إنهاء الإيذاء العاطفي
يعني الابتعاد عن كل ابتزاز عاطفي إلى جانب ترك ازدراء أحد الطرفين بالآخر في أنماط العلاقات المختلفة، وفي أحيانٍ أخرى فإنَّ الضحيةَ بحاجةٍ إلى اكتسابِ ما يكفي من القوةِ وتعلّمِ الاستراتيجيات المناسبة حتى يصبحَ أكثرَ حزمًا في وضعِ حدودٍ من شأْنها أنْ تحفظَ حقَّ كلِّ واحدٍ منهما كصديقين أو مسئول وموظف أو على المستوى الاجتماعي في الحياة العامة أو كزوجين، إلى جانب تقوية العلاقات باحترام الحدود المنظِّمة لتلك لها، ما يعني دائمًا أنَّ الطّرف المسيء يحتاج إلى اكتشاف ذلك، وأنَّهُ يمارس سلوكًا مشينًا يضر بالآخرين، والعمل على علاج وتجاوز تلك القضايا الأساسية التي تسبّبُ السلوك المسيء، وبشكلٍ دقيقٍ فإنّ إنهاء الإساءة العاطفية غالبًا ما تعني العمل معًا كصديقين أو طرفين اثنين، وكعلاقة زوجيْن على سبيل المثال لتغيير الأنماط المدمرة بينهما على حد سواء.
إنّ معرفة معنى الإساءة العاطفية وزيادة الوعي بها وخصوصًا لأولئك الذين لم يسمعوا بها من قبل سيكتشفون أنّهم يتعرضون للإساءة العاطفية، وأنّها تسبّبُ لهم آلامًا شديدة، كما أنّها تؤثر في مستوى علاقاتهم وقدرتهم على العمل والانتاج، بل وحتى قدرتهم على الإندماج في المجتمع صغيرًا كان أو كبيرًا، وقد تدخلُهُم في سلسلة من القلق والخوف وتتأثر أساليب حياتهم، وأنّهم يتعرضون لسوء المعاملة العاطفية بشكلٍ متواصلٍ، غير أنَّهم لم يكونوا على علم بها مما يحتّمُ عليهم أنْ يتخذوا مجموعةً من الإجراءات والخطوات للتعامل معها بشكل علمي مدروس، وقد يؤدي بهم إلى التوصل إلى استنتاج مفادُهُ أنَّهم يحتاجون إلى إنهاء بعض العلاقات، التي تخلّفُ نتائج سلبية وضغوطات نفسية وتسبب لهم إيذاءً له ارتددات في كل مناحي الحياة، وقد يستمر إلى سنوات طويلة.
لكنَّ العديد منهم لن يكون مستعداً لترك العلاقة الآن، قد يكون ذلك لأنَّهم يخشون أنْ يكونوا لوحدهم، أو أنّهم يخافون من أنَّهم لن يتمكنوا من تحقيق أهدافهم بأنفسهم، فهذه المخاوف والأحاسيس قد تكون منطقية في بداية الأمر، لكنَّها ومع استمرار الإيذاء العاطفي ليست كذلك، وحين يقرر المرءُ إنهاء تلك العلاقة المدمرة عليه أنْ يفكر في نتائج ذلك القرار في بداية الأمر، وأنْ يثق بنفسه وفي قدرته على تخطي تلك المرحلة بأقل الخسائر من أجل صحته النفسية والبدنية، وإذا لم يتخذ تلك الخطوة فإنَّهُ لن يكون قادرًا على وقف نزيف الإيذاء العاطفي أبدًا، وكلُّ تأخير لإبقاء تلك العلاقة المكلِفة يعني مزيدًا من الخسارة والتدمير، وهذا الإنهاء للعلاقة المسيئة ينطبق على كل العلاقات المسيئة، ولا ينبغي أبدًا اتخاذ هذا الإجراء إلّا بعد استنفاد جميع الحلول من أجل أنْ يعيش الإنسانُ في سلامٍ واستقرارٍ نفسي وأمنٍ جسدي، إنْ كان على مستوى العلاقة الأسرية أو الاجتماعية أو العلاقات المهنية أو الصداقات، في الواقع نحتاج لفهم العلاقات بشكل يجعلها ذات مردود إيجابي حتى نحافظ عليها ولا نفرّط بها أبدًا لأنّها حاجةٌ إنسانيةٌ ودينيةٌ تتسق والفطرة السليمة.
وإذا أخذنا العلاقة الزوجية باعتبارها أحد الأمثلة الواضحة للعلاقات المسيئة في كثير من القضايا الزوجية في الأسر غير المستقرة والتي عادة ما تكون عرضة لمثل تلك الإساءات إن كان من الزوجين أو من أحدهما تجاه الطرف الآخر، يصبح من الواضح أنَّ الزوجين لايمكن أنْ تستمر علاقتهما الزوجية، إما لأنْ الزوجين مستمران في الإساءة لبعضهما البعض، أو لأنَّ الطّرف المسيء يرفض العمل على تغيير أساليبه رُغم محاولات الطرف الآخر على إصلاح الأمر، أو أنَّهُ حاول توسيط أطراف أخرى لحل تلك المشكلات، وعندما يكون الأمر كذلك، يحتاج الزّوجان إلى معرفة الوقت المناسب لإنهاء العلاقة وكيفية القيام بذلك دون تدمير بعضهم البعض، والأخذ بعين الاعتبار جميع الجوانب الشرعية والعقلية وخصوصًا عندما يتعلق الأمر بالأبناء.
ومن هنا لابد من وجود استراتيجيات واضحة وفاعلة لإنهاء هذه العلاقات المسيئة والمدمرة للحياة الاجتماعية بجميع صورها، وهي تلقي بظلالها عادة على الأفراد، ومن ثم تنتقل سريعًا إلى المجتمعات، ولذلك فإنّ من أهم الإجراءات في البداية هو قراءة شخصية الطرف الآخر زوجًا كان أو صديقًا أو زميلًا أو قريبًا، والتعرف إليه نفسيًا قبل التعرف عليه عاطفيًا، بهدف معرفة طبيعته النَّفسية وهل هو سَويٌّ شعوريًا وعاطفيًا أم لا، أو لأي نمط من أنماط الشخصيات ينتمي، وهنا مجموعة من الإجراءات والأساليب للتعامل مع عملية الإساءة العاطفية أو الوقاية منه:
١– علينا بيان وتصنيف نمط علاقتنا مع الطرف الأخر بشكل دقيق وواع بحيث نحدد ما إذا كان صديقًا أم معجبًا أو محبًا أو عاشقًا أو زميلًا أو رفيقًا أو يحتاج لمساعدة وتعاطف وشفقة، وكل ذلك سيعيننا على فهم طبيعة العلاقة وتقنينها حسب نمطها شدة وضعفًا مما يسهّل للطرفين عملية التعامل، وهو نوع من الذكاء الاجتماعي الذي يعيننا على استخدام أساليب التعامل وفق طبيعة الشخصية، ولهذا فالذكاء العاطفي هو قدرة الفرد على قراءة مشاعر الآخرين والتفاعل معها.
٢- من الأساليب المؤثرة وتساعدنا كثيرًا في ترتيب أولوياتنا وتنظيم شؤون حياتنا هي قدرتُنَا على استخدام كلمة “لا”، علينا أنْ نتعلم أنْ نقول “لا” في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة، لأنَّ أغلب الذين يقعون تحت وقع الإيذاء العاطفي لايستطيعون قول “لا”، مما يعطي فرصة كبيرة لتمادي الطرف المبتز على الاستمرار في الابتزاز والوصول لما يريد، وهو ببساطة لا يواجه بالرفض والمقاومة، ولهذا فالاستسلام له يفتح الطريق لاستمرار الإساءة بل وتراكمها حتى تكون كالجبل لا يمكن رفعه.
٣- في كل علاقة ناجحة توجد حدودٌ وفواصل تحفظ للطرفين حقوقهما، وهي تعتبر مناطق أمان للطرفين، ووظيفة مناطق الأمان أنَّها تتيح لكل طرف أنْ يعبّر عن رأيه، ويفصح عن مشاعره وعواطفه بما يكفل حق الطرف الآخر واحترامه دون الإخلال بموازين القيم والمنظومة الأخلاقية.