نحتاج في كثير من الأحيان لدراسة السلوك الإنساني من أجل الحصول على تَصْورٍ دَقيقٍ لنمط العلاقات الإنسانية التي تحكم الأشخاص، وذلك لوضع معايير دقيقة وموضوعية لمزيدٍ من الوعي في التَّصرفات والسُّلوكيات التي تحكم تلك العلاقات، للتقليل من مستوى التَّوترات التي تزيد من الفجوات والتباعد وهدم العلاقات الإنسانية والروابط الاجتماعية والأسرية والتفريق بين الأصدقاء، أو حتى الفهم الخاطئ للتصرفات أو الأفعال أو الكلمات الصادرة من طرف لطرف آخر.
ومن أهم المظاهر الخطيرة وغير المعروفة هو مستوى الإيذاء العاطفي أو ما باتَ يُعرف بالابتزاز العاطفي، الذي هي جزءٌ أصيلٌ في سلسلة الأمراض الاجتماعيّة المستشرية، وفي الآونة الأخيرة ارتفع منسوبُ الاهتمام بهذا السُّلوك لتعريفِهِ ومواجهتِهِ وعلاجِهِ في مجالات القانون والعلوم الاجتماعية والتعليم والطب، في معظم الأحيان يوصف (Emotional Affair) في الولايات المتحدة كشكل من أشكال العنف الأسري، بل ويتعدى لأنْ يكونَ مظهرًا من مظاهر الإيذاء العاطفي وشكلًا من أشكال العنف السُّلوكي في زوايا اجتماعية مختلفة، يبدأ من الأسرة ويغطي مساحات شاسعة من العلاقات الإنسانية والدينية، إلى جانب أنَّهُ لايختص بفئة عمرية محددة، فهو قد يحدث بين الأطفال كما يحدث عند الكبار، وكذا المجتمع الذكوري والنسوي على حدٍّ سواء.
ما هو الإيذاء العاطفي؟
“هو أيُّ سلوكٍ غير مادي يُمارسُ للتحكم في شخص آخر أو ترهيبه أو إخضاعه أو إحاطته أو معاقبته أو عزله، من خلال استخدام أساليب التحلل أو الإذلال أو الخوف“، وربما يصاحبه سلوكٌ ماديٌّ بعض الأحيان، وهو أحد أشكال التَّلاعب النَّفسي، ويحدث خلاله استخدام منظومة من التهديدات وأنواع مختلفة من العقاب يوقعها شخصٌ ما على آخر قريبٍ منه، في محاولة للسيطرة على سلوكه، “ويُعدُّ الإيذاء العاطفي شكلًا من أشكال العنف في العلاقة التي تتميز بنمط من السلوكيات التي تؤدي إلى إصابة طرف آخر قد يكون بريئًا، ويحدث هذا الأمر في أماكن ومواقف كثيرة، فهو قد يكون في المجتمع وفي الأسرة ومحل العمل، كما يحدث أثناء الرعاية الصحيَّة وفي الوسط الديني كذلك، وعند تعريف الإساءة العاطفية، يجب أن تؤخذ في الاعتبار حالة الضحية، والمواقف المختلفة التي يتعرض لها النَّاس في الحياة بشكل مستمر من خلال العلاقات الاجتماعية والمعيشية والتجمعات والأعمال.
وفي الحقيقة فإنّ الإيذاء العاطفي يصفُ أسلوبًا من التَّلاعب حيث يستخدم شخصٌ ما مشاعرَكَ بأساليب قبيحة وسيئة كوسيلة للتحكم في سلوكك أو إقناعك برؤية الأشياء بطريقته؛ لتحقيق مآربه الخاصة بغض النَّظر عن النتائج والآثار المترتبة على الطرف الآخر.
وللوهلة الأولى يعتقد الكثير من النَّاس أنّ الإيذاء العاطفي هو نوعٌ من أنواع التقليل من شأن الآخرين أو انتقادهم، ولكنّهُ في الحقيقة أعمُّ من كونه ابتزازًا لفظيًا، إذ يتراوح السلوك المشين عاطفيًا بين الإيذاء اللفظي وذلك من خلال التوهين من شأن المستهدف، وتوجيه الانتقادات المستمرة ليتعدى إلى تقنيات هدم وإيذاء أكثر غموضًا وإيلامًا مثل التخويف، التَّلاعب ومنع الاستمتاع والفرح، وسوف يتطلب الأمر مزيدًا من النظرة المعمّقة على الأنواع المختلفة من الإيذاء والإيذاء العاطفي حتى نستطيع تشخيص سلوك الضحية وفهم أفعال الجاني.
قد تتضمن الجوانب النموذجية للعلاقة المسيئة عاطفيًا ما يلي:
١– المهانة والإذلال الدائم للأشخاص والتقليل من شأنهم.
٢– السيطرة والتحكم.
٣– إصدار الأحكام على الأشخاص وانتقادهم الدائم.
٤– الاتهامات المستمرة وإلقاء اللوم حتى على أتفه الأمور، وتحميلهم الأخطاء والمسؤولية.
٥– مطالب أو توقعات تافهة وغير معقولة بغرض الإيذاء وتحقيق الأهداف الخاصة.
٦– الإبعاد والتهميش العاطفي.
٧– الهيمنة وقد تكون من خلال توقع المبتّز من الضحية الإطاعة دون سؤال أو أنْ يعامل المعتدي شخصًا بالغًا كخادم أو كطفل دون أدنى اعتبار لمشاعر وأحاسيس الضحية.
٨– العزل والإقصاء، وهي محاولة المبتّز إقصاء ضحيته عن العالم الخارجي، ومنعها من رؤية العائلة أو الأصدقاء أو حتى حرمانها من القيام بمسؤولياتها في المدرسة أو العمل أو البيت أو أيّ مكان آخر.
٩– التهديدات، يستخدم المعتدون عادة التهديدات لمنع ضحاياهم من الابتعاد أو لإخافتهم للتخلي عن التصريحات الاحتجاجية أو المناقشة، أو أن يقوم بتهديد وإيذاء الضحية أو أطفالهم أو أفراد الأسرة الآخرين أو حتى الحيوانات الأليفة أو يوجه اتهامات كاذبة ضد الضحية.
١٠– التخويف، قد يشمل هذا مظهرًا من مظاهر التهديد الجسدي أو الإيماءات، أو محاولة تحطيم الأشياء أمام شخص ما، أو تدمير الممتلكات.
١١– الإنكار واللوم، فالأشخاص المسيئون عاطفيًا غالبًا ما يكونون بارعين في الترشيد واختلاق المبررات والأعذار، إلى جانب تبريرهم ذلك بتفسير سلوكهم المسيء بالإشارة إلى طفولة سيئة أو يوم سيء أو أنهم ضحايا لممارسات سابقة في حقهم من الأسرة أو خارجها، وهو بذلك يبرر لنفسه القيام بممارسات سيئة في حق الآخرين ويعتبره حقا ثابتًا وعلى الآخرين تحمل النتائج.
١٢– ومن الصور القبيحة للإساءة والإيذاء العاطفي الاعتداءات الجنسية ويتم فيها استخدام العنف والتهديد من أجل إجبار الطرف الآخر على القيام بأعمال جنسية.