تقييم الإساءة العاطفية :
يمكن تقييم عملية الإساءة العاطفية وآثارها من زوايا متعددة، قد تعمل الإساءة العاطفية من الناحية النفسية في خلق شعور اليأس والاحتقار في نفس الضَّحية، أمّا المُبتَّز فقد يتخذ موقفًا دفاعيًا تجاه سلوكِهِ وتصرفِهِ، بل ومن المريح بالنّسبة للجاني أنْ يركّز على ردّات فعل الضحية ويتناسى سلوكه المشين، فالمُبتَّز يرتكبُ الكثير من المخالفات السلوكيّة، لكنه لا يصنفها في خانة السِّلوك المشكِل، وإنما يضعها في دائرة الحفاظ على مصالحه، وأنَّ كلَّ ما يمارسه هو حقٌّ أصيلٌ له بغض النَّظر عن ما يصيب الضحية من ألم نفسي أو جسدي.
وقد يكون أحدُ الطرفيْن أو كلاهما على علم ووعي بالانتهاكات التي تحدث، أو قد يكونان على جهلٍ وعدم وعي بسلبية إساءة الاستعمال، لكنَّهما غيرُ راغبيْنِ أو غير قادريْنِ على مواجهتها، وقد يتأثر مستوى الوعي الذي يمتلكه الضحية أو المُبتَّز فيما يتعلق بالإيذاء بعجز في الأداء المعرفي، يمنعه من الفهم الكامل لما حدث، أو بسبب نقص المعلومات عمَّا يشكل فعلاً إساءة عاطفية، وتميلُ الضحايا والجناة إلى التقليل من أهمية الإيذاء العاطفي بسبب عدم وجود ضررٍ جسديٍ خارجي، ولهذا فإنّ كثيرًا من ضحايا هذا السلوك المشين لا تبدو عليهم الأعراض إلا أنَّهم يرزحون تحت ضغطٍ نفسيٍ كبيرٍ، وآلام عاطفيةٍ مؤذيةٍ توصلهم لنتائج غير محمودة، ومع ذلك فإنّنا نستطيعُ القول أنّهم مرضى يعيشون ضمن دائرة المرض الخفي.
أثر الإساءة العاطفية على الجسد
الابنتزاز العاطفي – على عكس الاعتقاد الشائع – أن لا يتعدى كونه إشارات وكلمات لها تأثيرات سلبية، إلّا أنَّ الحقيقة تقول غير ذلك، فالإساءةُ العاطفيةُ تحتوي على مكوّنٍ جسدي، فالأفرادُ الذين يعانون من سوء المعاملة العاطفيّة والذين يتعرضون للابتزاز العاطفي من زوايا عديدة، يعيشون غالبًا ما مع مستوياتٍ عاليةٍ من الإجهاد، والذي قد يؤدي مستقبلًا إلى الإصابة بما يسمى بمتلازمة الإجهاد الدائم، والإجهاد يؤدي إلى الاستجابة للمواجهة أو الهروب، مما يدفع إلى زيادة إفراز الهرمونات التي تهدف إلى إعداد الجسم إما للهرب من الأسباب وإمّا لمواجهة سبب الإجهاد.
يتم إهمال العمليات الجسدية الأخرى أثناء الاستجابة للإجهاد حتى يتمكن الجسم من استخدام جميع موارده لمقاومة مصدر الإجهاد، في حين أنَّها عمليةُ تكيّفٍ رائعةٍ وضرورية في ظل الظروف العادية، والذين يعيشون في حالة من القلق المتزايد على الدوام يمكن أن يؤدي بهم ذلك إلى المعاناة من عدد من القضايا الصحية، مثل انخفاض مقاومة الجهاز المناعي، وسوء الهضم، وانخفاض الاستجابة الجنسية.
تأثير الاساءة على الأعصاب
ويظهر التأثير العصبي للإساءة العاطفية في اللوزة، وهو جزءٌ من الدماغ مرتبطٌ بمعالجة المشاعر السلبية، وقد لاحظ الباحثون ما يطلق عليه استجابة الخوف في الأفراد الذين يعيشون في حالات ومواقف تثير القلق، مما ينتج نوبات ذعر (Panic Attack) في الشخص المصاب.
وعادة ما يحدث الإيذاء العاطفي في سياق العلاقة، وقد يصعب تحديده بأكثر من الأذى البدني، لأنَّه لا يوجد في كثير من الأحيان أيُّ دليلٍ ماديٍ واضح يُتركه وراءه، ومع ذلك فإنَّ غالبية المتخصصين يعتبرون الإساءة العاطفية ضارة بنفس القدر من الإساءة البدنية.
