سبل السلام

الإمام علي (عليه السَّلام): «درك السَّعادة بمبادرة الخيرات، والأعمال الزاكيات». 

(ميزان الحكمة 4/224، الريشهري)
العلاج العقلاني الانفعالي | الطمأنينةُ و الوقار في سَكينَة

العلاج العقلاني الانفعالي

العلاج العقلاني الانفعالي للسّلوك الإنسانيّ من النّظريات العلاجيّة الأكثر انتشارًا. وتُنسب للعالم الأمريكيّ ألبرت أليس، وهي محاولةٌ لإدخال العقل والمنطق في عمليّة الإرشاد.

يُركِّز العلاج على أنّ الأفكار والانفعالات السّلبيّة والمُثبطة للذات يجب مُهاجمتها بإعادة تنظيم الإدراك والتفكير بدرجة يُصبِح معها الفرد منطقيًّا ومتكاملًا.

يُشير أليس إلى أنّ الأشخاص يُعرِّضون أنفسهم للاضطراب العصابيِّ ليس لعدم تَقبُّل الآخرين لهم، ولكن اعتقادهم أنّ عدم تَقبُل الآخرين لهم شيءٌ فظيع، فإنّ جوهر الاضطراب النّفسيّ يتكون من الحتميات (ينبغي، لا ينبغي) الّتي يُفكِّر بها البشر حول فشلهم، ورفضهم المعاملة السّيئة من قِبل الآخرين، وحول الإحباطات والخسائر الّتي تُسببها الحياة لهم؛ لذلك فإن نظريّة العلاج العقلانيّ الانفعاليّ تختلف عن المُعالجات المعرفيّة السّلوكيّة، حيثُ يُؤكِّد فيها المُعالجون على مُساعدة المرضى على التّخلص من الحتميات ومواصلة العمل لِتحقيق الهدف.

العلاج العقلاني الانفعالي وأهدافه الأساسيّة:

تحديد المُشكلات في مصطلحات سلوكية.

مُساعدة العُملاء على إدراك دور الحوادث وتأثيرها على السّلوك.

العمل على تقييم التّغيرات السلوكيّة والمعرفيّة.

حوادث تغيير في البناء المعرفيّ.

تحقيق التّفاعل بين العوامل المعرفيّة والعوامل الأخرى المرتبطة بالأداء الاجتماعيّ للعميل.

نموذج للعلاج العقلاني الانفعالي (ABC):

تعبر “A” عن الحادث المثير المنشط، مثال: (إنسان فقد صديقه).                                                 

وتمثل “B” معتقدات وأفكار الشخص عن الحادث، وكيف يفسر الحوادث بناء على هذه الفكرة، مثال: (أنا إنسان ليس لي حظ).

وتشير “C” إلى الاستجابات السلوكية والانفعالية للشخص، وقد تكون مشاعر مثل: (الشعور بالتعاسة والحزن)، وقد تكون سلوك مثل: (عدم الذهاب للمدرسة).

وقد ابتنى العلاج على ملاحظة أن التضخيم وعدم القدرة على التحمل والإدانة يُنتج عمليات لاعقلانيّة ثانوية، وذلك عندما تنشأ فلسفة الحتميات، كما يمكن لهذه العمليات أن تكون رئيسية في بعض الأحيان، وهذه الانحرافات المعرفيّة تؤدي للاضطراب النفسيّ، وهي كما يأتي:

فلسفة الحتميات:

التّفكير الكليّ أو المعدوم: إذا فشلت في إنجاز مهمة، وكان المفترض عدم الفشل فيها، فأنا فاشل تمامًا وغير محبوب.

التّركيز على السلبيّة: لأنّ النّاس يسخرون مني بسبب فشلي، وهم يعلمون أنّه كان يجب عليَّ النّجاح في المهمة؛ لذلك فهم سوف يحتقروني للأبد.

التنبؤ بالحظ: لا أستطيع تحمل الأشياء الخاطئة الّتي تحدث معي، ولا أستطيع رؤية العلاج الجيد لما يحدث لي في الحياة، بل أركز على ما هو سلبيّ.

عدم تقييم الأفعال الإيجابية: يوجهون لي المدح على فعل جيد قمت به، ويهملون الأفعال الحمقاء التي يتوجب عليَّ عدم القيام بها.

الكليّة والعدميّة: لأنّه من المفروض أن تكون شروط العيش جيدة، لكنها في الواقع سيئة ولا تُحتمل، وسنكون على هذا الحال دائمًا وأنا لن أشعر بأي سعادة.

التّخفيض والتّقليل من الشأن: النقاط الجيدة الّتي أحرزتها في هذه اللّعبة كانت محظوظة لكن غير مهمة، بينما النقاط السلبية التي كان يتوجب عليَّ عدم الوقوع فيها كانت سيئة جدًا وغير مغفورة على الإطلاق.

التّفكير الانفعالي: إنّ إنجازي كان ضعيفًا جدًا، وأنا أشعر بأنّي مُغفل وساذج.

التّصنيف والمُبالغة في التّعميم: كان عليَّ ألّا أفشل في عمل مهم، وقد فشلت فيه، فأنا خاسر وفاشل كبير.

التّشخيص: بما أنني أقوم بأفعال سيئة لا يتوجب عليَّ القيام بها، فهم بالتأكيد يسخرون مني وذلك مريع جدًا.

التّزييف والكذب: عندما لا أقوم بفعل ما يتوجب عليَّ فعله، وهم لايزالون يمدحونني بإطراء فأنا مزيف وسأتلاشى مُظهرًا لهم كم أنا سخيف وحقير.

الكماليّة: أظن أني قمت بالفعل بشكل جيد، لكن أغفلت بعض الأمور، وكان من المفترض أن يكون الفعل تامًّا، لذلك فأنا شخص غير كفء.

مما سبق نتوصل إلى أنّ: الحوادث غير السارة التي نمرّ بها محايدة ومن يعطيها المعنى هو تفكيرنا ونظرتنا لها، فتفكيرك بشيء أنه محبط هو الذي يجعله مُحبطًا، بينما في الوقت نفسه قد يستجيب لنفس الحوادث أشخاص بطريقة مختلفة فيكون لها معنى وقيمة مشرقة.

لذا يحتاج المُسترشد تعلم التّفكير العقلانيّ وذلك من خلال:

تعديل الأفكار والجمل والعبارات التي يقولها مع نفسه، والابتعاد عن الحوار السلبيّ.

تعليم المسترشد الحديث الإيجابي مع نفسه.

استخدام تقنية إعادة البناء المعرفي، أي استبدال الكلام غير العقلانيّ بكلام عقلانيّ مثل استبدال (لابد ويلزم أن يحبني أولاد الصف) بكلمات مثل (أنا أحب، أنا أفضل، أنا أتمنى) فهذه العبارات لا تسبب إحباط إذا لم تتحقق، بل تُوجدُ دافعيّة. 

تدريبه على خفض مشاعر القلق والعداء، وتمييز الإزعاج والخوف اللذين يعتمدان على الواقع الفعلي، وهما ضروريان للبقاء، وبين العداوة غير الضرورية ولوم الذات الزائد الّذي يُضاف بشكلٍ غير متعمد أو لاشعوري للإثارة واليقظة العادية.

إذن، الحتميات هي لب وأساس الاضطراب النّفسي، ونظرية العلاج العقلانيّ الانفعاليّ تحاول إثبات أنّ النسبيّة هي الصفة الرئيسة للأصحاء نفسيًا (أيالصحة النفسيّة“)، حيث تُسلِّم هذه النظريّة بأنّ لدى البشر مجموعة منوعة من الرغبات والأماني والتفضيلات، وإذا حافظوا على هذه القيم النسبية ورفضوا تحويلها إلى مبادئ ومطالب مضَخمة ومطلقة فإنهم لن يصابوا بالاضطراب النفسي إطلاقًا؛ ولكن قد يجربوا انفعالات سلبية مثل (الحزن، الأسى، خيبة الأمل) نتيجة عدم تحقق رغباتهم، وفي هذه الحالة تُعد هذه الانفعالات أو المشاعر صفات انفعاليّة بنّاءة؛ لأنها:

● تُساعد البشر على تجاوز العوائق والحواجز التي تقف في طريق إحراز الهدف.

● وتُساعدهم على إقامة تعديلات بنّاءة عندما لا يتم إشباع رغباتهم.

● بذلك يتجهون للوصول لغاياتهم بصياغة أهداف جديدة في حال عدم تحقق القديمة.

شارك المقال:
هل وجدت هذا المقال مفيدًا ، يمكنك الاشتراك لتصلك مقالات مشابهة
مواضيع ذات علاقة
السلوك العدواني

السلوك العدواني عند الأطفال والشباب الجزء ٢

جهاد النفس وبرنامج الميمات الأربع

جهاد النفس وبرنامج الميمات الأربع

الاكتئاب | الطمأنينةُ و الوقار في سَكينَة

مرض الاكتئاب

اضطراب النوم ١ : التشخيص الأعراض والأسباب

اضطراب النوم ١ : التشخيص الأعراض والأسباب

التشافي بالقران الكريم من داء القلوب والأمراض النفسية

التشافي بالقرآن الكريم من داء القلوب والأمراض النفسية

تعرف على مهارات اتخاذ القرار | الطمأنينةُ و الوقار في سَكينَة

تعرف على مهارات اتخاذ القرار

الإجهاد والتوتر ٢ : التأثيرات الجسدية للإجهاد

الإجهاد والتوتر ٢ : التأثيرات الجسدية للإجهاد

هل تكتب مقالات؟

تستطيع الكتابة لمساعدة الآخرين، اكتب لنا و سننشر لك مع الاعتبار لسياسة كتابة المقالات التي نتبعها

Survey
Interested in reading articles
Articles Writer