يحتظن الشعور بالملل عند الأشخاص المتحمسين نوعًا من الخواطر الطائشة والمدمرة وكطائر الخيال الذي يحط سريعًا من غصن إلى غصن تجدُ الأشخاص من هذا النوع مفرطي النشاط والحركة ، سريعي الإشباع لرغباتهم، ودون أي مستوى من الإنضباط، وكأنما هناك قلقٌ أو خوفٌ يمنعهم من التركيز أو الجلوس في خلوة لوحدهم بعض الوقت، فالسعادة التي تفتقد من الداخل تبحثُ عنها الأنا في الأشياء الخارجية، إنَّهم يعيشون حالة الهروب من النفس، وهذه الحالة تصنع الكثير من الفوضى عبر المشتّتات والنشاط المستمر.

ولأن هذه الخواطر المحفزة توافق الإمتاع ومشتهيات النفس؛ لذلك يصعب أن يكتَشف من تُهَاجمه أنَّه في ورطة، فهو يجدها مفرحة كما ويجد صعوبة كبيرة في البقاء مع المشاعر السلبية، بل إنَّهُ يبحث بشراهةٍ ونهمٍ عن مستويات عالية من التحفيز والمغامرات والخيارات المتعددة للنشاط والاستمتاع، والأمر يشبه الإدمان تمامًا لدرجة أنَّ الغضبَ والمزاجية السيئة تحلُّ فور انقطاع النشاط، فالحركة والتنقل بين الأعمال هو وهو فقط ما يحققُ الراحة النفسية .

عندما يسعى المتحمس لقمع أفكارة المتنقلة وشوقه الأكيد للتجربة والمغامرة أو مواكبة ما هو جديد في مجتمعه فإن نفسه وأنانيته ستلقي اللوم على العائلة أو الوظيفة أو أي شيء آخر ، وتحملهم مسؤولية تعكر المزاج .

فالحياة هنا متسارعة بتسارع الخواطر الذهنية واللتي تصل لحد الشرود، وخلف هذا الشرود الذهني والقفز بين مشاريع ومتع الحياة، يكمن رفضٌ عميقٌ جدًا للذات، وفي درجة أعلى من التشرذم بسبب الخسارات المتتالية للأشياء الخرجية تظهر القساوة والانفعال والقلق والحرص.

الله في قلبك

إذا كنت ترى هذا الوصف ينطبق عليك، فأن بحاجة للعمل بقاعدة الضد الأخلاقي ومجاهدة النفس للرجوع من الخارج إلى الداخل، واكتشاف ذاتك الحقيقية، إنَّ هناك في دواخلك بُعدًا روحيًا متصل بالله، تذكرْ جيدًا :” وانه لا تسعه أرضه ولا سماؤه بل يسعه قلبك فحافظ أن لا يكون بيت الرحمن مسكون بغير محبته والخشية من أن يهجرك، والرغبة في أن يدنيك من قربه“، ستجد حينما تتواصلُ معه نشوة أكثر عمق، وهي لا تشبه ما تعودتْ عليه من لذائذ، تبدأُ ضعيفة ثم أقوى فتصل إلى الذروة حتى تنهار وتتهاوى سريعا ، ستحصل على مُتع لا تشبه في سلوكها النوبة ، لأنها تتصاعد وتتسع مع الوقت، هي بحق نشوة الحياة الواقعية، عندما تتدرب على ترويض تصوراتك الذهنية لتكون هادئًا وأشد تمركزًا ، لن تشعر بالحرمان الذي تهرب منه، وستعتاد على البقاء مع مشاريعك حتى تكملها، ستتذوق حينها طعم الإنجاز .