الضغوط تُنْعِش الوسواس
بين الوسواس والضُّغُوط علاقةٌ طرديَّةٌ؛ لأنَّ التحليل والحيرة، أو الذُّهُول وتشتت البال، أو التفاعل مع المشاعر السلبيِّة و”الدراما” الشَّخصيِّة ـ كُلُّ ذلك ـ يُوفِّر فرصةً سانحةً لِيتغلغلَ الوسواس في طوايا النَّفس؛ لذلك يُمكننا أنْ نرى نشاطَ الوسواسِ في حالةِ التَّعطلِ والفراغ، أو بعد الصدمة العاطفيَّة، أو عند انتشار مرضٍ، أو أيَّام الطمث عند النساء، أو لحظات تَعرَّضَ أحدهم لابتزازٍ أو هجرٍ وإهمالٍ.
في مثل تلك الظُّروف نحتاج أنْ نسترخيَّ ونتأمَّل ونسمحَ للَّروح أنْ تستشعرَ اتِّصالها بالله الَّذي يُشكِّل الاتِّصال به لنّا المدد؛ في لحظات التَّواصل الواعي مع الله تتبدَّل كُلُّ الشُّحنات السَّالبة والمؤلمة إلى حسنة، إنَّها أشبه ببذورٍ تُوضع في أرضٍ مملوءةٍ بالسَّماد، فتنقلب تلك الأرض لحقل أزهارٍ مثمرٍ، ستشعر بتحول السَّيئة إلى حسنةٍ في جسدك، على غرار قوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ سورة الفرقان/ آية 70، وكأنَّما هناك ما يجعلُ التَّشنجَ والألمَ يتلاشى من بدنك.
كثيرًا ما نُعِيْن الضُّغوط على أنفسنا، وذلك عبر التَّصورات الذِّهنيِّة غير الموضوعيِّة، فهي ما يجعلنا نبالغ في ردود الأفعال، ونبحث عن آليات دفاعٍ لِلهروب من الضَّغط، وفي بعض الأحيان يكون الوسواس هو الباب الخلفيُّ لذلك الهروب.
لو تخيَّلنا الرُّوح كفضاءٍ فإنَّ التَّصوُّرات الذِّهنيَّة القلقة وتفسيراتها ستبدو كأدخنة وضباب، وكُلَّما زادتْ هذه التَّفسيرات فسوف تعمل على تضليلك أكثر، لذلك لا يجدر بمن يُعانِي من الوسواس أنْ يبحثَّ عن تفسيرات إضافيَّة لأنَّها ستُعمي بصيرته؛ لِذا إِنْ كنتَ مستيقظًا لتصوِّراتك الذِّهنيَّة خَفَّ عليك الألم، ولم تَعُدْ تحتاجُ الهروب عبر الوسواس.
في بعض الأحيان الخوف من أنْ نكون سيئين هو ما يصنع تلك الضُّغوط، والبعض منَّا طوَّرَ نوعًا من “الأنا” لا يُمكنها أنْ ترى إلَّا لونين فقط الأسود والأبيض، فهو مهووسٌ جدًا بالنَّزاهة، أو الحقيقة أو الجمال أو أمنه الشَّخصيّ، وحين تكتشف أنَّ حياتك كانت تدور حول مضمون واحد يستهلكها، وهو المسؤول عن أسلوبك وردود أفعالك المبالغ فيها، وهو الَّذي يُمكِّن الوسواس من أنْ يتلبسك، حينها عليك أن تقف وتتَّجه في طريق معاكس لهوسك سواء كان الهوس يرتبط بالنَّزاهة أو الصِّحة أو الأمن أو أيِّ شيء آخر؛ لِذلك فإنَّ اكتشافَ نمط شخصيَّتك ومعرفة خصائصك يُعد خطوة مهمة في التَّشافي من الوسواس، والخطوة الثَّانيَّة هي البحث عن نبع السَّعادة والفرحة والنَّشاط في عمق روحك.
تفاعل الكآبة والوسواس
نصف حالات الوسواس تبدأ بشكل فجائي، إلَّا أنَّنا يمكن أنْ نُشاهده برفقة الحزن، والتَّهيُّج، والشُّعور بالسَّلبيَّة وانعدام القيمة، والغضب، وضعف الأداء، والشُّعور بإساءة الفهم والحساسيَّة المفرطة، كُّلُ هذه الأمور هي أعراضٌ للاكتئاب، فلربَّما يكون الوسواس سببًا أو أثرًا أو مصاحبًا للكآبة.
في الواقع يصنع الوسواس لنفسه مجالًا واسعًا ليبقى نشطًا، فهو قد يجتمع مع نوبات الذُّعر، أو يكون حاضنًا للفصام، أو نقص الاستبصار.
البعض يُشبِّهُ الوسواسَ في أطوار نُموِّه بالتِّمساح، فهو يقول: حينما يكون في بيتك بيضة ُتمساحٍ يسهل عليك كسرها وهي بيضة، وسيكون قتل فرخ التمسح مُمكنًا أيضًا، ولكن إنْ لم تُدمِّرْهُ مُبكرًا سوف يتحول إلى وحش قادر على تحطيمك وبلا رحمة، في الحالات البسيطة والمتوسطة التَّشافي منه عبر العِلاج المعرفي السِّلوكي ممكن جدًا؛ بطريقة قطع الفكرة ثم عدم الاستجابة ثم صرف الانتباه للأهم.
ولكنَّهُ إذا ما تضخَّم وبلغ رشدَهُ سيكون مُدمِّرًا، وستحتاج إلى العلاج بالعقاقير الَّتي أغلبها مُضادة للاكتئاب، وأمَّا إذا ما اشتدَّ أكثر، وأصبح شبيهًا بالذُّهان فلربَّما يُعطى مُضادات ذهان بِجُرعات بسيطة، وربَّما يُعطى أدويةً داعمةً لدواء أصلي خصوصًا في حال نقص الاستبصار.