قد شغل موضوع الأسرة والعلاقات الزواجية اهتمام العلماء ، فمن خلال الأسرة تنمو ثقافة الأفراد الأولى وتتحدد هويتهم .
والأسرة المتوافقة تقي أبناءها من اضطرابات نفسية عديدة ، وتبدأ الأسرة بالزواج الذي يُعد رابطة إنسانية مهمة بين الرجل والمرأة في شكل مؤسسة اجتماعية تمتثل لمعايير المجتمع ، ولها دور فاعل في الصحة النفسية للفرد التي تساهم في صحة وسلامة ونمو المجتمع .
وتساعد الحياة الزوجية السعيدة على إشباع العديد من حاجات كلا الزوجين التي تقوم على الأخذ والعطاء والتعاون المتبادل فيما تقتضيه الحياة من ممارسة الحقوق والمسؤوليات ،والتي تعتمد على التفاهم والمجاملة والتعاطف والمودة والرحمة والتقدير والاحترام المتبادل، والمواجهة الموضوعية للمشكلات الزوجية المختلفة .
وبناءً على ذلك فالسعادة الزوجية تؤدي إلى تحقيق ذاتية الفرد ،وتقليل التوتر والقلق والشعور بالاكتئاب أوعدم الرضا .
والزواج أيضا بناء اجتماعي نفسي يجمع بين زوجين لكل منهما سمات وميول وقدرات وبناء نفسي اجتماعي يميزه لتحقيق أعلى درجات الانسجام.
و الشرط الأساسي للتوافق الزواجي هو الاتزان الانفعالي ، ويرتبط اضطراب الحياة الانفعالية باضطراب الحياة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية ، كما ترتبط الصحة النفسية بتقبل الذات .
وقد تتحقق السعادة للفرد من خلال شعوره بالرضا عن الحياة الزوجية بسبب العديد من النجاحات في مجالات الحياة الاجتماعية والعملية ، وقد يحدث العكس في حالات الزواج غير المتوافق فيتعرض الزوجين للعديد من المشكلات والاضطرابات النفسية المختلفة كالقلق والتوتر والشعور بالكآبة والتعاسة وعدم الاستقرار والشعور بالنقص المصاحب لضعف تقدير الذات .
ومما لا شك فيه أن الصراعات التي تحدث بين الزوجين لاتحدث من فراغ ، وأن بعض المشكلات تكون نابعة من داخل الذات ، وأن عمق المعاناة التي تحدث بين الزوجين في الحياة اليومية بسبب العلاقات المتوترة بينهما.
فالتواصل السيء والخلافات المستمرة وطريقة الحوار غير الديمقراطية عادة تؤدي بشخصين يحبان بعضهما بعضاً بشدة إلى أن يسبب كل منهما الألم والمعاناة للآخر أكثر من الحب ،بالإضافة للألم النفسي الشديد .
معنى التوافق الزواجي :
● ويُعرّف التوافق الزواجي بأنه قدرة كل من الزوجين على دوام حل الصراعات العديدة التي إذا تُركت تحطمت دعائم الأسرة .
● ويُعرّف التوافق الزواجي أيضاً بأنه التوفيق في الاختيار المناسب للزواج والاستعداد للحياة الزوجية والدخول فيها والحب المتبادل وتحمل مسؤوليات الحياة الزوجية ، والقدرة على حل مشكلاتها والاستقرار الزواجي والرضا والسعادة الزوجية .
● ويتوقف التوافق الزواجي على تصميم كلا الزوجين على مواجهة كل المشكلات المادية والاجتماعية والصحية والعمل على تحقيق الانسجام والمحبة المتبادلة .
● والاضطراب في الحياة الزوجية هو عكس التوافق الزواجي، و يعني عدم التوافق الناشيء بين الزوجين والذي يؤدي بدوره إلى حدوث توتر في العلاقة الزوجية ويستمر لفترة طويلة.
● ينشأ الصراع بين الزوجين نتيجة لعدم التقارب في سمات الشخصية ، أو بسبب المشكلات الاقتصادية والضغوط الخارجية التي تقع على أحد الزوجين أو كليهما ، مما يترتب عليه عدم إشباع بعض الحاجات النفسية والفيزيولوجية ويؤدي ذلك إلى اضطراب في الحياة الزوجية .
من أسباب سوء التوافق الزواجي :
١- اضطراب العلاقة الحميمية .
٢- الفروق الثقافية
٣- العادات والتقاليد
٤- سمات الشخصية .
من النتائج المترتبة على سوء التوافق بين الأزواج مايلي :
١- تعرض الأسرة لمشكلات حول الانجاب ،وأساليب معاملة الأبناء وكيفية مواجهة مشكلاتهم .
٢- تعرض الزوجين لاضطرابات نفسية كالخوف والتوتر والاضطراب التي تنعكس على أدائهم اليومي في مختلف المجالات .
٣- التأثير السلبي على المكانة الاجتماعية للزوجين.
٤- زيادة معدلات الانحراف .
٥- ارتفاع نسبة الإصابة بالقلق النفسي للأبناء الذين نشأوا في أوضاع أسرية مضطربة .
٦- انخفاض الأداء وتدني مستوى التحصيل العلمي لدى أبناء الأسر المفككة .
٧- تعد الخلافات الزوجية المتكررة تربة خصبة للانفصال .
٨- انحطاط اخلاقيات المجتمع وعدم احترام سلوكيات وعادات وأعراف المجتمع .
٩- تفشي الرذيلة والجريمة في المجتمع إضافة إلى وجود جيل من الأبناء حاقد على المجتمع لعدم تلبيته لمطالبه واحتياجاته .
لذك يعمل ( الإرشاد الزواجي ) على المساعدة المتخصصة من قبل المعالج أو المرشد النفسي للزوجين بهدف الوصول للتوافق الزواجي المطلوب .
وإذا أردنا مساعدة الناس في أن يكونوا سعداء مع بعضهم لابد أن نوضح لهم أولاً كيف يعيشوا بسلام وأمان مع أنفسهم …
طبيعة العلاقات المضطربة بين الزوجين :
يميز معالجو العلاج العقلاني الانفعالي بوضوح بين عدم الرضا الزواجي ،والاضطراب الزواجي.
عدم الرضا الزواجي:
● أقل شدة من الاضطراب الزواجي .
● من أسبابه المغالاة لدى الزوجين في تقدير ما يتوقعونه من بعضهما كشريكين. (مثل: سيكون شريكي بجانبي دائما،لن أعاني من الحرمان مادمت مع شريكي ) .
● إذا لم يعدل الأزواج تفكيرهم المغالي فسوف يصبحون في حالة عدم رضا وارتياح عندما يكون عكس مايتوقعون خاصة إذا كانت هذه الأفكار حتمية .
● وقد يحدث عدم الرضا لاختلاف في وجهات النظر أيضا وذلك إذا لم يحقق أحد الزوجين رغبة الآخر مثلاً🙁 قد يحرص الزوج على مكوث زوجته فترة طويلة بالمنزل وعندما يحصل غيرذلك سوف يشعر الزوج بعدم الارتياح ، لأنه لم يحصل على رغبته في بناء بيت وأسرة جيدة ومحافظة، فيبدأ بمناكدتها .
● وسينتج عن ذلك عدم رضا الزوجة لأنه لم يتم إشباع رغبتها في الحصول على دعم زوجها وهكذا .
الاضطراب الزواجي:
● أشد من عدم الرضا الزواجي.
● يحدث الاضطراب الزواجي بسبب النموذج المحدد للتفكير التقييمي، وهو تفكير مطلق حتمي وذو طبيعة شديدة في المبالغة ويُدعى التفكير اللاعقلاني ويعيق الفرد عن التفكير الواقعي حول أهدافه ورغباته الأساسية.
● تقود الأفكار والمعتقدات اللاعقلانية إلى مشاعر مضطربة مثل القلق واليأس والغضب والعدوانية والخيبة.
● يصبح الاضطراب الزواجي عندما يصبح أحد الزوجين أو كلاهما مضطرباً انفعالياً (عاطفيا ) حول حالات عدم الرضا التي يتعرضون لها .
● فيصبحون قلقين غاضبين عدائيين مؤذيين يائسين مصابين بخيبة أمل شاعرين بالإثم وغيورين .
● تتعارض هذه المشاعر عادة مع العلاقة أو الاتصال البناء لحل المشكلة ومع عمليات النقاش والتفاوض التي تساعد على حل مشكلات عدم الرضا الزواجي .
● عندما يكون أحد الزوجين أوكلاهما مضطربان يتصرفان بأسلوب هادم للذات الذي يساعد في ظهور الاضطراب الزواجي .
عندما يطالب أحد الأزواج الآخر مطالب حتمية مطلقة على الذات وعلى الشريك الآخر، أو على العلاقة بينهما، ويطالبون بشكل حتمي ومطلق بحدوث أمر ما أو بعدم حدوثه ،وحدث عكس ما يطالبون به يستنتجون أن الحدث مروع وفظيع ومرعب ولايستطيعون تحمله ،وأن مسبب الحدث المفروض عدم وقوعه هو مسبب سيء سواء كان ذلك المسبب الذات نفسها ، أو شخص آخر أو ظروف الحياة بشكل عام فمن خلال ذلك يمر الفرد بمراحل أربعة تؤدي للاضطراب الانفعالي وهي:
● الحتمية .
● التضخيم والمبالغة.
● عدم القدرة على التحمل.
● الإدانة.
العلاج العقلاني الانفعالي الزواجي :
البدائل العقلانية لعمليات التفكير اللاعقلاني الأربعة هي :
١- الرغبة ضد الحتمية.
٢- التصنيف بدرجة من السوء ضد التضخيم والمبالغة.
٣- التحمل ضد عدم القدرة على التحمل .
٤- القبول ضد الإدانة .
الرغبة ضد الحتمية:
يعتقد بعض الأزواج أنهم سيكونون أكثر سعادة عندما تُلبى رغباتهم وتفضيلاتهم جميعها وسيصبحون غير راضين عندما لاتشبع تلك الرغبات .
ولكن في واقع الأمر لايوجد هناك ترادف بين الاضطراب الزواجي وعدم الرضا الزواجي .
حيث يحدث الاضطراب عندما تتدرج مطالب أحد الزوجين أو كليهما من الرغبات النسبية إلى المطالب الحتمية ، بينما يحدث عدم الرضا عندما لايتم إشباع رغبات أحد الزوجين أو كليهما.
كما لايتواجد الإلحاح والإصرار في حالة عدم الرضا بعكس حالة الاضطراب المليئة بالإلحاح والإصرار .
وعلى الزوجين في هذه المرحلة :
١- تحديد الأفكار اللاعقلانية واستبدالها بالأفكار العقلانية.
٢- التساؤل لنفسه ما القانون الكوني الذي يفرض على زوجي أو زوجتي التصرف بطريقة مثالية ؟ وهل صحيح أنني لاأستطيع أن أتحمل سلوك زوجي أو زوجتي؟
٣- وبهذه الطريقة تتم مساعدتهم على إدراك أنه لايوجد هناك مبرر للأفكار المطلقة والحتمية ،فبعدم إصرارهم على أفكارهم اللاعقلانية سوف يساعد ذلك على حماية علاقتهم من الاضطراب.
٤- وفي حال عدم القدرة على إنجاز هذا النوع من الحوار، في هذه الحالة يساعدهم المعالج على تطبيق العبارات العقلانية مثل :لا أحب سلوك زوجي أو زوجتي لكنها تمتلك حق التصرف بأنها مخلوق بشري غير معصوم عن الخطأ.
٥- التدريب على قبول الذات.
٦- دحض الحاجة اللاعقلانية للحب بين الزوجين والاحتفاظ بالرغبه العقلانية للحب بينهما.
٧- ويجوز أن يكون أحد الزوجين حزين بشكل ملائم، لكن من غير الضروري أن يكون إحداهما أو كلاهما يائس بشكل غير ملائم .
٨- التدريب على التواصل والتفاوض والنقاش.
٩- التواصل البنّاء لحل المشكلة ومهارات التفاوض بين الزوجين تؤدي لحل مشكلات عدم الرضا بين الزوجين.
أما إذا كان الزوجان يفتقدان تلك المهارات ففي هذه الحالة يركز العلاج الزواجي على تدريبهم كيفية استخدامها ،ولكن عندما يكون الزوجان في حالة اضطراب حول العلاقة بينهما في هذه الحالة مالم تتم معالجة مشكلاتهم الانفعالية ستبقى مشكلات العلاقة قائمة.
التصنيف بدرجة من السوء ضد التضخيم :
● إذ أنه كلما زادت أهمية الرغبة غير المشبعة يزداد معها سوء تعريف الحرمان المرافق لتلك الرغبة ،أي كلما ازدادت الرغبة أهمية ولم يتم إشباعها ازاد شعور الشخص معها بالسوء.
● إلا إذا تعامل الفرد مع هذه الرغبة بأقل أهمية وأخفض شيئأ من سقف توقعاته ، ولم يقوم بالإصرار والإلحاح الحتمي في حال عدم حصوله على مايرغب .بذلك سيصبح لديه الحرمان شيء سيء وليس شيء مروع.
التحمل ضد عدم القدرة على التحمل :
إن عبارة لاأستطيع التحمل تعني الهزيمة أمام مشكلة ما ،وتعني أيضا عدم قدرة الشخص على الشعور بالسعادة مهما كانت وتحت أي ظرف من الظروف، ولكن تحمُل شيئاً ما تعني :
١- الاعتراف والتسليم بحقيقة أن هناك حدثاً غير مرغوب قد وقع ، والتصديق بأنه – – لايوجد هناك قانون يمنعه من الوقوع.
٢- تصنيف تلك الحادثة على أنها شيء سيء وليس شيئا مروعاً .
٣- تحديد نوع التغيير الممكن حدوثه وفي حال إمكانية ذلك التغيير .
٤- إذ أن تحمل الظروف المعاكسة هو موقف مساعد على القيام بمحاولات تغيير بناءة ، بينما عدم القدرة على التحمل قد تقود إلى استراتيجيات علاجية هادمة للذات وللآخرين .
القبول ضد الإدانة :
● يمكن تطبيق هذا الموقف على الذات والآخرين وعلى المحيط . فمثلاً ، عندما تقبل امرأة ذاتها بشكل غير مشروط ، تدرك أنها مخلوق بشري غير معصوم عن الوقوع في الخطأ . فإذا استطاعت قبول ذاتها بهذا الشكل ، سيكون بإمكانها الاعتراف بأخطائها ، وتقييمها بدرجة من السوء إذا شكلوا عائقاً أمام تحقيق وإنجاز أهدافها .
● بالإضافة إلى ذلك إذا لم تلح على ضرورة تصرف شريكها بشكل حسن ستكون على الأرجح قادرة على قبوله كشخص غير معصوم من الوقوع في الخطأ . على الرغم من شعورها بالاستياء بسبب سلوكه السيء .
● وستبادر بالمفاوضات والمناقشات البناءة لتحقيق تحسن مستقبلي في النهاية ، إذا لم تصر هذه المرأة على وجود علاقة تامة بينها وبين زوجها ، وستدرك أن هذه العلاقة تحتوي على عناصر سيئة وأخرى جيدة وأنه من الممكن تحسينها لكن من الصعب جعلها تامة.
● وأن التفكير العقلاني يقود إلى مشاعر قوية وسلبية في آن واحد مثل :الهم ، القلق،الحزن ، خيبة الأمل ، الندم والكراهية ، لكن هذه المشاعر يجب ألا تعمل على الهدم كما في التفكير الغير عقلاني، بل تعمل على تحريض الأزواج على أن يتخذوا خطوات بناءة نحو تحسين المسائل والأمور المتعلقة بأهدافهم المشتركة ، وذلك للحفاظ على علاقتهم .