” داء الحقد “
نستعرض في هذه السطور ذنبًا باطنيًا خطيرًا وانحرافًا روحيًا يقع فيه الكثير من الناس، وهذا الذنب الباطني ليس سوى الحقد، ويعرّفه علماء الأخلاق بأنَّهُ إذا رأى إنسانٌ إنسانًا غيره أو سمع منه كلامًا ولم يلائمه فغضب لذلك السبب، واستعر من الداخل ولم يشعر بالسكينة والبرود تجاه الآخر، وصممَّ في قلبه على عداوته فهو حتمًا يعاني من داء الحقد، وللتعرف أكثر على هذا البلاء نستعرض بعض أنواعه:
١- بغض الله سبحانه: وهي كحالة الكافر الذي يأنف من الإعتراف بوجود قوةٍ مسيطرةٍ على عالم الوجود بحيث إذا ذكر الله اشمأز وجهُهُ وبان البغض والنفور اتجاه خالقه سبحانه وتعالى.
٢- بغض القضاء الإلهي: وينقسم الى قسمين هما:
أولًا: بغض القضاء التشريعي، ومعناه كره وحقد الأحكام الإلهية والتي قد تكون خلافًا لميوله ورغباته.
ثانيًا: بغض القضاء التكويني، مثل كره العزة للآخرين والغنى والمنزلة، بل وحتى كره وبغض الحر أو البرد وسائر البلايا العامة، فإذا امتلأ داخله من السخط والإعتراض فهذه الحالة فهي الحقد بعينه.
٣- بغض النبي والإمام والملائكة: فمَنْ أضمرَّ الكره أو الحقد لأحد الأنبياء أو الأئمة فهو كافر ومارق من دين الله سبحانه، وإذا أضمر لأحد الملائكة العداء كعزرائيل ملك الموت عليه السلام فقد ترك ما يجب الإيمان به.
٤- بغض المؤمن بسبب إيمانه: فمَنْ عادى مؤمنًا بسبب إيمانه والتزامه بطاعة الله ورسولهى الله عليه وآله فلقد وقع في أشدِّ مراتب الكفر.
٥- بغض المؤمن بسبب ذنوبه: وهو إذا رأى مؤمنًا وقد غلبتْهُ نفسُهُ ففعل الحرام فيفرح بذلك في قلبه ويضمرُ له العداوة.
٦- بغض المؤمن لتركه الآداب والمراسم: وهنا إذا رأى من المؤمنِ خلاف ما يُتوقعُهُ منه، فلم يقف له عند دخوله إلى المجلس فعاداه لذلك، وأضمر الكره له في قلبه فإنّ ذلك ذنبًا كبيرًا.
تلك كانت المساحات التي يتحرك فيها الحقد حينما يتمكن من قلب الإنسان المسلم إلا أنّ هناك مضار تأتي على الحاقد نتيجة حقده واشتعال قلبه وهي كما يلي:
١- الحسد والهجران: وهذه نتيجة طبيعيه للبغض والحقد وتمني زوال النعمة عن الآخرين.
٢- الشماتة والتأنيب: وهي إظهار الفرح والسرور والاستهزاء والتأنيب للطرف الآخر.
٣- الغيبة والتهمة: فمَنْ حقد على الآخر فلا يستريح قلبُهُ حتى يكثر الذّمَّ فيه، بل ويتهمه بما ليس فيه أيضًا.
٣- الخيانه والتحقير: مَنْ كان عدوًا لآخر يكون مستعدًا نفسيًا لخيانته بحيث يفشي أسراره أو يتعمد تصغيره واستفزازه مما يمنع الآخرين من احترامه وتقديره، ويكثر ذلك الأمر في النقاشات و الحوارات.
٤- منع الحقوق و إنزال الأذية به: فإن كان من أقاربه قطعه أو جاره قصّر في حقوقه، وإن كان مظلومًا لم يغثْهُ، ولم يسارعْ لنجدتِهِ، فالحقدُ يدعوه للانتقام دائمًا.
٥- الإضرار الدنيوويه والأخروية: أمّا في الدنيا فتباعد الأفراد عن بعضهم البعض يبعثهم على الشتات فلا يتعاونون، و أمّا الضرر الأخروي فالحاقد ونتيجة لهذا الذنب فهو محروم من خيرات الآخرة.
أهم أسباب شيوع الحقد في المجتمع:
١- المراء والجدال في النقاشات.
٢- الحديث الملتوي وكثرة المزاحات.
٣- العبوس في وجه الناس والشتم لهم وحبس حقوقهم.
٤- الطمع في مال الآخرين.
الحقد في الكتاب الكريم:
قال تعالى (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) سورة الزمر، آية 45، وهنا تتحدث الآية عن ردة فعل من امتلأ قلبه حقدًا وكرهًا لله تعالى وتأففه ونفوره حينما تتعارض الأحكام والمقررات الإلهية مع ميوله النفسية.
وقال تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) سورة محمد، آية 8 – 9، وحيث أنّ بعض مراتب البغض والحقد تصل لحد الكفر فتكون خاتمة أعمال الحاقد هي الحبط والزوال .
الحقد في الروايات
رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام: المؤمن لا يغرق في بغضه، و جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ومَنْ باتَ وفي قلبه غشٌّ لأخيه المسلم باتَ في سخطِ اللهِ وأصبح كذلك وهو في سخط الله، حتى يتوب ويرجع وإنْ مات كذلك مات على غير دين الإسلام.
كيفية علاج الحقد
من اللازم الإطلاع على صفات الله تعالى ومعرفتها، فهي المفتاح العقلي والقلبي لدفع الحقد والبغض من الداخل لما فيها من عظيم المعرفة لخالق هذا الوجود، وأمّا بغض المؤمنين فهو يخالف قطعًا صفات الإنسان المؤمن الذي يسعى للكمال، وأمّا الملائكة فهم رسل الله تعالى خلقهم وأوجدهم للقيام ببعض المهمات فلا ينبغي معاداتهم وكرههم فهم مخلوقات مطيعة لربهم.
وبالجملة إنّ نظافة القلب من الحقد والبغض معناها الراحة والسلام في القلب والنفس، وكلُّنا نطلبُ ونسعى لتلك الراحة والطمأنينة، فلا ينبغي لنا إهمالمها واشغال أنفسنا بالآخرين، فالإنسان العاقل يهتم لنفسه ولتقويمها ولا شأن له بالآخرين.