الوسواس وتوقع الأسْوَأ
الحياةُ توفِّر لك غالبًا ما تنحاز له؛ إنْ نظَّمتَ توقعاتِكَ على أنَّ الحياةَ عائقٌ فسوف تكونُ كذلك، وإنِ اعتبرتَهَا أو اعتبرتَ العِلاقاتِ والأشياءَ فيها مشكلةً فستكون فعلًا مشكلة ً.
يجبُ أنْ تسألَ نفسَكَ ماذا يجري؟ لماذا الماء يصل لأعضاء الوضوء عند الجَّميع ولا يصل لأعضائي؟ لماذا هو لا يجفُّ عند الجَّميع وحينما تصل النَّوبة لِي يجفُّ؟ لماذا تلتطم قطرةً من النَّجاسة بسطح الأرض ثُمَّ تقفز لتصل لرقبتي بينما لا تفعل ذلك مع الجَّميع؟
في الواقع لأنَّك لم تُحسن النِّية بالأشياء: بالماء والأرض وغيِّرها بَلْ نظرت لها بعين الاتهام عندئذٍ عاش الواقع الخارجي في وجدانك كشيءٍ عدوانيٍّ.
كُنْ على يقينٍ أنَّ العَوالِمَ كُلَّها متطابقةٌ: التَّشريع والتَّكوين؛ فإذا قالت لك الشَّريعة:” أنَّ مُدًّا من الماء يكفي للوضوء، وصاعًا يكفي للغُسْل فهو يكفي”، وكما يقول الفلاسفة:” ليس في الإمكان أفضل مما كان”.
إِذنْ صادق الأشياء كما تُصادق الأشخاص، قُمْ بالخطوة الأولى: كُنْ وديًّا تجاه الماء، والمكان، والطبيعة، رَحِّبْ بالنَّباتات والحيوانات، ستردُّ عليك الحياة التَّحيَّة بأحسن منها.
كذلك صادق الوقت، الزَّمن الَّذي يُعَرِّفُهُ الفلاسفة بأنَّه:” الكم المُتَّصل السَّيال غير القار”، لاحظ دائمًا أنَّك تَجلس في اللَّحظة الَّتي هي طرف الزَّمن، وكأنَّك في سيَّارة، وكُلُّ حركةٍ تَصَرَّمَ سابقُها ولم يُوجد لاحِقُها؛ فما الَّذي يجعلك إِذنْ تنظرُ لهذه الَّلحظات كعائقٍ؟ لماذا تضطرب قبل الأذان أو قبل ذهابك للحمام؟
واقعًا كُلُّ ذلك لأنَّك تُضحي بزمانك الفعليِّ لصالح المستقبل الموهوم، ألا يجعلك ذلك مُحْبطًا، ماذا لو عِشت وقتك الفعليَّ واستثمرته لأقصى حدٍ، ورَحَّبْتَ به وكُنتَ حاضرًا فيه بِكُلِّكَ، وكلما جَرَّك حديث النَّفس وتصوراتك الذهنيَّة للأسْوَأَ المتوقَّع في المستقبل عُدْتَ بِه للَّحظة الرَّاهنة، ثِقْ أنَّ الحياةَ دائمًا هي الآن؛ فتجنب أنْ يُدمِنَ عقلُك الانشغال بالماضي أو المُستقبل، أَوْقِف ما استطعتَ رُدُود الأفعالِ وعِشْ لحظتَكَ بعمقٍ، ثُمَّ ثِقْ أنَّ قضاءَ اللهِ وقدره يدعمُكَ فكُنْ راضيًا.
طقوس الوسواس
الطُّقوس هي أفعالٌ تأتي بها (الأنا) للتهدئة، أو المساعدة على تخفيف التوتر، أو القلق النَّاجِم عن الأفكار الوسواسيَّة، مثلًا: “إذا لم أرتب أقلامي على شكل خطٍ، فسيحدث لي شيءٌ فظيعٌ”، ويُردِفُ الوسواسي هذه الجملة بعبارة:”أعرفُ أنَّني أبدو غريبَ الأطوار، أو أنَّ فِعلي هذا يبدو غبيًا أو غير عقلاني؛ لكن ماذا أفعل؟! لا يمكنني التَّوقف!
يأخذُ هذا الطقس أشكالًا مختلفة: كتكرار غسل اليد والاستحمام، أو الالتفات والمشي بطريقة معينة، قد يكون البلع، أو رمش العين، أو إغلاق الباب ولمس الأشياء بطريقة خاصة، وأيًّا يَكُنْ الطَّقس فإنَّه يُبقيك أسيرًا للوسواس، تبقى معه عالِقًا كأنَّك شخص تغوص قدماه في الرِّمال المتحركة، فكلَّما كرَّرتَهُ وبالكيفيِّة الخاصة كلَّمَا نشبَ مخالبَهُ فيك بشكلٍ أكبر؛ والحلُّ هو أنْ “تعمل لا شيءٍ”، أنْ تتأمل رَوِيًّا قبل أنْ تستجيب، أنْ تقفَ وقفةَ صمتٍ فيسكت الدَّاخل، أنْ تكفَّ نفسَكَ وتكونَ ساكنًا، لِوهلةٍ سيكون الأمر مزعجًا جدًا، ولكنْ بعد ذلك ستشعرُ برحابِةٍ وفُسحةٍ وانشراحٍ في الصَّدر، سيشتغل النُّور الكامن في الوعيِّ؛ إنَّه البصيرة الَّتي بواسطتها يتحقق عندك الشُهود.