالد يحافظ على ثقافته، وموروثه الثَّقافيِّ، والوالدة على العكس، وبدأ ينشأ شرخٌ بينهما واضحٌ.
وصلت البنت مرحلة المراهقة، وكانت تشعر، بل ترى فوضى الرُّؤى والأفكار، بل حتَّى المشاعر تهرَّأتْ من الفوضى، ويبدو أنَّهما وصلا لقناعة أنَّ السَّبيل الوحيد أنَّ كلًّا منهما لحال سبيله، وفعلًا لم يطل الأمر حتَّى لُفظتْ كلمة الطَّلاق، وكان وقتها الضَّياع نصيبي، والانفصال عن التزامي طريقي كما قالتْ، وكان أثر الطَّلاق عليها شديدًا وعميقًا، ولم يقتصر هذا الألم عليها وحدَها، بل شمل كلَّ الأولاد.
أمَّا هي التي كانت ترى مستقبلها أنْ تختطَّ تديُّنَ والدتها بالعضِّ على العباءة الزَّينبيَّة عضًّا، ولكنَّها سرعان ما تركتها بعد طلاق والديها إلى (البالطو)، ثمَّ لم تبقَ عليها طويلًا حتَّى بدأتْ خصلات من شعرها تظهر، من هذا وغيره بأشدِّ وأنكى!
عندما كانت تلتزم عباءة الرَّأس كان بعض زميلاتها في المدرسة يعبنَ عليها ذلك، وتسمع منهنَّ كلمات معيبة، ولكنَّها صمدتْ لأنَّ لديها سندًا في البيت، بل سَنَدَان، وملجآن، فكانت قويَّة في المجابهة، وعندما انهار ذلكم السَّندان انهارت معهما، وازدادتْ تسافلًا وسقوطًا!
دخلتْ في مناقشات تتعلَّق بالإيمان والعقيدة، لا سيما أنَّ أباها قد غضب عليها بعدما تركت عباءتها، فما كان ليصطحبها معه، لأنَّ ذلك يخدش رصانة تديُّنه ومظهره الملتزم أمام النَّاس، فغاب – كما تقول -: عنِّي ركني الوثيق كما تصوره، واستمرَّت في تلك المناقشات الفكريَّة حتَّى لمع في ذهنها الإلحاد ، وأفكاره المنحرفة عن الفطرة والعقل، ولكن سلامة فطرتها وحياة ضميرها لم يدعاها تنزلق في تلك المَهاوي، فبدأت وَخَزَات الضَّمير وسهام العقل، مع ذلك تحاول أنْ تتهرَّب منهما باللَّهو، واللَّعب، والقراءة، أو مشاهد التِّلفاز، أي شيئ، الغاية أنْ لا تمكِّنهما من نفسها، ولكن أدركتْ في قرارة نفسها أنَّها إلى انهيار، وترغب الآن بإيقافه، فكيف؟
١- الشُّعور بأنَّ واليها خَذَلاها، وهما يمثِّلان لها الوعي، والدِّين.
٢- الإحباط يملأ صدرها، ويقودها للضَّياع.
٣- الرَّغبة في السَّعادة المفقودة.
٤- تأنيب الضَّمير.
١- الانعزال، واجتناب الوالدين.
٢- التَّمرُّد على الأحكام الشَّرعيَّة.
٣- معاندة الأعراف الاجتماعيَّة، وعادات المجتمع.
١- يبدو بجلاء أنَّ لديها مشاعر ساخطة على والديها، وتطوَّرت لتتحوَّل باتِّجاه العقيدة.
٢- بهذا التَّحويل ترغِّب نفسها بإيصال رسالة غير مباشرة لهما بأنّها قادرة على إيصال الأذى، والعقاب اللَّازم لهما.
٣- هذا العقاب، أو يمكنها تسميته الانتقام في نتيجته واقعٌ عليها شخصيًّا، وبدأ ينهش في أهم ما لديها وأثمن، فما كنتِ تتصوَّره من إزعاج، وأذيَّة لهما ما كان إلَّا بازعاج نفسها وأذيتها.
٤- سيبقى صوت ضميرها، وسوف يستمرُّ وتتعاظم قدرته على الضَّغط عليها حتَّى تجد طريقًا؛ لإرضائه، وطمأنته.
٥- ضرورة إيجاد قلب حان وعقل بصير تقدِّم له شكواها بكلِّ صراحة، وتتحدَّث معه بكلِّ أفكارها ومشاعرها.
٦- جلد الذَّات لن ينفعها الآن، بل عليها استعادة ثقتها في نفسها، وإرجاع قوَّة شخصيَّتها.
٧- قد تكون أفضل وسيلة وأحسن طريق لعودة والديها لبعضهما البعض عندما تتحسَّن إدارة هذه الأزمة، فسوف يجمع الله سبحانه بينهما بفضل مجهودها الذَّكيِّ؛ ليعود بيتهم دافئًا أكثر من ذي قبل.
نتوقَّع عندما تعمل البنت على إصلاح ما بين والديها، فسوف تمهِّد الطَّريق في ذات الوقت لعودة سكينتها، واطمئنانها.
استفادتْ البنت كثيرًا من الفضفضة، وعادتْ لها ثقتها بنفسها، ورجعتْ لصورة حجابها الشَّرعيِّ ممَّا أثَّر في والدها كثيرًا، وكان ذلك هو الطَّريق؛ ليقتنع والدها بالعودة بعد أربع سنوات لوالدتها، فتحسَّنتْ أوضاع المنزل - ولله الحمد - الذي جمع بينهما، واستقرَّت نفس البنت عمَّا كانت فيه من اضطراب في العقيدة.