الفرق بين وسواس النفس و وسواس الشيطان :
قد يبدو لِلوهلة الأُولى أنَّ العائِق الأكبر لِنهوضنا هي وساوس إبليس، ولكنَّ مع أدنى تدبُّر وتفكُّر سنرى أنَّ وساوسَ النَّفس لا يقلُّ خطورةً عن وساوس الشَّيطان، لِذلك يجدر بنا أن نفرِّق ونتساءل: هل الَّذي نُعاني منه هو وسواس النَّفس، أو وسواس الشَّيطان؟
الفارق الأوَّل: حديثُّ النَّفس هو سيل الأفكار الَّذي لا يَتوقف والَّذي يُصِرُّ على مشاعرَ خاصةٍ، فهو يدعو لِمعصيَّةٍ من نمطٍ تُصِرُّ عليها النَّفس، ولا تتنازل عنه، وأمَّا وسواس الشَّيطان فهو يهدف لِمطلق الإضلال فإنْ رأى النَّفس لا تقبل منه الدخول من بابٍ احتال للإغواء في أي بابٍ.
الفارق الثَّاني: وسوسة الشَّيطان ومضة فقط، تُشغِّل آلة النَّفس؛ لذا هي لحظيَّة أمَّا وسوسة النَّفس فهي لا تهدأ، وحالها مثل دينامو التَّشغيل في السَّيارة ودينامو الشَّحن، فالشَّيطان عليه أنْ يقدح زناد التَّشغيل، فيُشعل مجرد شرارةٍ عبر خاطرةٍ من خواطره، بينما تشتغل النَّفس على إعادة شحن ذاتها بالأفكار اللاطوعيَّة المُّكرَّرة والمستمرَّة.
الفارق الثَّالث: وسوسة الشَّيطان فيها إبداع، ويكتنفها عُنصر المفاجئة، وهي مكثفةٌ جدًا، بينما وسوسة النفس تفصيليَّة، مُستمرِّة، مُستقرِّة، ومُكرَّرة، وليس فيها إبداع.
طبعًا هذا في مستوى همزات الشَّياطين، ﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ﴾، أمَّا حينما تتنزَّل الشياطين على قلب الآدميّ، وهو قلب يجب أنْ يكون أفَّاكًا أثيمًا حتَّى تهبط عليه الشَّياطين ويتحول الإنسان نفسه حينئذٍ لشيطان، فيتحد وسواس النَّفس ووسواس الشيطان، ولا يبقى الهمز واللمز وإنَّما ﴿وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾، وفي هذه الدَّركة تصنع النَّفس “أناها” مِن الهوى والشَّيطان يُعاضِدُها فقط.
الوسواس وطرق التَّعاسة:
راقبْ نفسَكَ وكأنَّها مسرحٌ تّدُور في داخِله قصَّتك مع الوسواس، تأملْ بوعي الوسواس وهو يُهيمن عليك ويجعلك محبطًا، ضيِّق الصَّدر ويائس، كم يُجيد فنون الإزعاج!!
الأمور البسيطة والسلسة والَّتي لا يحتاج بذلها لِطاقةٍ أو مجهودٍ ستتحوَّل لفعلٍ يشبه الإدمان، وكَّلَما كرَّرت السُؤال، أو البحث أو الفعل أو إعادة تمثيل الفعل عَلِقْتَ بشكلٍ أكبر؛ لِهذا إنِ اندمجتَ أكثر، قَوِيَ الوسواس وهيمنتُهُ عليك أكثر فأكثر، ما إنْ يستحوذ عليك الوَّهم حتَّى تُصبح ضحيةَ أمُوارٍ تافهةٍ وبلا معنى، والحلُّ أنْ تتقبّل الإزعاج تتعايش معه، ولا تُقاومه، ولكن دُونَ بَحثٍ، ولا إعادة تمثيلٍ، ولا سؤال، فقط استيقظ، عِشْ حياتّكّ وليُرافقك الإزعاج، تقبَّله ولا تَهرب منه، فلا تتوقف عن مزاولة نشاطك المعتاد: “الرِّياضة، تربيَّة الحيوانات الأليفة، غسيل الملابس، الدِّراسة، وغير ذلك ” قُمْ بالأشياء لأنَّها كافيَّةٌ في حدِّ ذاتِها، وسيتضمن عملك بُعدًا روحيًّا يجعله مُشرقًا، وسيفتح لك هذا التَّسليم بابًا على العُمقِ والرُّوح.
لنْ يرحلَ الوسواس بعيدًا، فما زال في جُعبتِهِ الكثير من الحيل الجديدة، هو يُجيدُ إخبارَكَ بأنَّ شيئًا ما يُفسد عليك حياتك أو عملك: “حدثًا ما كان يجدر أنْ يكون، أو شيئًا لم يحدث يجدر أن يحدث “بهذه الطريقة (حدث ولم يحدث) يُشتِّتُك ويُعيد لك الإحباط”، تجاوز كل هذا وواصل الاستسلام للوعي.
تأكد أنَّ الوسواسَ لن يستسلم سيقترح عليك أفكارًا جديدةً: “لماذا لا تُعدِّل من ذاتك؟ أو تقاوم أكثر، وتُدافع عن نفسك بصلابة وخشونة؟ أو ربَّما لماذا لا تلوم نفسك أو الآخرين الَّذين أوصلوك لِكُّلِ هذا؟” بدلًا من الإصغاء لِهذه المقترحات لا تفعل شيئًا، تقبَّل واتَّجه عمليًا في عكسِ اتِجاهات الوسواس، لا تستدعي مُقترحاتِهِ، بلْ فقط تَأمَّل ما يَجري في مسرح نفسك.
إذا وجدت شعورًا جديدًا يجتاحك من الدَّاخل، وأصبحت قادرًا على الاستمتاع بالأشياء البسيطة كمناغاة طفلٍ أو إطعام طيرٍ، أو الارتياح لِمنظرِ السُحب والرِّياح، وحركة سعف النَّخل، إنِ اسْتَطعتَ أنْ تندمجَ مع الغرباء دون أنَ تشعرَ بغربتهم، أو الجُلوس وحيدًا دون الحاجة لأن تقلق أو تتوتر، فقد بدأ نور وعيك في الإشراق وأصبح مسرحك الداخلي غير صالح لنشاط الوسواس.
الآن أنت تعرف جيدًا سرَّ التَّشافي، وهو الوعي والاسترخاء، السُّكون مع اليقظة، السَّكينة الَّتي ترى الأمر من الأعلى دون المُشاركة في التَّفاصيل، إنَّها تشبه الصُّعود بعيدًا في طائرةٍ مروحيَّة، وأخذ مشهدٍ لِكُّل ما يجري في طوايا نفسك، ودون التفاعل مع التفاصيل، وهو أسلوب يختلف عن طريقتك السابقة فقد كُنت تعمل كسائقٍ خاصٍ عند الوسواس يُرسِلُك لأكثر المواضع زحمةً وإزعاجًا.