في الألفية الجديدة يمر التعليم بتغيير متسارع فيما يتعلق بالعلوم والتكنولوجيا والعولمة والخصخصة، والتحضر والتصنيع … إلخ، فالشباب اليوم يواجه العديد من القضايا الناشئة مثل الاحتباس الحراري والمجاعات والفقر والانتحار والانفجار السكاني بالإضافة إلى المشكلات الاجتماعية والعاطفية والجسدية والنفسية، وتعد المنافسة الحادة والبطالة ونقص الأمن الوظيفي وما إلى ذلك من الاهتمامات الرئيسية للمتعلمين، ونتيجة لذلك فإنهم يتعرضون لضغوطات متزايدة مما يولّد لديهم شعور بالإحباط، لأنَّهم يدخلون في معتركٍ حضاريٍ مُحْتدِمٍ، وكأنّهم داخلون في سباقٍ مجنونٍ، ولا أحد لديه الوقت لبناء وتطوير مهاراته وبناء ذاتِهِ بناءً يليقُ به كإنسان مُستخلَفٍ على هذه الأرض، لتطوير التكيّف والإنسجام والإندماج والتعاطف مع المحيط ليؤمن بقيمته في المجتمع.
يُنظر إلى عقل الشاب على أنَّهُ أكثر أفراد المجتمع حيوية وإنتاجية، نظرًا لقدراته الجسدية والفكرية، لكن في الحياة الواقعية ونتيجة لظروف عدة وعوامل متشابكة تتعلقُ بنمط الحياة والتكنولوجيا والحياة الافتراضية بين اللعب من جانب وبين الأجهزة الذكية من جانب آخر، فإنّ معظمَهم غيرُ قادرينَ على الاستفادة من إمكاناتهم بطريقة مناسبة بسبب نقص التوجيه والتحفيز والوعي الأسري، مثل مشاكل إدمان الكحول، وتعاطي المخدرات والاعتداء الجنسي، والتدخين، وجنوح الأحداث، والأفعال المعادية للمجتمع وما إلى ذلك، فإنَّ لها تأثيرًا سلبيًا عليهم وعلى الآخرين أيضًا، وهذا نتيجة الابتعاد عن القيم الدينية والمعارف الإلهية ونقص الالتزام بها وتفعيلها في النواحي الحياتية المختلفة.
ويتطلب هذا التحدي الجديد استجابة فورية وفعَّالة من نظام تعليمي مسؤول اجتماعيًا، فالتعليمُ اليوم مهم جدًا، لكن نوع التعليم لدعم الحياة بشكل أفضل هو أكثر أهمية نظرًا لاهتمامه ببناء الإنساء وصقل مهاراته وقدراته للمستقبل، لذلك يحتاجُ التعليم إلى تركيز استثنائي على تطوير مثل هذه المهارات لدى الطلاب، حيث أنَّهَا اللَبِنَات الأساسية للمواطن الديناميكي المنتج، والقادر على الإبداع والمساهمة في حركة المجتمع نحو التقدم والتطور، والذي يمكنه من مواجهة تحديات المستقبل، والبقاء على قيد الحياة، ولا يخفى على المهتمين أهمية تلك المهارات للمراحل التأسيسية، لما لها تأثير كبير على بناء الطفل بناء قيميًا ومهاريًا بما يؤهله لأنْ يواجه التحديات في المراحل التعليمية اللاحقة.
كان موضوع المهارات الحياتية مجال اهتمام كبير للباحثين والمنظرين والتربويين، وقد تمَّ إجراء العديد من الأبحاث للتأكيد على أهمية وفعّالية تعليم المهارات الحياتية في التنمية والتعامل الاجتماعي والعاطفي والمعرفي للطلاب مع مشاكلهم وقضاياهم النفسية والاجتماعية، ويعدُّ التدريبُ على المهارات الحياتية عاملًا مهمًا في صناعة هذا الإنسان بما يمثّل انعكاسات وارتدادات كبيرة على الطلاب، إذ يعزز قدرات التفكير النقدي، ويدعم مهارات التخطيط وتحديد الأولويات وتغيير نمط الحياة المتسارعة، والالتفات إلى الجوانب المعنوية والقيمية في حياة الفرد، بما ينعكسُ على حياة المجتمع والذي كان من التأثيرات الإضافية أنْ تعيش الحياة بنشاط وحيوية وأمل بعيدًا عن رتم للحياة المتسارع، ما يخلّفُ حياةً سلبيةً وتفكيرًا متواضعًا وخنوعًا ودعةً وراحةً، إلى جانب ذلك فإنّ مهارات الحياة تعزّز في الأفراد روح المسؤولية في الوظيفة وفي التخطيط المستقبلي أيضًا.
تعليم مهارات الحياة
وفقًا لمنظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة فإنَّ المهارات الحياتية هي نَهْجٌ لتغيير السلوك أو تطوير السلوك مصمّمٌ لتحقيق التوازن في ثلاثة مجالات:
١. المعرفه.
٢. السلوك.
٣. المهارات.
تقوم الهيئات العالمية مثل اليونيسف واليونسكو ومنظمة الصحة العالمية بإدراج المهارات الحياتية الأساسية العشر على النحو التالي:
١. الوعي الذاتي.
٢. التفكير النقدي.
٣. التفكير الإبداعي.
٤. اتخاذ القرار.
٥. حل المشكلات.
٦. الاتصال الفعال.
٧. العلاقة الشخصية.
٨. التعاطف.
٩. التعامل مع الإجهاد (إدارة الضغوط).
١٠. التعامل مع العاطفة.
يأخذُ التدريبُ والتعليمُ على المهارات الحياتية في الاعتبار الكفاءات النفسية والاجتماعية والمهارات الشخصية التي تساعد الطلاب على اتخاذ القرارات الصحيحة، وحل المشكلات، والتفكير النقدي والإبداعي، والتواصل بفعالية، وبناء علاقات صحية، والتعاطف مع الآخرين والتعامل مع إدارة حياتهم بطريقة صحية وحيوية منتجة.
تعرّفُ منظمة الصحة العالمية المهارات الحياتية بأنَّهَا قدرات السلوك التكيفي والإيجابي، التي تمكّنُ الأفرادَ من التّعامل بفعالية مع متطلبات وتحديات الحياة اليومية، وقد تمّ تصنيف المهارات الحياتية إلى ثلاث فئات عامة:
١. مهارات التفكير: وهي المهارات التي تعزّزُ القوة المنطقية للدماغ باستخدام القدرة التحليلية والتفكير الإبداعي والنقدي وتطوير مهارات حل المشكلات وتنمية و تحسين قدرات اتخاذ القرار.
٢. المهارات الاجتماعية: وتشملُ مهارات التعامل مع الآخرين، ومهارات الاتصال، ومهارات القيادة، ومهارات الإدارة ، ومهارات المناصرة ، ومهارات التعاون وبناء الفريق… إلخ.
٣. المهارات العاطفية: وتشمل المعرفة والارتياح مع الذات وبالتالي إدارة الذات، بما في ذلك إدارة التعامل مع المشاعر والعواطف والتوتر ومقاومة الأقران وضغط الأسرة.
نقل “تعليم المهارات الحياتية” في الفصل الدراسي
تمَّ إجراء بحثٍ دقيقٍ حول نقل تعليم المهارات الحياتية في الفصل الدراسي، وفي ضوء مراجعة الأدبيات المذكورة أعلاه، فقد ثبت الآنَ أنَّ لها نتائجَ إيجابيةً عند تدريسها كجزء من المنهج الدراسي، وهناك العديد من المؤشرات البحثية السابقة، والتي تناولت المهارات الحياتية كمصطلح بنّاءٍ ومفيدٍ لصقل توجهات الطلاب وبناء معارفهم على أن يتمَّ تنفيذها كبرنامج تدريبي، ونموذج يساهم في التنمية الصحية للمراهقين، فإنَّ أهمية تعليم المهارات الحياتية لها علاقة وطيدة مع كيفية تنفيذها بمساعدة الأنشطة البسيطة في إعدادات الفصل الدراسي وتهيئة البيئة الصفية الجاذبة، ومن الأنشطة المختلفة التي يمكن استخدامها لتعزيز المهارات الحياتية لدى الطلاب يمكن الإشارة لبعضها على النحو التالي:
١. مناقشات الفصل الدراسي: نشاط يوفر فرصًا للطلاب للتعلم وممارسة التحول إلى بعضهم البعض في حل المشكلات، وتمكّن الطلاب من تعميق فهمهم للموضوع وتخصيص ارتباطهم به، يطّور مهارات الاستماع والحزم والتعاطف.
٢. العصف الذهني: يسمح للطلاب بتوليد الأفكار بسرعة وبشكل تلقائي حيث يساعد الطلاب على استخدام خيالهم والتفكير خارج الصندوق، مما يُسهمُ في بناء خبرات إبداعية، وتعدُّ هذه الأنشطة بداية مناقشة جيدة، لأنَّ الطلاب يمكنهم من توليد الأفكار بطريقة إبداعية، ويفضّل تقييم إيجابيات وسلبيات كل فكرة أو ترتيب الأفكار وفقًا لمعايير معينة واضحة يتفق عليها.
٣. لعب الأدوار: إلى جانب كونه نشاطًا ممتعًا ويشمل الفصل بأكمله، ليكون نشطًا تشاركيًا يندمج الطلاب مع بعضهم البعض، فإنَّهُ يوفر أيضًا استراتيجية ممتازة لممارسة المهارات؛ حيث يعيش الطلاب تجربة كيف يمكن للمرء أنْ يتعامل مع موقف محتمل في الحياة الواقعية، إلى جانب زيادة التعاطف مع الآخرين ووجهات نظرهم، بالإضافة إلى زيادة التبصّر في المشاعر الخاصة.
٤. المجموعات: وتكون مفيدة عندما يكون الوقت محدودًا، لأنَّها تزيد من مدخلات الطلاب حيث يسمح للطلاب بالتفاعل، ومعرفة بعضهم البعض بشكل أفضل مما يعزز بطريقة ما بناء الفريق والعمل الجماعي والتعلم من بعضهم البعض بتوجيه وإشراف من المعلم.
٥. الألعاب التعليمية والمحاكاة: تعزّز المرح والتّعلم النشط والمناقشة الغنية، حيث يعملُ المشاركون بجدٍ لإثبات آرائهم وكسب النقاط، مما يعزّزُ فيهم روح التنافس وخلق المحبة بين الطلاب ومعرفة بعضهم البعض، وتتطلب الاستخدام المشترك للمعرفة والمواقف والمهارات وتسمح للطلاب باختبار الافتراضات والقدرات في بيئة آمنةٍ نسبيًا ومحفزة.
٦. تحليل الوضع ودراسات الحالة: وهي نوعٌ من الأنشطة تعطي الطّلابَ فرصةً للتَّحليل والاستكشاف والتحدي واختبار الحلول بأمان؛ إلى جانب توفير فرص للعمل معًا في مجموعات، وهذا ما يعزّزُ لدى الطُّلاب العمل ضمن فريق ومشاركة الأفكار والتعلم الجديد وإعطاء نظرة ثاقبة والترويج والتشجيع أحيانًا لرؤية الأشياء بشكل مختلف.
٧. سرد القصص: وهذا النوع من الأنشطة يمكن أنْ يساعد الطُّلاب على التفكير في المشكلات المحليّة وتطوير مهارات التفكير النقدي والمهارات الإبداعية لكتابة القصص أو التفاعل لرواية القصص، كما أنّهُ يفسح المجال لإجراء المقارنات، والمساعدة في اكتشاف الحلول الصحية، كما أنَّهُ يعزّزُ الانتباه والتركيز ومهارات الاستماع ويطوّر الصبر والقدرة على التحمل، ومن جهة أخرى فهو يعزّزُ المهرات التواصلية والقدرة على الخطاب ويثري المهارات الإلقائية ما يقوي من شخصية الطالب وثقته بنفسه.
٨. المناظرات: توفر فرصة لمعالجة قضية معينة بعمق وإبداع وهي أنشطة تلائم القضايا الفكرية والصحيّة وغيرهما، حيث يمكن للطلاب مناقشة على سبيل المثال، ما إذا كان يجب حظر التدخين في الأماكن العامة في المجتمع كما أنّه يسمح للطّلاب بالدفاع عن آرائهم التي تمثّل الكثير بالنسبة لهم، فالمناظرات فرصة لممارسة مهارات التفكير العليا.