الإيذاء العاطفي ٨: كشف الإساءة وتشخيصها | سكينة

الإيذاء العاطفي ٨: كشف الإساءة وتشخيصها

كشف الإساءة وتشخيصها

إنّ إجراءات كشف الإساءة العاطفية والسيطرة عليها يحتاج إلى قدراتٍ ومهاراتٍ خاصةٍ ومعرفةٍ دقيقةٍ بنمط تلك الإساءة، ولكنّ الواقع يكشفُ أنّ هذه المهارات الخاصة لا تتوفر عند الكثير ممن يتعامل مع تلك المواقف والحالات، فالأزواجُ على سبيل المثال تسود علاقتَهم المحبةُ والاحترام، ويمارسون أفضل الأساليب عند التعامل مع بعضهم البعض، وحتى أولئك الذين ليستْ لديهم القدرة على بيان وشرح وتقديم صورة دقيقة لما يحدث في الواقع بينهما، في كثيرٍ من الأحيان فإنَّ الشَّخص الذي يتعرض للإساءة ويتم تقديمه على أنَّهُ المريض لا يستطيع تحديد معالم تلك الإساءة ونتائجها لأنَّهُ لا يعي ماهية الإساءة وأبعادها نتيجة ضعف معلوماته أو نقص في قدراته للتعرف على الإيذاء الذي تعرض له، ناهيك عن موقفه في تحديد ما إذا كان ذلك الإيذاء ابتزازًا أصلا؛ لأنَّ الإساءة العاطفية تسبّبُ في الغالب من الأحيان للضحيّة الشك في تصوراته، محمّلًا نفسه جميع المشكلات الحاصلة في العلاقة الزوجية سواءً أكان الضحية الزوج أو الزوجة، وغالبًا ما يأخذ الطرف المُعتدَى عليه دور المريض عن طيب خاطر تمامًا، ولا يقتصر الأمر على أن المعتدِي لا يُعَرَّف به فحسب، بل يمكن أنْ يشعر أيضًا بأنه مدعوم بخبرة المشورة حيث يتم التحقق من صحة تصوراته وتعزيز معتقداته.

المتخصصون في العلاقات الأسرية والزواج يؤكدون باستمرارٍ على أنّ الحلَّ الأمثل لمشاكل العلاقات الأسرية والزوجية يكمنُ تحديدًا في تعلّم مهاراتِ الاتصالِ بصورةٍ أكبر، لأنَّهَا طريقٌ لحل الكثيرِ من المشكلات الصغيرةِ التي لا تحتاج إلى جهدٍ كبيرٍ لحلها، إلى جانب أنَّ هذه المهارة تزيد من فرص التفاهم وتوسع مساحة المناطق المشتركة بين الأطراف المختلفة، ومن ناحية أخرى فإنَّ مهارة الاتصال لها القدرةُ على تعزيزِ الثقةِ في النّفسِ واتخاذِ القراراتِ بصورةٍ صحيحةٍ، وكذلك مراعاةَ كلِّ الأطرافِ ذاتِ العلاقة، أمّا إذا كان أحدُ الشركاء أو كلاهما يُسيءُ عاطفيًا عن وعي وعمد، فإنّ المسألة لا تتعلق بصعوبة محاولة الزوجيْنِ التعبير عن مشاعرهما، وأنَّهما يحاولان فهم الاختلافات بينهما كرجل وامرأة، وكيف يحاولان التَّسامح باعتبار أحد الشريكيْن مسيئًا والآخر ضحية، فإنّ المشكلة لن تزول ولن يجدوا لها حلًا أبدًا.

في الواقع أنَّ بعض خبراء العلاقات يتبنون فكرة أنَّ الشخص يمكن أنْ يتغير ببساطة عن طريق اتخاذ قرار من قبل الزوجيْن على أنَّهما قادران على حل المشكلات بينهما، ويبدو أنَّ الخبراء والمتخصصين يتجاهلون حقيقة أنَّ السلوكيات مثل الإساءة أو السماح بحدوث الإساءة هي أنماطٌ راسخةٌ للغاية عندما نكونُ صغارًا، إنَّ وصفنا شخصًا ما بأنَّهُ مسيءٌ أو مُساءٌ إليه ربما يكونُ مهينًا وقد يكون ضارًا للغاية على المستوى النَّفسي والعاطفي والجِسمي.

وعلى أقل تقدير يتسبب الاعتداء العاطفي لكل من المعتدِي والضحية إلى عدم رؤية الجوانب الحسنة لكليهما، كلما سُمح لطرفٍ بالحطِّ من شأنِ الطرفِ الآخرِ أو انتقادِه أو السيطرةِ عليه، كلما قلَّ احترامُهُ له، وكلما تعرض الشريك للإساءة العاطفية، كلما كان يبني ببطء كراهية شديدة تجاه الجاني، عدم احترام وكراهية كل شريك يبدأ بشعور داخلي نتيجة السلوك الصادر، وهو بدوره يؤدي إلى مزيدٍ من الإساءة العاطفية، ويحاول كلُّ شريكٍ تبرير سلوكه بمجموعة من المبررات غير المنطقية ومحاولة إلصاق تهمة الإساءة بالطرف الآخر، الإساءةُ من أحد الطرفين هو سلوك وأسلوب من أساليب هدم العلاقات العاطفية والروحية بين الزوجين، وهو نوعٌ من التدمير لبناء الأسرة، مع مرور الوقت يمكن أنْ يتراكم الغضب من جانب كل من المعتدِي والضحية، ويمكن أنْ يتحول الإعتداء العاطفي إلى العنف الجسدي، وهذا ما نشهدُهُ في كثير من الحالات الأسرية، فالاختلافات الصغيرة والإساءات ذات الحجم الصغير والارتدادات البسيطة إنْ لم يبدأ الطرفانِ في علاجها فإنَّها ستكبر تحت قاعدة كرة الثلج فكلّما تدحرجتْ كرة الثلج كانت فرص زيادة سرعتها وحجمها كبيرة.

والصورة السابقة للإيذاء العاطفي وأثره في كسر العلاقات الزوجية وتحطيمها يمكنُهُ أنْ يتكرر في أنماط مختلفة من العلاقات الأخرى، كعلاقة الأصدقاء أو زملاء العمل أو بين طلاب المدارس، وهي خطيرة وتمثل كارثة تربويّة كبيرة، بل وتصنّف كحالة من حالات التنمّر والسلوك المشكل الذي يتعرض لها بعض طلاب المدارس وخصوصًا في المرحلة الإعدادية (المتوسطة)، وتكون مشكلة مؤرّقة إذا اجتمعتْ حلقات دراسية مختلفة، فإنَّنا نجد الكثير من حالات الإيذاء العاطفي تنتشر بين طلاب مرحلة متقدمة يمثلون الجناة لطلاب مرحلة أدنى، يمثلون ضحايا للإساءة والإيذاء العاطفي مما يمثّل مشكلة كبيرة لها تداعيات ونتائج خطيرة على تحصيل الطلاب الأكاديمي ونموهم الشخصي، كما أنَّهُ يؤثر بشكلٍ كبيرٍ في نموهم العقلي وينعكس ذلك في اختلال درجة اتزان شخصياتهم وثقتهم بأنفسهم.

شارك المقال:
هل وجدت هذا المقال مفيدًا ، يمكنك الاشتراك لتصلك مقالات مشابهة
مواضيع ذات علاقة
التسليم ٩ : خواطر المتع المتنقلة | الطمأنينةُ و الوقار في سَكينَة

التسليم ٩ : خواطر المتع المتنقلة

الإيذاء العاطفي ١٢: لماذا شاعت الإساءة ؟ | سكينة

الإيذاء العاطفي ١٢: لماذا شاعت الإساءة ؟

الإيذاء العاطفي ٤: الإهمال العاطفي للطفل وآثاره | سكينة

الإيذاء العاطفي ٤: الإهمال العاطفي للطفل وآثاره

القرار الشجاع- Two magnets on a pink surface.

القرار الشجاع

ما هو الإيذاء العاطفي؟

الإيذاء العاطفي ١: ما هو الإيذاء العاطفي؟

السلوك العدواني

السلوك العدواني عند الأطفال والشباب الجزء ٢

الإجهاد والتوتر

الإجهاد والتوتر ٣ : تقنيات إدارة الإجهاد

الإيذاء العاطفي ٧: عواقب الإيذاء العاطفي | سكينة

الإيذاء العاطفي ٧: عواقب الإيذاء العاطفي

هل تكتب مقالات؟

تستطيع الكتابة لمساعدة الآخرين، اكتب لنا و سننشر لك مع الاعتبار لسياسة كتابة المقالات التي نتبعها

Survey
Interested in reading articles
Articles Writer