الوسواس يحتاج لطرفين
لحياة ذات مغزى علينا أنْ نكونَ أحرارًا، ولنتحرَّر علينا أنْ لا نلعبَ دورًا إكراهيًّا لاطوعيًّا، فالطَّهارة والصَّلاة والصَّحة والعقيدة والمُقدَّسات، وكذا الأفكار والمشاعر والسِّلوك، أيًّا يَكُنْ الأمر إنْ كانَّت طقسًا لاطوعيًّا فهي تنتج إحساسًا زائفًا؛ لذا الوسواسي دورٌ مشوِّه، وكي تعود للُّب، لعمقك، لكينونتك وجوهرك الحقيقي لابد أن تتخلى عن كونك طرفًا وشريكًا في اللُّعبة، بعبارة أخرى كن على سجيتك؛ لأنَّك حينما لا تلعب الدور فهذا يعني أنَّه ليس هناك وسواس، عليك أنْ تكون أنت أنت، أقصى ما عليك فعله هو أن تكون مُجْرَّدَ وعيٍ وحضورٍ، فالوسواس ليس هو أنت، هو ليس جزءً منك، وأنت لستَ الوسواس .
راقب ما يجري، الوسواس فقط يروي لك قصَّةً افتراضيّة وعواطفك تتفاعل معها، وضمن عمليَّة كيميائيَّة مُحدَّدة تنتقل تلك العواطف للجسد، فيتفاعل معها الجسد، لاحظ أنَّ كلَّ تدفقٍ للعواطف المحبطة والسلبيَّة يرافقها العشرات من الأفكار القهريَّة والإلحاحيَّة، سيلٌ متدفق مِن الخواطرِ والتصورات والأفكار؛ إنّها تصنع تعاستك.
التمرين الذي تحتاج له: هو تدريب العقل على التخلِّي عن القصَّة الَّتي يرويها لك الوسواس والرُّجوع للَّحظة الرَّاهنة (الآن وهنا)، ثق أن القصَّة الَّتي يرويها لك ليست هي المشكلة، بل المشكلة حين تسيطر عليك تلك القصة، لتسجنك في قفص من الحزن والندم والعدوانيَّة والتعاسة والإحساس بالدونيَّة؛ لتتخلص من كل هذا عليك أنْ تراقبَ العاطفة السلبيَّة عند بِدء نشوئها، فهي ستُعَبِّر عن نفسها على شكل قلق وتوتر أو مزاج محبط وتعيس، لحظة المراقبة الواعية هذه كفيلة أنْ تُخلَّصك من إدمان التعاسة.
الوسواس يهاجم المقدس
يُفَتش الوسواس دائمًا عن الأمر الذي له قيمة في حياتك لِيُهاجمه، فهو الشيء الوحيد الّذي يُمكِّن الوسواس من إزعاجك وإدخال الاضطراب إلى نفسك؛ لذلك يُغيِّر الوسواس شكله حسب قيمك، فإنْ كنت تُحبُّ الله وأولياءَهُ فسوف يُغْرِقك بأوهام ضدَّ عقيدتك، وسيختار أبشع ما يُزعجك من تصورات ذهنيَّة؛ لأن هذا فقط ما يُجْهِدُك ويجعلُ طاقتك منخفضة ليتمكن هو من الهيمنة والاستحواذ عليك.
بالنِّسبة للشابة الّتي تعتني بجمال جسدها ومظهرها وتقدسه، ستكون خدشة لا تكاد تُلحظ بالعين المجردة أو شيئًا يسيرًا من حَبِّ الشَّباب أو بعض البُثور سببًّا كافيًّا لجعلها تنهار تحت ضربات الوسواس، ومن يسعى للقيمة الاجتماعية سوف يخبره الوسواس وطبعًا بأسلوب ضمير المتكلم وعلى لسانه وبنفس نبرات صوته وطريقته المعهودة في الكلام: “أنَّا في نظرهم لستُ حتَّى نملة، لا أتلقَّى التَّقدير، ولا الاعتراف”، وهذا القاعدة مضطردة تشمل الطهارة والصلاة والنسب والصحة والأمن، وكلَّ ما يخطر على بالك، فإنْ كنتَ مهتما بأمرٍ محبًّا له متمسكًا به فسوف يكون ذلك هدفًا وغرضًا لأسهم الوسواس أعني الخواطر المزعجة .
لكنَّ الشَّخص الّذي يعرف نفسه حق المعرفة لا يتحرك من موضع ردة الفعل، بل يبقى لا تفاعليّ مع هذه الخواطر، وحينما تتعرَّف أنت (حديثَ النفس) بوصفه ليس أنت يُزَاح عن بصيرتك حجابٌ كثيفٌ جدًا من التَّضليل المُمنهج، ويُفسح أمامك طريق الخلاص.
ركّز جيدًا
إنَّ الوسواس يصعد في كثيرٍ من الأوقات على ظهر النفس اللَّوَّامة أو الأنا العُليا حسب فرويد فهو يحتنكها كما يحتنك الفارس الدَّابة من لجامها؛ لذا نجده في الكثير من الحالات يزدهر عند الأشخاص الَّذين يتميزون بمستوى عالٍ في مقياس اليقظة والتَّفاني بحسب السمات الخمس الكُبرى للشخصيَّة ، وخصوصًا أولئك الأشخاص الَّذين لا يرون إلا الأسود والأبيض، والجيِّد والسيئ ، يُحَوِّل الوسواس نجاحاهم إلى فوضى؛ ولكن حينما يكون الوعي مُرَاقِبًا “للنَّفس اللَّوَّامة ” و للفرز المبالغ فيه من “الأنا العُليا” للأحداث والمواقف سيضعفُ التوتر ويقلُّ القلق ويرحلُ الحزن ويتلاشى الخوف؛ وبالتَّالي لن يجد الوسواس البيئة المناسبة في النفس لينشط.