﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ سورة الاعراف، آية ٢٠١
اليقظة هي حالة من الوعي والمراقبة والانتباه الدائم لما يجري في دواخلنا فأنت نائم وفجأة استيقظت لتكتشف العالم الداخلي لك، مشاعرك وعواطفك وخواطرك الذهنية وتصوراتك وردود أفعالك، كل ما يحصل في الوجود الذهني وفي فضاء الروح، يؤثر علينا بشكل كبير في العلاقات وفي التفاعل مع الحياة والناس، وهي تشكل الشخصية الباطنية لنا، وهذا الشكل الباطني للإنسان هو الأخلاق، وقد نسمِّيه مزاجًا لأنه ممزوج من قيم وأخلاق وعواطف كعواطف الحزن والراغبة، هذا كلُّها موجود في دواخلنا، والرغبة أنْ أبدأَ الإلتفات لما في داخلي وأرى إلى أين يأخذني، هل هناك شيء يشتغل على تضليلي، أو يسهم في نموي ورقي وتطويري.
ثنائية الروح والأنا الزائف
الروح شيءٌ بسيط من عالم الأمر، ويمكننا مراجعة السيد العلامة في التعرف على خصائص عالم الأمر، ذلك العالم الذي هو إبداع والإيجاد فيه ليس تدريجي، فالروح أمر بسيط وهو دائمًا مرتبط بالله، وهي أمر وجودي عميق جدًا، هو بعدنا الوجودي وحقيقتنا وكينونتنا وجوهرنا، لو أردنا تشبيه العلاقة بين الروح و“الأنا الزائف” بالبحر، فالرَّوح هي الماء والعمق، و“زيف الأنا” هو السطح والتموجات، التي هي المشاعر والخواطر وردود الأفعال بينما الروح هي العمق لأنها موجودة حتى لو لم ألتفت للتموجات، التي منها ما أملك من مال ومناصب وشهادات ومراكز والالقاب واعتقد حتى الاسم، هي تموجات فنحن نأتي للدنيا بدون كل هذا ونرحل منها بدون هذه الأمور كلها، فهي ليست جزء ذاتي منا بل حتى الخواطر والتصورات الذهنية والعواطف فهي تتبدل وتتغير وتتقلب، كل هذه تحصل في مسرح وجودنا فيذهب فعل وتأتي ردة فعل ويبقى فضاء الروح الوجود الذهني ثابت.
قد نعتقد واهمين أنَّ حقيقتنا هي الشخصية المكونة من الاسم واللقب والسن والممتكات والروابط مع الأشياء والعلاقات والشهادات والوظيفة، أعتبر كل هذا مكون ذاتي لي، ولكن الأمر ليس كذلك، لأنَّها أمور تتبدل والذاتي لا يتبدل.
الأمر الذي لا يمكن الانسلاخ عنه هو روحي وعمقي وكينونتي، هذا هو الفرق الأول، فالروح أمر ثابت مرتبط بالله تعالى وهو يشكل فسحة وجودية، وغيره هي أمور تحضر وتحصل للروح مثل الصور الذهنية والعواطف التي تتدفق من العمق والمشاعر وردود الفعل.
هذه الثنائية من الروح الواعي والأنا تصنع صراعًا وهيمنة وغلبة، إما للروح أو للنَّفس، وهذا المعركة الداخلية التي تحصل في مساحتنا من الوجود .
الروح لأنها تجلٍ لباريها فهي متقومة بدوام فيضه، وهي في عمقها آية من آياته متصلة به ودالة عليه، وكأنها شعاعٌ من إشراقات فيضه، لذلك يوجد في عمقها كل أسباب النجاة، فإذا ما قمنا نستبطن ونغوص فيها وجدنا السعادة والانبساط والطمأنينة والسكينة، وبقدر بساطة الروح بساطة عملها، وهو الرقابة والحضور الواعي، فالعمل الروحاني عمل يقظ وبسيط وكما يقول السيد العلامة مراقبة مراقبة مراقبة.
إذن البرنامج العملي هو أن تكون أنت الشاهد لمسرح الروح وما يجري فيه، لأن هذا الوعي يشلُّ حركة الزيف ويجعله يتلاشى، فكل ما نريده قد أودعه الله تعالى في أعماق الروح.