الوسواس والإلهام :
ما إن تتسامى وتبدأ مشوارك نحو الانحياز الإيجابي حتَّى تكتشف أنّ هُناك صوتًا آخر، خفي أيضًا ولكنه يدعوك للخير، شيئًا يلمع في عقلك يُثير الكثير من الأفكار، ولكن مع وعيٍ يقف وراء هذه الأفكار وليس هو هي، وبدل من أن تتحكم الأفكار فيك تُصبح خادمةً ليقظتِك، كأنَّ قلبك بدأ يتصل بوعيٍ أرقى، فإذا صحَّ أنْ نقول:” مُحفِّز الوسواس شيطانٌ، فإنَّ مُحفِّز هذا الإلهام نسميه ملَكاً”، وإذا صدق أنّ ما يتهيَّأ به القلب لقبول وسواس الشيطان يسمّى “إغواءً وخذلاناً”. فإن ما يتهيّأ به القلب لقبول إلهام الخير يُسمَّى “تُوفِيقًا”،
وقد جاء عن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-:”في القلب لمَّتان، لمَّة من الملَك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنَّه من الله وليحمد الله، ولمَّة من العدوّ إيعاد بالشرِّ، وتكذيب بالحق ونهي عن الخير فمن وجد ذلك، فليستعذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم”.
إذا بدأت تستمع لِهذا الصَّوت، أو الإشارة الَّتي تدفعك للخير، وتنشر في كينونتك البهجة والنَّشاط، فسوف تُلاحِظ أنَّ أهمَّ ما يُمكن أن يحصل لك قد حدث فعلًا ، ستجد روحًا ومعنى جديداً لحياتك، روح تجعل كُلَّ حركةٍ في حدِّ ذاتها مملوءةٌ بالطاقة، سوف تتذوَّق النوعيَّة في أيِّ فعلٍ تقوم به، لن تشعر بالتَّعاسة أو الإحباط لأنَّك تدخل للحمام، أو تتصفح كتابًا عن الجراثيم، أو تُغلِق باب الغُرفة، أو تستمع لمحاضراتٍ حول العقيدة، أو تُراقب شخصًا يُسِرُّ للآخر بمحضرك، لن تكون بعد ذلك أسيرًا للأفكار، ولا للعادات، ولا للمشاعر، بَلْ ستكون مكتفيًا وواثقًا أنَّ القدر يُشرِق عليك بخيراته، لقد بدأ جوهرك يتواصل بدون خوف ولا رغبة، هو متحرر تمامًا وراضٍ، وأنت كذلك لم تعد منعزلًا عن الوجود، ولستَ عالِقًا في تيارٍ من الأفكار المستمرة، والَّتي تمنعك من التَّناغم مع الحياة، حتَّى صوتُك الداخلي أصبح يَصدُرُ من نبعِ ماءٍ زُلالٍ، وكما يَسري الفيض الإلهي في الأشياء كُلِّها، ستجده يسَري فيك؛ لِذا ستكونُ مُنسجمًا تمامًا مع عالم التَّكوين، كما أنت مُنسجمٌ مع الشَّريعة وروحها، سوف يُثمر كُلُّ ذلك حكمةً وقدرةً ، نشاطًا وبصيرةً ، لقد أصبح الحماس طاقتك الَّتي تُشرقُ بها من عُمق الرُّوح على الأشياء من حولك .
الأُفُق الرَّحب:
في نهاية نفق التَّشافي من الوسواس ترى الأُفق الرَّحب، وتفهم سرَّ القدر ، كم حطَّم الوسواس من أهدافك ، ولكن حربك للسيطرة على مملكة القلب كان لها ثمار، لقد تجدَّد عندك الوعي، وبدأت تفهم معنى اليقظة والذكر، لقد تمَّتولادة أهداف جديدة، وعادات أعمق، وهي مُتناغمةٌ تمامًا مع الرُّوح، وما خسرته في الخارج يتم التَّعويض عنه على الصَّعيد الداخليّ، لقد تجاوزت بالنُّضج سنوات عُمرك الافتراضية، وانفتح لك بَعدَ التَّخليَّة من الوسواس بابًا إلى عالم الرُّوح، فالفكر والكلام، والحركة والإبداع، والعواطِف كُلُّ ذلك وجد منبعه الصَّافي الَّذي يستقي منه، ارتبطت روحك بالسَّكينة والرُّجوع لله، بالتلاشي والفناء في إرادته تعالى.
الآن اصبح الدماغ تابعا للوعي، لم تعد بحاجة لتناول ما يصحح وظائفه الكيميائية، لقد خضعت نواقلك العصبية لأمرة اليقظة عندك، ولم تعد تنقل تلك الرسائل الكاذبة، بعد ذلك انتظمت كل الأوامر التي يصدرها جهازك العصبي وشبكته الممتدة في بدنك، كل ما تفعله بمحض إرادتك، ليس هناك فكرة ملحة تأمر وتنهى، ولا فعل إكراهي، فأنت تستمتع تماما بما تقوم به ، وتؤديه بحماس ، وراض تماما عنه وهذه شروط الفعل الناجح المنبثق من عمق الروح.