بعد تخرُّجه من الجامعة متفوِّقًا التحق بإحدى أكبر الشَّركات، فأَعْطَى عمله كلَّ جهده وكلَّ وقته، فنظرته المستقبليَّة أنْ يحقِّق نجاحًا متميِّزًا، وقد تزوَّج من فتاة جادَّة أيضًا، وقد توظَّفتْ ولله الحمد، يراها زوجها أنَّها فتاة حديديَّة وقويَّة، وفيها صفة النَّقد بأنْ تنتقد ما تراه غير صحيح في وضع المنزل، فإذا لم يساعدها أحد في تعديله، فتقوم بمفردها بتعديله، وسلوكها هذا يرهقه، ويرهق أبناءهما كما يرى الزَّوج.
وتصف الزَّوجة زوجها بأنَّهُ مغرورٌ ومعجبٌ بنفسه، مع العلم أنَّه يراها لا تعرف للرَّاحة معنًى، وما يغيظه فيها أنَّ الأمور عندها أحد أمرين إمَّا سوداء وإمَّا بيضاء، ولا تقبل النَّقد أيًّا كان نوعه، وعنما يوجِّه زوجها لها نقدَّا تتحدَّث عن مقارنات طويلة وقياسات لا نهاية لها ممَّا يسبِّب له عزوفًا عن الحديث معها، أنتج ذلك برودة في العلاقة بينهما، وبدأ الزَّوج يقلقه وضع أسرته المستقبليِّ.
فعلًا افترقا عن المبيت معًا ومدَّة الافتراق هذه خمسة أشهر حتَّى اللَّحظة، وأصل المشكلة أنَّها تفسِّر أيَّ نقد ولو كان بسيطًا بأنَّهُ تافهٌ، وأنَّهُ إهانة لها، وسهم الَّنقد مصوَّب لذاتها، وفي ذات الوقت ترى أنَّ اهتمام الزَّوج بالعمل والانهماك فيه يعدُّ إهمالًا لها، بل للأسرة كلِّها، وفيه دليل على أنَّه لا يحبُّها، وهي تشكو بحقٍّ إهماله العاطفيِّ لها، وأوصلتْ شكواها لبعض إخوانها، فالزَّوج يستفسر عمَّا يصلح حالهما ليعود الأمن الأسري .
الاستغراق في طلب الرِّزق، فلا وقت للمشاعر، والعواطف.
نشوز الزَّوجة، وعدم قبولها بالنَّوم معه.
١- كلا الزَّوجين تمسَّكا بعاداتٍ شكَّلاها بمحض إرادتهما، فالزَّوج اتَّجه لتفضيل العمل، وترك استثمار العاطفة مع زوجته، كما أنَّها هي الأخرى قد اتَّجهتْ نحو التَّدقيق، والتَّشدُّد، ورفض النَّقد، ونرى أنَّ مفتاح حلِّ مشكلتهما يكمن في تواصلهما الفعَّال الذي يعتمد على الزَّوج، ويكمن ذلك في كسر تصوُّرها الحالي عنه، عليه أنْ يعبِّر بصدق عن رغبته في فهمها، وذلك يعتمد على الإصغاء لها، والانصات لكلامها وشكواها، وعليه أنْ يشجِّع زوجته على البوح بما في خاطرها، وهذا يأتي بشكل متدرِّج.
٢- الزَّوجة ترغب في اتِّخاذ قرارات، وكذا الزَّوج، فالأفضل لهما أنْ يُعطي الزَّوج زوجتَه مساحة كافية؛ لتشاركك في اتِّخاذ القرار، ويبدو أنَّه ناجح وفي ذات الوقت قادر على إظهار مشاعره الصَّادقة نحوها دون تكتُّم.
٣- تفعيل الرُّومانسيَّة وتحريك الحبِّ، والابتعاد عن طلب المعاشرة، ذلك التَّفعيل للرُّومانسيَّة والحبِّ سوف يختصر عليه الطَّريق، ويعطي نتائج - بإذن الله تعالى - إيجابيَّة، جاء في كتاب (جامع أحاديث الشِّيعة): «قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): قول الرَّجل للمرأة أنِّي أحبُّكِ لا يذهب من قلبها أبدًا) (جامع أحاديث الشِّيعة 20/27)، فلذلك يُنصحُ الزَّوج أنْ يُمطر زوجته بكلمات الحبِّ، والنَّظرات الملأى بالعشق، ولا يدَّخرُ وسعًا في الإشارة والإماءة التي تدلُّ على ذلك.
٤- يجعل أصدق صدقه في تنفيذ ما يتَّفقان عليه، فإنَّ بيئة الأمن العاطفيِّ في المنزل لا غنًى عنها؛ لاستقرار الأسرة، ودوامه.
٥- العلم بأنَّ النَّجاح في العمل عندما تكون مدمنًا عليه لا يُعدُّ نجاحًا عندما تفشل في إدارة الأسرة وتخسرها، وكذا خسارتك للعلاقات الاجتماعيَّة، وقبل ذلك كلِّه علاقتك بالله سبحانه، فماذا يجد مَنْ يخسر علاقته بالله تعالى؟
عندما يُظهر الزَّوج بعض الاهتمام بزوجته، ويتواضع لها، ويُحسِن إدارة وقته بما يتضمَّن الوقت الكافي والمتَّسع لملء الحاجة العاطفيَّة لزوجته، فسوف - إنْ شاء الله تعالى – تخضع له بكلِّ هدوء، وسكينة، واطمئنان.
قلق الزَّوج على مستقبل أسرته دفعه لتطوير عادة التَّفهُّم، وسلوك التَّقدير لزوجته، بالاضافة لاستثمار كوامن العاطفة عنده تجاهها، ثمَّ رغبته في المعاشرة، كلُّ ذلك أعطى نتيجة فعَّالة باستجابة الزَّوجة، وتَرْك النُّشوز.