الوعي واليقظة والشهود ضد الغفلة، العلاج بالوعي هو المراقبة بكل بساطة، وهو يستند على فكرة مفادها أنَّك لا تستطيع القيام بشيء تعتقد أنَّهُ غلطٌ وأنت في كامل وعيك فالسوء دائمًا يكون بجهالة، أي في ظرف اللاوعي، وأيُّ انحراف لا يمكنه الاستمرار وأنت في كامل يقظتك، أمَّا الغشُّ والإعوجاجُ والتلاعبُ فإنَّهُ يتوقفُ تلقائيًا إذا سلطتَ عليه الضوء وأخضعتَهُ للمراقبة، فالعلاجُ بالوعي يعني الشهودَ والاستبصارَ المستمر لحالات النَّفس وتصفيتها وتزكيتها عبر الرصد، فالإقلاع التلقائي عن كل وصف مذموم.
فرضيات العلاج
يتبين بذلك أن الجهالة في باب الأعمال إتيان العمل عن الهوى وظهور الشهوة والغضب من غير عناد مع الحق، ومن خواص هذا الفعل الصادر عن جهالة أنْ إذا سكنتْ ثورةُ القوى وخمدَ لهيبُ الشهوةِ أو الغضب باقتراف للسيئة أو بحلول مانع أو بمرور زمان أو ضعف القوى بشيْبٍ أو مزاج عادَ الانسانُ إلى العلم وزالَتْ الجهالةُ وبانت الندامةُ، بخلاف الفعل الصادر عن عناد وتعمد ونحو ذلك، فإنَّ سببَ صدورِهِ لما لم يكن طغيان شيءٍ من القوى والعواطف والأميال النفسانية بل أمرًا يسمى عندهم بخبث الذَّات ورداءة الفطرة لا يزول بزوال طغيان القوى والأميال سريعًا أو بطيئًا بل دامَ نوعًا بدوام الحياة من غير أنْ يلحقَهُ ندامة من قريب إلا أنْ يشاء الله.
مباديء العلاج بالوعي
١- الوعي ليس هو فكرة أو مفهومًا وليس هو شعورًا، إنَّهُ حضورُ قلبٍ وبصيرةٌ، هو تجربةٌ روحيةٌ تقومُ فيها بمراقبة المناخ الذي يجتاحُ روحَكَ، مثل الحزن – القلق – الكآبة – الفرح – الضيق ، فأيُّ شعورٍ له طاقة وأجواء بل أيُّ فكرةٍ وتصورٍ مزعجٍ أو أي سلوكٍ تعتقدُ أنَّهُ غيرُ مرغوبٍ، يمكنُكَ تصحيحهُ عن طريق وعيك بما يحصل وما تفعل، المهم أنْ تبقي عينُ القلبِ مفتوحةً لترصدَ كلَّ ما يجري وفي لحظة سيظهرُ لك قبحَ السلوكِ وستجدُ أنَّكَ غيرُ قادرٍ على مواصلة الغلط، ما الذي أفعله لماذا يحبطني هذا الشعور وفيم أفكر؟
إذن الوعي هو شهودٌ وحضورٌ لما يجري في فضاء الروح دون أنْ تماهي أو تناقش أو تتطابق مع أفكارك ومشاعرك، ودون أنْ تكون ممزقًا ساعةً تخضع لشغف الغرائز والشهوة وما تنتجه النَّفسُّ الأمارة، وساعةً تستغرق في العتاب وجلد الذات واللوم، لذلك سيكونُ عليك مراقبةُ نفسِكَ وأنت تقوم بالوعظ والحكم على ذاتك و“اللوم“، الذي يسبّبُ لك التعاسة والذي يدمرك ستبقى تراقبه فقط .
٢- الوعيُ عمليةٌ مستمرةٌ يجبُ أنْ تستغرقَ كلَّ أزمنتِكَ وفي أي ظرف تكون، وهذا يحتاجُ منك إلى صبرٍ ومِرانٍ وتدريبٍ، وكما قلنا أنَّهُ ليس تصوراتٍ منطقيةً ليس ذكاءً نظريًا بل مهارةٌ قلبيةٌ، بمجرد أنْ تغفلَ عنها تنقطعُ وتذهبُ وتحتاجُ لاسترجاعِهِ لتصفيةِ السّر واكتساب اللياقة من جديد.
٣- القلبُ البصيرةُ هو من يجبُ عليها إدارتَكَ والتحكم في جهازِكَ العصبي، وهو الإمامُ الذي يقومُ بنشر النُّور على كلِّ ما يلتقطُهُ جهازُكَ الاداراكي وما يصدرُ منه، إنَّهُ فقط عمليةُ رصدٍ ومراقبةٍ دون تدخل.
مميزات العلاج بالوعي
لو افترضنا أنَّ الروحَ مسرحٌ ومساحةٌ، فإنَّ المشاعرَ والأفكارَ والسلوكياتِ هم الممثلونَ في هذا المسرح، سيكونُ المسرحُ هو الثابتُ والممثلون هم المتغيرون، والذي يميّزُ العلاج بالوعي أنَّهُ صالحٌ للتشافي من كل هذه المتغيرات، فهو يصلحُ لتخليصِنا من نمط الشعور المتكرر، كم ينفع في ضبط الأفكار وتخليصنا من الروتين في مجال السلوك وردود الأفعال، وهو طريقةٌ نافعةٌ لنفكَّ القيودَ والإصرَ والأغلالَ التي تثقلُ أرواحَنا، وهو أسلوبٌ مريحٌ لتتحررَ من الأعباء، لذلك كله فإنَّ العلاجَ بالوعي طريقةٌ متعددةُ الاستعمال، فهي تدخل في علاج الكثير من الأمراض النفسية مثل الوسواس وحالات الإدمان أو الخوف و/ أو الشعور بالكآبة أو التوتر والقلق، وهو نافعٌ لتصحيح العلاقات الاجتماعية، ويسهمُ بفعالية في مجال التنمية الروحية وتطوير الذات.
خطوات العلاج بالوعي
١- تهيئة الروح لرصد المشاعر والأفكار خصوصًا العادات السلوكية التي تنتج عنهما.
٢- معرفة تلك العادات السيئة والأنماط الفكرية والشعورية المرهقة والتركيز عليها.
٣- فهم مدى السوء الذي يسببه هذا الروتين للروح ومقدار كونه غير سليم وغير صحي وغير أخلاقي وغير نافع، بأي طريقة علينا أنْ نفهم مدى السوء الذي يلحقنا بسببه، ثم تشتاق الروح للتخلص منه وفي لحظة تنبعث العزيمة وتتكون الإرادة ثم تحجم أنفسنا عن متابعة تلك العادات.
نماذج لطريقة التشافي بالوعي
لنفترضَ أنَّكَ شخصٌ مدمنٌ على الألعاب الإلكترونية، أو على تناول النشويات، أو تكررُ غسل اليد، حينما تشارك في اللعب أو تطلب طعامًا أو تقفُ أمام المغسلة افعلْ كلَّ خطوةٍ من خطوات الروتين وأنت واعٍ إلى أين يأخذُكَ التمادي في تطبيق عادتك هذه.
لا تحكمْ على نفسِكَ بالخطيئة، فقط راقبْها لا تحكمْ على الإطلاق، لتكنْ حاضرَ القلبِ وأن تقومَ بالعادة، اللعبُ ممتعٌ والطعامُ لذيذٌ وعادة تكرار الغسل لتريح من التوتر، ولكنَّها عاداتٌ مضرةٌ، أنتَ تقومُ بأشياء ممتعةٌ لذيذةٌ وقد تكونُ مريحةُ لكنَّها مضرةٌ، القلبُ يعي الأمرين معًا، راقبْ كلَّ ما يحصلُ في فكرِكَ بعد الروتين، ولا تحكمْ، فقط راقبْ، ولا تقولُ هذا لا يجبُ أنْ أفعلَهُ وهو خاطيءٌ، راقبْ بصمتٍ، فقط راقبْ نفسَكَ، بعد تلك العادةِ، وبعد ساعتيْنِ، فقط راقبْ نفسَكَ لاحظْ أثرَهَا عليك، بعد يومٍ لاحظْ كلَّ آثارِ تلك العادةِ لاحظْهَا في نفسِكَ.
تمرنْ على هذه البصيرةِ، واستمرْ في الملاحظة لحظة الضرر الذي تسببُهُ لك تلك العادات، المهم أنْ تكونَ عمليةُ المراقبةِ مستمرةً، داومْ على المراقبةِ فيومًا ما ستعي بوضوح أنَّكَ في تناقض تامٍّ، وستكونُ غيرَ قادرٍ على الاستمرار في ذلك الروتين وتلك العادة، سوف تجدُ أنَّكَ غيرُ قادر على المضي في الطريق الضرر سوف تستسلمُ لوعيِكَ، لأنَّكَ غيرُ قادرٍ على إهدار المزيد من الوقت والطاقة والمال، حينما تصل لهذا المستوى من الانتباه سيكونُ من المؤلمِ عليك أنْ تستمرَ فيما أنتَ فيهِ وستتوقفُ فورًا.
