معنى التواضع والكبر
التواضع من الصفات النفسانية والكبر كذلك، محبة الانسان لنفسه بشكل مفرط هي سبب احتجابه عن نقائصه وعيوبه، وقد تتراءى له أنها محاسن، ويرى مساوئ الناس دون محاسنهم، فيرفع نفسه على الناس ويراها أعظم منهم وهذا هو الكبر.
وإذا خرج عن الاحتجاب ورأى نفسه كما هي بل معيبة وأسماء الظن بنفسه، ورأى نفسه حقيرة ذليلة وهي أصغر من الآخرين فهذا التواضع القلبي، فتظهر آثاره على البدن.
درجات التواضع وضده التكبر
الدرجة الأولى: تواضع الأولياء الكمل والأنبياء العظام بمشاهدة كمال الربوبية وذلة العبودية وكلما تكاملوا في هذين النظرين تكاملوا في حقيقة التواضع، والذات المقدسة لأعرف خلق الله خاتم النبيين صَلَّى الله عليه وآله كان أكثر تواضعًا من سائر الموجودات في محضر الحق تعالى.
الدرجة الثانية: تواضع أهل المعرفة فيهم نفس تواضع الأولياء بمرتبة أنقص.
الدرجة الثالثة: تواضع الحكماء حينما يصلون إلى مقام الحكمة الإلهية وتنور قلوبهم بنورها تواضعوا للحق والخلق.
الدرجة الرابعة: تواضع المؤمنين الذين حصّلوا العلم بالله بنور الإيمان وعرفوا أنفسهم بقدر نورهم.
وفي مقابل تلك الدرجات مراتب التكبر لأنه يحصل للنفس كبرياء في كل احتجاب، والتواضع مبدؤه العلم بالله والعلم بالنفس والتملق مبدؤه الشرك والجهل، والتكبر مبدؤه الإعجاب بالنفس وحبها والجهل.
شرح الصدر وضيقه
من موجبات التواضع والتكبر كثيرة منها شرح الصدر وضيقه، الانسان يجد شرح الصدر عندما يرى في نفسه الكمال والجمال والمال والمنال ثم لا يهتم بذلك، فالسعة الوجودية في قلبه تفوق جميع ما يرد على قلبه، وتحصل هذه السعة في القلب من معرفة الله تعالى، وكل ما هو غير الحق تعالى وآثار جماله وجلاله يكون في نظره حقيرًا ، وهو نفسه منشأ التواضع، فطلب الحق يوجب سعة الصدر وسعة الصدر توجب التواضع وعزة النفس.
في المقابل حب النفس والإعجاب بها من ضيق الصدر ويزيدان فيه، وعندما يكون أسيرًا لنفسه فإنه يتملق لأهل الدنيا ويتذلل، ومبدأ جميع النقائص حب النفس والاغترار بها.
موعظة
العلم النافع والعمل الصالح هنا اللذان يبعدان الانسان عن الأهواء النفسانية والصفات الابليسية ويقللان من طغيان النفس، وتعرف سلوك الحق وسلوك الباطل من ثمراتهما، وعلى الانسان العالم العامل أن يراقب نفسه ويرى ماذا أورثته العلوم ؟ وهل هو من أهل المعارف ؟ هل نور معرفة الله نوّر قلبه؟
إن إبليس ابتعد بالتكبر على آدم عن مقام القرب، فلن تجد طريقًا إلى المعارف إن تكبرت على عباد الله، فلابد أن يجعل القلب إلهيًا ليحظى بنور معرفة الله.
قال مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام: “رأس العلم التواضع”، فإذا وجدت التواضع فيك والتذلل فاشكر الله تعالى واسعَ في زيادتهما ولا تغفل عن الحيل النفسانية، فإن النفس والشيطان بالمرصاد، وكن سيء الظن بنفسك دائمًا.
إن الصلاة معراج المؤمن ومقربة المتقين فلابد أن تقطع علائق الدنيا عن القلب وتفك أغلال الطبيعة وتجعله إلهيًا وربانيًا، إن السجود على التراب خمسين سنة لابد أن يوجد في الانسان روح التواضع والتذلل لو لم يمكن تصرف للشيطان في الوسط.
أن أيام الشباب أولى بإصلاح النفس لأن الارادة فيها تكون أقوى كما أن كدورة النفس وظلمتها أقل، وأقرب إلى الفطرة ولم نثقل بالمعاصي .
بعض الأحاديث الشريفة
عن الإمام الصادق عليه السلام: فيما أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام: يا داود كما أن أقرب الناس من الله المتواضعون كذلك أبعد الناس من الله المتكبرون، منبع جميع السعادات هو التقرب إلى الحق تعالى، والبعد سبب جميع الشقاوات.
في الكافي أن عيسى بن مريم عليه السلام قال: يا معشر الحواريين لي إليكم حاجة اقضوها لي، قالوا قضيت حاجتك يا روح الله، فقام فغسّل أقدامهم فقالوا: كنا أحق بهذا ياروح الله ، فقال: إن أحق الناس بالخدمة العالم، إنما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم، ثم قال عيسى عليه السلام: بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر، كذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل.
وفي الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام: اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار وتواضعوا لمن تعلمونه العلم وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم.
بالاخلاق السيئة والصفات الذميمة ينمحي الحق وأكبر خيانة للعلم والمعارف كون العالم متكبرًا، إن خلقا سيئًا من عالم أو عملا مخالفا من طالب يؤثر في فساد أخلاق الناس وأعمالهم تأثيرًا لا يماثله فيه شيء آخر فلابد لهم أن يواظبوا على مراقبة أنفسهم .
بعض أحاديث التكبر
في الكافي عن الامام الصادق عليه السلام: إن المتكبرين يجعلون في صور يتوطأهم الناس حتى يفرغ الله من الحساب .
إن الصورة الغيبية للتكبر هي صورة النمل الضعيف ولعل الصورة البرزخية والقيامتية سببها أن نفس المتكبر صغيرة والصور الملكوتية الغيبية تابعة للملكات النفسانية والبدن ظل الروح في عالم الملكوت فيسري صغر الروح وحقارتها إلى البدن، وفي الكافي عن الامام الصادق عليه السلام: إن في جهنم لوادياً للمتكبرين يقال له يقر شكا إلى الله عز وجل شدة حره وسأله أن يأذن له أن يتنفس فتنفس فأحرق جهنم.
التواضع من جنود العقل ومن لوازم الفطرة المخمرة والتكبر من جنود الجهل ومن لوازم الفطرة المحجوبة
التواضع والخضوع والتعظيم من الفطر التي فطر الله أفراد العائلة البشرية عليها ، والانسان إذا أدرك عظمة أحد يعظمه بالجبلة، والفطرة من دون إعمال الروية، ويتواضع أمامه وللمتصلين به.
فالانسان بدافع الفطرة الأصلية غير المحجوبة يتواضع للحق تعالى بالذات ولمظاهر جماله وجلاله بالعرض والتواضع للعباد عين التواضع للحق تعالى، وصاحب الفطرة غير المحجوبة حين يتواضع لجميع المخلوقات لا يتواضع لغير الحق تعالى، وليست وجهة قلبه إلا الذات المقدسة للحق تعالى.