معرفة الذات لبنائها الجديد ٩ : القرب الإلهي

المؤلف: الشيخ مصباح اليزدي

سنة النشر: ٢٠٢١
الطبعة: الأولى
لغة الكتاب: عربي
الناشر: دار المعارف الإسلامية الثقافية
ملخص معرفة الذات لبنائها الجديد
حول هذا الكتاب: كتاب “معرفة الذات لبنائها الجديد” للشيخ مصباح اليزدي يتناول موضوع التكامل الإنساني، مركّزًا على كيفية الوصول إلى الكمال الحقيقي من خلال التأملات الداخلية والفهم العميق لاحتياجات النفس.
ملخص معرفة الذات لبنائها الجديد

المؤلف: الشيخ مصباح اليزدي

سنة النشر: ٢٠٢١
الطبعة: الأولى
لغة الكتاب: عربي
الناشر: دار المعارف الإسلامية الثقافية
حول هذا الكتاب: كتاب “معرفة الذات لبنائها الجديد” للشيخ مصباح اليزدي يتناول موضوع التكامل الإنساني، مركّزًا على كيفية الوصول إلى الكمال الحقيقي من خلال التأملات الداخلية والفهم العميق لاحتياجات النفس.

القرب الإلهي:

   ليس المقصود به قصر الفواصل الزمانيّة والمكانيّة؛ ذلك لأنّ الله تعالى هو خالق الزمان والمكان والمحيط بكلّ الأزمنة والأمكنة ولا نسبة زمانيّة أو مكانيّة له مع أيّ موجود (هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلأخِٓرُ وَٱلظَّٰهِرُ وَٱلبَاطنِ) )وهُوَ معَكُم أَينَ مَا كُنتُم)، هذا بالإضافة إلى أنّ قلّة الفواصل الزمانيّة والمكانيّة بنفسها لا تعُدّ كمالًا، فما المقصود من هذا القرب إذًا؟

    من الطبيعيّ أن تكون لله تعالى إحاطة وجوديّة بالعباد والمخلوقات كلّها أَلَآ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شيَء مُّحِيطُ) وأن يكون الوجود والشؤون الوجوديّة للموجودات كلّها في قبضة قدرته ومتعلّقة بإرادته ومشيئته، بل إنّ الوجود وكلّ شيء هو عين الارتباط والتعلّّق به، على هذا، فهو إلى كلّ شيء أقرب من أيّ شيء آخر.

   هذا القرب قربٌ وجوديٌّ حقيقيٌّ، ولكنّه ليس كسبيًّا، ومن هنا لا يمكن أن يُعدّ غايةً وهدفًا للسير التكامليّ، ويمكن أن يتصوّر للقرب معنى اكتسابيّ يقبل الانطباق على الكمال النهائيّ للإنسان، وهو القرب الاعتباريّ والتشريفيّ؛ بمعنى أن يكون الإنسان موردًا للعناية الإلهيّة الخاصّة، فتُُجاب له طلباته كلّها.

    إنّ الحقيقة التي تُعَدُّ هي الكمال النهائيّ ونسميها بــ القرب الإلهيّ، وهي مرتبة من الوجود، تصل فيها الإمكانات الذاتيّة للشخص بسبب سيره وحركته الاختياريّة إلى المرحلة الفعليّة، سواء أكانت حركة سريعة مثل حركة بعض الأنبياء والأولياء أم كانت حركة بطيئة، مثل حركة سائر المؤمنين في قبال الحركة الهابطة للكافرين والمنافقين.

سبيل التقرب

    إنّ موجودات العالم كلّها مخلوقة لله تعالى محتاجة إليه في شؤونها الوجوديّة، ولا استقلاليّة لها مطلقًا (ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُم خَٰلِقُ كُلِّ شَيْ)  (أَنتُمُ ٱلفُقَرَاءُٓ إِلَىَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلغَنيِّ ٱلحمِيدُ)، وحقيقة وجودها عين الربط والتعلّق ومحض المملوكيّة والعبوديّة (كُلُّ شيَءٍ هاَلِكٌ إِلَّاَّ وجَهَهُۥ) (وَعَنتَ ٱلوجُوهُ لِلحَيِّ ٱلقَيُّومِ) (إِن كلُّ مَنَ فِيِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ إِلآَّ ءَاتِي ٱلرَّحمَٰنِ عَبداً) .

     والأفعال التي تصدر منها هي آثار للوجود التعلّقيّ وعلامة للمملوكيّة والفقر، فكلّ موجود هو عبدٌ الله تكوينًا (وَلَهُۥ أَسلَمَ مَن فِيِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ) وليس الإنسان مستثنًىً من هذه القاعدة الكليّة، ولكنّه لا يعي عادة عبوديّته التكوينيّة.

    وعندما يصل الإنسان إلى رشده العقليّ، يستطيع بواسطة نشاطاته الذهنيّة واستدلالاته العقليّة أن يعيَ فقره الوجودي ويهتدي بذلك إلى وجود خالق الكون، وعبر تكامله العقليّ وقدرته الاستدلاليّة بالتدريج، يحصل على وعي أكثر بحاجته الأساسيّة وعدم استقلاله الذاتيّ، ومن ثمّ يصل في نهاية السير العقلانيّ إلى حقيقة ربطه، ويعلم بها علمًا حصوليًّا، ولكنّ هذا السير الذهني بنفسه لا يؤدي إلى نتيجة شهوديّة حضوريّة؛ فلا يبقى تسلّط الغرائز والإحساسات وجاذبيّة الميول والعواطف، إلا أن يبدأ سيرًا معنويًّا إلى الحقّ، وفي مثل هذه الحالة يبدأ السير التكامليّ الإنسانيّ باتّجاه المقصد الحقيقيّ والمقصود الفطريّ بمعنى أنّه بالاختيار الحرّ يبدأ بسعيٍ واع ليجد ارتباطه بالله، ويعترف بحاجته وعجزه وذلّه، ومن ثمّ فقره وفقدانه الذاتيّ، ويُرْجع مملوكات الله التي كان ينسبها بالباطل إليه وإلى الآخرين إلى مالكها الحقيقيّ ويعيد رداء الكبرياء الإلهيّ إلى صاحبه (إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُوما جَهُُولا).

    وتستمرّ هذه المرحلة حتى يكون عبدًا خالصًا، وعلى هذا يمكن القول إنّ الكمال النهائيّ للإنسان يكمن في صيرورته عبدًا خالصًا، أو مشاهدة الفقر الذاتي أو الكامل في نفسه، وأنّ سبيل الوصول إليه يكون بالعبادة وطلب رضا الله بمعنى جعل رضا الله بدلًا لرضا نفسه (إِلا ٱبتِغَاءَٓ وَجهِ رَبِّهِ ٱلأَعلَىٰ)، فالمسير الأصليّ التكامليّ للإنسانيّة والسبيل الصحيح للقرب الإلهي هو قضاء حقّ العبوديّة والعبادة، وإلغاء تصورات الاستقلال والاعتراف بالعجز الكامل الشامل له (ومَا خَلَقتُ ٱلجنِّ وَٱلإِنسَ إِلا لِيَعبُدُونِ).

   يمكن أن يعتبر السّعّي سعيًا في سبيل القرب الإلهيّ وفي مسير التكامل الحقيقيّ، إذا كان مصطبغًا بصبغة العبوديّة وعبادة الحقّ المعبود، ولا يمكن اعتبار أيّ عمل أو نشاط أمرًا موجبًا للكمال الحقيقيّ مطلقاً إلا عبادة الله تعالى، للعبادة معان مختلفة من حيث السعة والضيق:

  1. عمل يؤدى بعنوان تقدم العبودية لله وحده (الصلاة الصوم الحج).
  2. عمل يؤدى بقصد القربة وان كان عنوانه الاولي لا يدخل في في مجال تقديم العبودية (الخمسالزكاةالجهاد).
  3. عمل يؤدى بقصد القربة وان كانت صحته غير مترتبة على هذا القصد (كل الاعمال التي تقع موردا للرضا الالهي).
  4. طاعة لمن يراه مستقلا واجب الطاعة.

   قصدنا في هذا البحث ليس المسائل اللفظيّة أو الاستناد إلى الأدلّة النقليّة، وإنّما نقول إنّنا توصّلنا عبر المقدّمات الوجدانيّة والعقليّة إلى نتائج رأينا أنّ اسم العبادة والقرب تناسبها، وتنطبق عليها ألفاظ الكتاب والسنّة،  ونعمد عبر الاستناد إلى الأمور التي صدّقناها بشكل واضح إلى توضيح هذا الموضوع، والمواضيع التي تثبت لدينا لحدّ الآن، والتي يمكنها أن تعيننا في حلّ هذه المسألة هي:

    1. الانسان موجود يحب الوصول إلى كماله النهائي بحركته الاختيارية.
    2. القوى الطبيعية والفطرية والامكانات وسائل للفوصول لهذا الكمال.
    3. الهدف الاصلي للنسان هو القرب الى الله والارتباط الوجودي به.
    4. السير والحركة التي تحصل باتجاه هذا الهدف سير باطني.

بملاحظة هذه المقدمات نستنتج:

  1. التكامل الانساني والوصول الى القرب الالهي منوط بالنشاطات الايجابية لا السلبية.
  2. أي نشاط لايكون داخلا في اطار المسيرة التكاملية الا اذا كانت له علاقة ايجابية بالهدف القرب من الله .
  3. مثل هذه العلاقة لا يمكن البحث عنها مباشرة إلا بين التوجّّهات القلبيّة والحالات الروحيّة والمعنويّة، على هذا، فإنّ أشدّ العبادات أصالةً هي تلك الفعاليّة التي يقوم بها القلب بشكل واع للحصول على المطلوب الفطري.
  4. يجب أن ترتبط سائر النشاطات الانسانية بنحو ما بهذا النشاط القلبي لتكون في إطار المسيرة التكاملية.

   إذن السّبيل الصحيح الوحيد هو أن تتحوّلّ الفعاليات الحياتيّةّ المختلفة كلّها في ظلّ القصد والنيّةّ إلى عبادة، وتمنح وجهة تكامليّة لكي لا يذهب أيّ من طاقات الإنسان هدرًا من جهة، وتتّسع دائرة الاختيار والانتخاب إلى المستوى الذي أراده الله للإنسان وهيّأ له وسائله من جهة أخرى.

    هنا يجب الالتفات إلى أنّ الميزة الأساسيّة للإنسان تكمن في اختياره الحرّ لمسير سعادته وكماله، وهو لا يحصل إلا في مجال الأخذ والردّ والتضادّ الخارجيّ والصراع، وإلا في ظلّ أنماط الجهاد والسعي الشامل، أمّا قلع جذور بعض الميول الفطريّة أو قطع العلائق الاجتماعيّة، فهو في الحقيقة تحديد لدائرة الاختيار وتضييق لميدان الصراع وسدّ لكثير من سبل الترقّي والتكامل.

العلامات: تثقيف أخلاقي
شارك الكتاب:
هل وجدت هذا الكتاب مفيدًا ، يمكنك الاشتراك لتصلك كتب مشابهة
مواضيع ذات علاقة
تساؤلات

معرفة الذات لبنائها الجديد ٨ : تساؤلات

الخشوع

ماذا يعني الخشوع وما أنواعه؟

القصد درجات ومنازل

القصد درجات ومنازل تعرف عليها

ميزات العرفان الإسلامي الصادق

العرفان الإسلامي ٣ : ميزات العرفان الإسلامي الصادق

معنى الحلم وضده السفه

جنود العقل والجهل ١٩ : الحلم وضده السفه

الرأفة والرحمة وضدهما القسوة والغضب

جنود العقل والجهل ١١ : الرأفة والرحمة وضدهما القسوة والغضب

هل ترغب في المساهمة بتلخيص كتب؟

تستطيع مساعدة القراء في تلخيص الكتب التي تساهم في سلامة المجتمع وصحته النفسية والاجتماعية، يوجد لدينا العديد من الكتب التي نعمل عليها و يمكنك ان تقترح كتبًا أخرى لتقوم بتلخيصها.

Survey
Interested in Reading Books
Summarize Books