ما العلاقات السامة ؟
العلاقات السامة هي تلك التي تجعلك تشعر بأنَّكً غيرُ مدعومٍ أو يساء فهمك أو تحط من قدرك أو تتعرض للهجوم، وبشكلٍ أساسي فإنَّ أي علاقة تجعلك تشعر بالسوء بدلاً من الأفضل يمكن أنْ تصبحَ سامةً بمرور الوقت.
يمكن أنْ توجد العلاقات السامة في أي سياق تقريبًا، من الملعب إلى غرفة الاجتماعات إلى غرفة النوم، يمكنك حتى التعامل مع العلاقات السامة بين أفراد عائلتك.
قد يكون الأشخاصُ المصابون بأمراض عقلية مثل الاضطراب ثنائي القطب أو الاكتئاب الشديد أو حتى الميول الاكتئابية عرضةً بشكلٍ خاصٍ للعلاقات السَّامة، لأنهم بالفعل حسّاسُّون للمشاعر السلبية، قد يكون لدى الشخص المصاب بالاضطراب ثنائي القطب الذي يمر بنوبة مختلطة أو اكتئاب سيطرةً أضعف إلى حد ما على الاستقرار العاطفي من الآخرين، وهذا قد يجعل هذا الشخص هدفًا أسهل للأشخاص السَّامين، ومع ذلك، يمكن أن يؤثر الأشخاصُ السَّامون على أي شخص.
إليك ما تحتاج لمعرفته حول العلاقات السامة، بما في ذلك ما يجعل العلاقة سامة وكيفية تحديد ما إذا كنت في واحدة، ستجد أيضًا تلميحات حول طرق فعالة لإدارة هذه الأنواع من العلاقات.
ما الذي يجعل العلاقة سامة؟
إنَّ الأشخاص الذين يتسببون في اضطراب علاقاتهم بالآخرين أو أنهم يتسببون باستمرار في إلحاق الأذى بأصدقائهم وبمن حولهم من الأشخاص – سواء عن قصد أم بغير قصد – غالبًا ما يكون لديهم سببٌ خلفَ سلوكِهم المضطرب، حتى لو كان في العقل اللاواعي، ربما كان في علاقة سامة مع الطرف الآخر، إمَّا عاطفية أو انَّهُ يتصرف كما الأطفال، وهذا في غالب الأحوال ربما يعود لأسباب تتعلق بالتنشئة، والتي تعد بالنسبة للطفل الأكثر دعمًا وحبًا، ربما يرجع ذلك إلى تعرضهم للتنمر في المجتمع أو في المدرسة أو أنهم كانوا يعانون من اضطراب في الصحة العقلية غير مشخّص، مثل الاكتئاب أو القلق أو الاضطراب ثنائي القطب أو اضطراب الأكل أو أي شكل من أشكال الصدمات.
ما هي علامات التحذير من وجود العلاقات السامة ؟
تشمل أخطر علامات التحذير أي شكل من أشكال العنف أو الإساءة أو المضايقة، والتي يجب التعامل معها على الفور، تكون مؤشرات العلاقة السامة أكثر دقة في كثير من الحالات، إن أولها وأبسطها هو التَّعاسة المستمرة، فإذا توقّفت العلاقةُ عن جلب السعادة والراحة والاستقرار، وبدلاً من ذلك تجعلك تشعر بالحزن والكآبة والتذمر أو الغضب والقلق فقد يكون ذلك ضارًا.
ما هي علامات العلاقة السامة؟
يمكن أن تكون علامات السميّة خفية أو شديدة الوضوح وذلك اعتمادًا على طبيعة العلاقة، كما توضح كارلا ماري مانلي – الحاصلة على درجة الدكتوراه ومؤلفة كتاب “استمتع من خلال الخوف” – عندما تكونُ في علاقة سامة، قد لا تجد دائمًا أنه من السهل ملاحظة ظهور الأعلام الحمراء، على الرغم من ذلك يمكنك ملاحظة بعض هذه العلامات في نفسك أو في شريك حياتك أو في العلاقة نفسها.
١- نقص الدعم: من المعلوم أنَّ العلاقات السَّوية بطبيعتها تفرض سلوكًا إيجابيًا لدى طرفي العلاقة وأمنيات صادقة من الطرفين تجاه بعضهما البعض لتحقيق النجاح والتميز والتوفيق في كل مناحي الحياة، بل والشعور بالحزن حين يتعرض أحدهما لمشكلة أو ضيق، ولكن حين تتحول الأمور إلى توتر وعدم استقرار وتستحيل العلاقة إلى علاقة سامة، يصبح كل إنجاز منافسة بين الطرفين وتتحول المنافسة إلى صراع من أجل البقاء وإثبات الوجود على حساب الطرف الآخر.
وبإيجاز يمكن القول أنَّ العلاقات بين طرفين يتطلبُ التواصل وجلسات نقاش وقد يكون السفرُ معًا وقضاء أوقات طويلة وهذا يعزّز من الرابطة بين الطرفين، ولكن حين تتحول العلاقة إلى نارٍ مشتعلةٍ تطغى عليها الخلافات والتحسسات والغيرة وخلق المشكلات والتنافر والتنافس غير الشريف، فإنَّ ذلك يعني مزيدًا من عدم الشعور بالراحة ونقص الدعم وغياب التشجيع لكليهما، ويتولد إلى جانب ذلك شعورٌ بأنَّ أحد طرفي العلاقة ليس محلَ ترحيبٍ وعدم اهتمام بحاجاته، بل السُّلوك الطاغي على تلك العلاقة هو الاهتمام فقط بما يريد طرف على حساب الطرف الآخر.
٢- الاتصالات السامة: بدلاً من اللطف والاحترام المتبادل، فإن معظم المحادثات مليئة بالسخرية أو النقد ويغذيها الازدراء والتهكم ومحاولة إيجاد نقاط الضعف والانتقاد الدائم ومحاولة إيجاد صورة باهتة لما عليه أحد أطراف هذه العلاقة، ولا يقتصر هذا السلوك على الأصدقاء فقط، إنَّما هو مفهومٌ عامٌ ينطبق على مصاديق عديدة في مختلف أنماط العلاقات، إنْ كانت بين زوجين أو زملاء عمل أو بين أخ وأخيه أو بين أب وأبناء وغيرها من العلاقات.
ومن هنا فإن هذه العلاقات السَّامة قد تنسحب بطريقة أو أخرى علينا كأشخاص اجتماعيين نعيش في أوساط مجتمعية متعددة، فمن الأسرة مرورًا بالمجتمع الخارجي وانتهاءً بمجتمع العمل، قد نتعرض أو يتعرض الآخرون لهذه المواقف العصيبة جرّاء العلاقات السامة، فهل تجدُ نفسَكَ تدلي بملاحظات فظّة لأصدقائك أو زملائك في العمل أو في الجامعة أو أفراد عائلتك؟ ربما تكرر و تعيد ما قالوه بنبرة ساخرة وبإسلوبٍ متهكمٍ عندما يكونون في غرفة أخرى، بغرض الاستنقاص والتشفي والازدراء، يمكنُكَ حتى أنْ تبدأ في التهرب من مكالماتهم، فقط للحصول على مساحة آمنة من الحجج والعداء المحتوم الذي خلفته تلك العلاقة السامة.
٣- الحسد أو الغيرة: قد يتحول الحسد والغيرة إلى مشكلة كبيرة ومعقدة إذا كانا يمنعان الفرد من التصرف بأساليب صحيحة، أويصدانه من التفكير بشكل إيجابي في نجاحات الطرف الآخر صديقًا كان أو أخًا أو زميلاً أو أي شريك مفترض، ولا ننكر في بعض الأحيان قد تسيطر العواطف والأحاسيس الإنسانية وعندها سنقول عن الغيرة أنها طبيعية تمامًا، ولكن عندما تؤدي إلى شكٍّ دائمٍ وانعدام الثقة، يمكن أنْ تكونَ سببًا مؤثرًا وعاملًا مهمًا في تآكل علاقات الشخص مع الآخرين، وعندما يتحولان الحسد والغيرة إلى سلوك مرضي واضطراب نفسي فإنهما يصنعان من الإنسان كتلة ملتهبة ونار حارقة لأي نجاح يحققه الآخرون.
٤- التحكم في السلوكيات: هل يسأل شريكك أين أنت طوال الوقت؟ ربما يتضايقون أو ينزعجون عندما لا تجيب على الرسائل النصية أو ترسل رسالة نصية إليك مرارًا وتكرارًا حتى تقوم بذلك، قد تنبع هذه السلوكيات من الغيرة أو قلة الثقة، لكنَّها قد تشير أيضًا إلى الحاجة إلى السيطرة وكلاهما يمكن أن يساهم في سمية العلاقة، ويمكن أن تشير محاولات السيطرة هذه أيضًا إلى إساءة الاستخدام في بعض الحالات.
٥- الاستياء: العلاقات السَّامة بطبيعتها تترك أثرًا سيئًا في النفس إذ تولّد عدم الاستقرار وتخلقُ جوًا مليئًا بالإضطراب وعدم السكينة، إنّ السَّماحَ بتفاقم الخلاف واتساع الفجوة بين طرفي العلاقة يفاقم من عملية الإحباط والتذمر، فعندما نميلُ إلى التعامل مع نتائج العلاقة السَّامة بصورة محبطة وعدم الشعور بالأمان فإنّ ذلك من شأنِهِ أن يؤدّي إلى عدم وجود خط رجعة تمامًا لطرفي العلاقة، ولكن ذلك يعتمد بالدرجة الأولى على الطرفين فكلما تعاملا بهدوءٍ مع مناطق الخلاف كلما زادت نسبة الرجوع عن خط السميّة بشكل واضح، ولكن مع وجود التوتر وتغذيته من الطرفين بمزيدٍ من الخلاف والتنافر كلما تعقّدت المسألة وكان الفراقُ وإنهاء العلاقة هو سيد الموقف؛ ذلك أنَّ العلاقات السّامة بطبيعتها تنهي جميع المساحات المشتركة لطرفي النزاع.
٦- الإجهاد المستمر: تحديات الحياة العادية التي تظهر كمرض أحد أفراد الأسرة أو الوقوع في مشكلات اقتصادية أو فقدان الوظيفة يمكن أنْ تخلق بعض التوتر في علاقتك للظرف الضاغط، ولكن ذلك ليس عاملًا أصيلا للأفراد الذين يتميزون بوعيٍ عالٍ وارتباطٍ كبيرٍ بالله سبحانه وتعالى، إذ أنَّهم يربطون ذلك بالرزق والامتحان ونوع من البلاء، فلذلك هم يسلِّمون بما كتب الله لهم، ويعملون جاهدين على تجاوز تلك المحن بأساليب مختلفة، لكن أنْ تجد نفسك دائمًا على حافة الهاوية، حتى عندما لا تواجه ضغوطًا من مصادر خارجية، يعد مؤشرًا رئيسيًا على أن شيئًا ما كان له أثرٌ كبيرٌ في خلق حالة من عدم الاستقرار والتوتر، ويمكن أنْ يؤثر هذا الضغط المستمر على الصحة الجسدية والعقلية، وقد تشعرُ في كثير من الأحيان بالبؤس، أو الإرهاق العقلي والجسدي، أو بالتوعك بشكل عام.
وبشكلٍ عام فإنّ العلاقات التي تنطوي على الإساءة الجسدية أو اللفظية تصنف بالتأكيد على أنها سامة، ولكن هناك علامات أخرى أكثر دقة لعلاقة سامة، بما في ذلك:
١- قد تعطي أكثر مما تحصل عليه، مما يجعلك تشعر بالضعف والاستنزاف.
٢- تشعر باستمرار بعدم الاحترام أو أن احتياجاتك لم تتم تلبيتها من الطرف الآخر “الشريك“.
٣- ستشعر بثقل ثقتك بنفسك بمرور الوقت إلى أن تتلاشى في كثير من الأحيان.
٤- تشعر بأنَّكَ غير مدعوم، أو يساء فهمك، أو مهين، أو مهاجم من قبل الطرف الآخر.٥- تشعر بالاكتئاب أو الغضب أو التعب بعد التحدث أو التواجد مع الشخص الآخر.
٥- أنت تبرز الأسوأ مع بعضكما البعض، عندما يبرز صديقك التنافسي خطًا تنافسيًا قائمًا على الحقد والحسد والغيرة و ليس ممتعًا بالنسبة لك.٦- قد تكون صورتك بالنسبة للطرف الآخر صورة مشوهة، وفقد يبرز الجانب الثرثار منك خصوصًا إذا كنت كثير الكلام، فهو يحاول إبراز ذلك على أنَّها السمة الغالبة والمسيطرة محاولًا بذلك الازدراء والتقليل وإخفاء الجانب المضيء منك، أو يبدو أنه يرسم لوحة لئيمة لاتعكس حقيقة شخصيتك في العادة.
٦- تشعر وكأن عليك أن تمشي على قشر البيض وتتجنب كسره حول هذا الشخص حتى لا تصبح هدفًا لسمّه.
٧- تقضي الكثير من الوقت وتستجمع القوة العاطفية في محاولة إبهاجه وإسعاده دون أن يكون هذا السلوك بارزًا للطرف الآخر.
هل من الممكن إصلاح العلاقة السامة؟
يعتقد البعض أنَّ العلاقاتِ السامةَ محكومٌ عليها بالفشل، لكن هذا ليس بشكل دائم، إذن ما هو العامل الحاسم في ذلك ؟ لا شك أنَّ هذه العلاقة يشترك فيه طرفان، يجب أنْ يرغب كلا الطرفين في التغيير والعمل على الترميم والإصلاح، فإذا ما قرّر طرفٌ في البدء بعملية استخدام أساليب جديدة لإعادة العلاقة المتزنة والهادئة القائمة على الحترام والحب والسلام و إنشاء أنماط صحية سيكون من المستبعد أنْ يتمكن من النجاح واحتمال ضئيل بحدوث التغيير، فلابد من قرار مشترك بين الطرفين لإعادة وعلاج كل تداعيات هذه العلاقة السامة حتى نضمن عملية الرجوع بالعلاقة على ما كانت عليه من الاستقرار، فقبول المسئولية يُعدُّ عاملاً مهمًا لبداية إصلاح الخلل، فإذا قرر الطرفان تحمّل المسئولية وكلاهما يرغبان في تحسينها، فهما على الطريق الصحيح.
من المهم جدًا أنْ يكون الطرفان على وعي ومعرفة بالسلوكيّات السابقة التي أضرّت بالعلاقة فهو أمر حيوي من كلا الطرفين، يعكس الاهتمام بالوعي الذاتي والمسؤولية الذاتية، بعبارة أخرى فإنَّهُ يجب على كلا الشريكين قبول دورهما في المساهمة في السميّة وزيادة معدلات الفرقة والتنافر، من الاستياء إلى الغيرة إلى عدم التحدث علنًا عن المخاوف وخيبات الأمل، إلى جانب ذلك فإنّ الاستعداد للاستثمار يعمل بشكل مؤثر إذا ما قرّر الطرفان ذلك، فهل أنت وشريكك على حد سواء على استعداد للاستثمار في تحسين العلاقة وتعملان بجد لإصلاحها؟ قد يتجلّى ذلك من خلال الاهتمام بتعميق المحادثات بينهما، والخروج معا لتغيير الروتين، أو تخصيص أوقات منتظمة لقضاء وقت ممتع معًا.
ماذا لو تحوّل اللوم إلى فهم ؟ إذا كان كلا الطرفين قادرًا على توجيه المحادثة بعيدًا عن إلقاء اللوم والتأكيد على مزيد الفهم والتعلم، فقد يكونُ هناك بارقة أملٍ وطريق لحلحلة الأمور وإعادتها إلى نصابها، فبدلاً من قول “هذا خطؤك” أو “أنت تفعل كذا وكذا دائمًا” ، حاولْ أنْ تقول: “أعتقدُ أننا أسأنا فهم بعضنا البعض، لذلك دعْنَا أنا وأنت نحاول مرة أخرى” أو “أفهم سبب شعورك بالتوتر والانزعاج فكيف يمكننا العمل على تجاوز ذلك معًا؟“