يعتبر مرض او اعراض القسوة من أخطر الأمراض الروحية الذاتية، فهو يجرُّ معه أمراضًا أخرى تدخل في جميع أبعاد الإنسان إذا تمكن منه واستحكم في داخله، ولعلَّ سائلًا يسأل ما هو هذا المرض وكيف لنا أنْ نعرّفّهُ حتى نستطيعَ أنْ نضعَ له الدواء المناسب من خلال المنهج السماوي العظيم.
تعريف مرض القسوة ؟
قسوة القلب مقابل لين القلب فها هنا لدينا شكل بني آدم لا يتأثر بالحوادث ولا يشعر بالآخرين، وتبلغ به الأنَّانية حدها الأقصى نظرًا لعدم تأثره بأي مشاهد أو أحداث من الممكن أن تحرّكَ وجدانه أو مشاعره تجاه الأخرين.
وهذا التعريف تفوح منه الخطورة والرعب، وذلك حينما نجد كائنًأ بشريًا لا يهمُّهُ أي شيءِ ولا يكترث بأي شيءٍ، وهمُّهُ الوحيد هو إشباع ميوله وحاجاته فقط، وهذا يجرُّ خلفه سؤالًا ملحًّا يلزم الإجابة عليه وهو: ما هي الأسباب التي تجعل الفرد صخرةً صماءَ قاسيةً لا حياة فيها من جهة مشاعره وإنسانيته، وللإجابة أقولُ جاء في رواياتٍ متعددةٍ عدةُ أسبابٍ تجعلُ هذا المرضَ ضاربًا بكلِّ قوتِهِ على قلب الإنسان ومستحكمًا بجذوره القاسية فيه، مما يجعلُهُ متبلدَ المشاعر عديمَ الإحساس، وهذه الأسبابُ تدورُ شدةً و ضعفًا، فكلُّ شخصٍ حسب تأثره بها وهي:
١- مقارفة المعاصي والمداومة على ارتكاب الحرام والفواحش.
٢- طول الأمل، والمقصود منه رغبات وأماني الإنسان وميول نفسه، التي تتولد منها مطالب وحاجات لا حد لها، وتحتاج لتحققها زمنًا طويلًا ينسى ويغفل خلال ذلك الزمن ربَّهُ وآخرتَهُ.
٣- كثرة الأكل والشرب، وهو امتلاء بطن الإنسان بما يفوق الحد المناسب لشأنه من الأكل، طبعًا الكلام هنا عن لقمة الحلال وأمّا الحرام فواحدة منه تكفي لجعل القلب أقسى من صخرة الجبل.
٤- كثرة الثرثرة وكثرة النوم الخارجان عن حدود الحاجة الطبيعية للإنسان.
٥- الثراء الفاحش فمن كان همُّهُ تحصيل المال وإكثاره وتنميته فلن يكونَ له بالٌ فارغٌ لتحصيل المعرفة والعمل الطيب لآخرته (في الغالب).
٦- الغفلة، وهي عدم تذكر الله واللامبالاة به اطلاقًا، مما يجعل الإنسان تائهًا هائمًا بلا حد في رغباته الذاتية.
ولقد جاء عن أحد علماء الآخرة أنَّ هذه الأسباب وغيرها من مسبّبات القسوة، ليست حرامًا إلا أنْ تبلغ بالإنسان من خلال المداومة عليها درجةً يكون فيها قاسي القلب فحينئذ تكون حرامًا عليه، ويجب السعي والعمل للتخلص من أثارها.
وقد أثار كتاب الله هذه المسألة – قسوة القلب و تبلد المشاعر– في طيّات آياته المباركة وهنا أورد آيةً واحدةً شديدةَ الوضوح، وهي تصور كيف يصير مآل من قسى قلبُهُ وتجمدتْ مشاعرُهُ الإنسانية والى أين يصل به الحال حيث قال الله تعالى (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) سورة البقرة، آية 74، وهذا النموذج القرآني يسلّطُ الضوءَ على الإنسان القاسي قلبُهُ، ويجعل منه مخلوقًا آخر أشد صلابة من صخور الجبال الرواسي، ولمن رأى الجبال الشاهقة وعظمتها يعرف جيدًا، ويستشعر المقارنة بين قلب الإنسان القاسي وبين تلك الصخور التي تخرجُ منها الحياة، والمقصود بذلك سيلان الماء من بينها لتهبَ الانسانَ الحيوية والحركة والنماء.
وهنا نتطرق مرة أخرى إلى ما ورد في بعض الروايات الشريفة مما له تأثيرٌ سلبيٌ على القلب فيجعله قاسيًا ميتًا، وهذه الأسباب المدوّنةُ أدناه هي زبدة ما جاء في تلك الروايات:-
١- هم الدنيا، من أصابه الهم والحزن لخيبته في الوصول الى الآمال الدنيوية وأصابه الهمُّ أيضًا لمصاعب وآلام الحياة وأحسَّ من ذينك الأمريْنِ بالغصّة في قلبه واستمر على ذلك الهمِّ والتفكير فيه، فقد أبتُليَ بقسوة القلب.
٢- هم القوت، كذلك الاهتمام والتفكير المتكاثر والمستمر وبقوة على تحصيل الزاد و وسائل الحياة الدنيوية الفارهة يورثان قسوة القلب.
٣- كثرة الضحك تورث قسوة القلب كذلك.
٤- خفق النعال، والمقصود منه كثرة الأتباع والخدم والحاشية، فإذا سار تقدمهم هو و وراءه
٥- أصوات أحذيتهم وهمساتهم تخرق وتقرع قلبه، فحينئذٍ من الممكن القول أنَّ هذا مصابٌ بمرض قسوة القلب.
٦- نثر التراب على قبور الأرحام كالأبوين و الأخ والعم والخال وقد ورد في الفقه كراهة أن يقوم الرجل بإهالة التراب على قبور أرحامه.
٧- ترك مجالسة العلماء الربانيين ومن تذكر بالله مجالسته، والخوف منه رؤيتهم و زيارتهم .
و ختامًا هذه ثلاث قصص قصيرة يساعد التأمل فيها على علاج قسوة القلب وتجعله لطيفًا لينًا يستحق بجدارة أن يكون في بدن نفخ الله فيه من روحه.
الاولى: يروى عن أحوال أحد أهل المراقبة أنه اعتاد يوميا قبل توجهه إلى عمله أن يذهب لرؤية أماكن ثلاثة: (1) أن يعود مريضًا أو يزور مستشفى ويخاطب نفسه بقوله: قبل أن تصبح كهؤلاء أسير المرض والعجز عليك بالسعي في العمل الصالح، (2) أن يزور مقبرة أو يشيع ميتًا أو يزور قبر مؤمن ثم يحدث نفسه: حتى يحين أجلك اعمل عملًا قبل أن تصبح عاجزًا عن القيام بأي عمل، (3) أن يزور مكانًا من الأمكنة التي يعالج فيها المنحرفون أو أن يزور سجنًا و يقول لنفسه: و أنت أيضًا إن لم يهبك الله عفة النفس وإن لم يعنك على مجانبة المعاصي فستبتلى كما ابتلى هؤلاء.
الثانية: التمرن على القبر، ورد عن أحوال الخواجة ربيع بن خيهم وعن غيره أنّه حفر قبرًا في بيته، وكان كلما أحسّ بالقسوة في نفسه نزل إلى هذا القبر ورقد فيه وبكى وهو يقول ويكرر(قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) سورة المؤمنون، آية 99 – 100، ثم كان يحدث نفسه ويقول : وأي ربيع لم يقل لك كلا فهيا انهض واحزم متاع أخرتك.
الثالثة: يروى بينما رسول الله صلى الله عليه وآله مستظل بظل شجرة في يوم شديد الحر، إذ جاء رجل فنزع ثيابه، ثم جعل يتمرغ في الرمضاء، يكوي ظهره مرة وبطنه أخرى، وجبهته ثالثة ويقول: يا نفس ذوقي فما عند الله عز وجل أعظم مما صنعت بك، ورسول الله صلى الله عليه وآله ينظر إلى ما يصنع ثم إن الرجل لبس ثيابه ثم أقبل فأومأ اليه النبي صلى الله عليه وآله بيده ودعاه فقال له: يا عبد الله، لقد رأيتك صنعت شيئا ما رأيت أحدًا من أناس صنعه، فما حملك على ما صنعت؟ فقال الرجل: حملني على ذلك مخافة الله عز وجل، وقلت لنفسي يا نفس ذوقي فما عند الله أعظم مما صنعت بك، فقال النبي صلى الله عليه وآله لقد خفت ربك حق مخافة، و إن ربك ليباهي بك أهل السماء، ثم قال لأصحابه يا معاشر من حضر ادنوا من صاحبكم حتى يدعوا لكم، فدنوا منه فدعا لهم و قال لهم: اللهم اجمع أمرنا على الهدى واجعل التقوى زادنا والجنّة مآبنا.