خطوات للتعافي من الإيذاء العاطفي
أولئك الذين يتعرضون للإساءة لابدَّ لهم من أنْ يسعوا جاهدين لمسح تلك الصفحات المؤلمة من حياتهم، ليفتحوا صفحةً مملوءةً بالسَّعادة والاستقرار، ولأجل ذلك لابد من معرفة ما يمكنُهُم القيام به لوقف سوء المعاملة في العلاقات في مختلف الأماكن وعلى جميع المستويات، في حين أنَّ الوضعَ الأمثل هو أنْ يلتزمَ المبتز و الضحية بالعمل على تحسين هذه العلاقة معًا، وفي كثيرٍ من التِّجارب العملية يرفضُ المسيئون في كثيرٍ من الأحيان الاعتراف بأنَّهم مسيئونَ وغيرُ راغبين في طلب المساعدة، حتى في شكل قراءة كتاب أو الدخول في فترة علاج نفسي أو أي تقنية علاجية أخرى، وهذا بطبيعة الحال لا يعني أنَّهُ لا يوجد أملٌ لتحسين نمط العلاقات، ومع ذلك فإنّ كثيرًا من الحالات يمكن أنْ يكون الطّرفُ المعتدى عليه هو الذي يوقف الإساءة، وذلك باتّباع مجموعة من التقنيات تعينُهُ على وقفها، ومن أهم تلك الإجراءات تعزيز وزيادة الوعي بالإيذاء العاطفي وعدم تعبيد الطريق للمسيء لتحقيق أهدافه، وهذه الخطوات لا تعني بالضرورة علاج وتغيير المعتدي، بل هي في المقام الأول خطوات لحماية الضحية ووقف تمادي المسيء عند نقطة معينة، ومن ناحيةٍ أخرى فإنَّ كلَّ إجراءات الضحية هي نوعٌ من أنواع جرس الإنذار للمعتدي، وقد تسهمُ تلك الاجراءات الاحترازية في تشجيع المعتدي على تغيير سلوكه، لاحظْ أنَّ تغيير سلوك الضحية برفض الإيذاء العاطفي من شأنه أنْ يعالج المعتدي بطريقة غير مباشرة وغير مقصودة، أو على أقل تقدير يمكن للضحية أنْ يعدّلَ سلوك المعتدي بنسبة معينة.
قد يبدو هذا الفعل غير معقول وقد يدّعي الضحية أنّهُ غيرُ قادر على وقف نزيف الٌإيذاء العاطفي، كأن يقول مثلًا: “ماذا يمكنني أنْ أفعلَ لوقف الإساءة؟ لقد حاولتُ بشتّى الطرق ولم أجدْ ما يساعد في وقف الإساءة”، فالزوجة التي تتعرض للإساءة والإيذاء العاطفي بصورةٍ مستمرةٍ من زوجها، حاولتْ بكل الأساليب وبكل ما يمكن أنْ تفكر فيه لجعل شريك حياتها يتوقف عن الإيذاء العاطفي، إلّا أنَّها لم تستطعْ وفي لحظةٍ معينةٍ ودون تخطيط مسبق ولم تفكر الزوجة فيها أبدًا قد تثني شريكَ حياتها عن الاستمرار في معاملتها بطريقة مسيئة، وقسْ على ذلك أنماط من العلاقات المختلفة داخل الأسرة، وبين الأصدقاء وزملاء العمل وبين رئيس ومرؤوس وغيرها من العلاقات المتشابكة.
لديك قوةٌ أكبر مما تدرك، مما قد يقف في طريقك للحصول على تواصل مع المعتدي هو تاريخك الشخصي المملوء بالإساءات ونقاط الألم ومحطات شديدة التأثير في نفسك ومشاعرك، وهو التاريخُ الذي لا شك في أنَّهُ سَلَبَكَ احترام الذات ومشاعر القوة الشخصية، بمجرد أنْ تتصالح مع ماضيك، أولاً باكتشاف الجوانب التي ساهمتْ في وضعك الحالي، ثم باتَّباع الخطوات المبينة، ستتمكن من استعادة قوتك، ومعها التصميم على عدم التعامل معه بطريقة مسيئة مرة أخرى.
وإذا ما قرّرتَ الإنطلاق نحو النجاح لهزيمة الإيذاء العاطفي ووقف النّزيف الكبير لمشاعرك وأحاسيسك وقدراتك وانعكاس ذلك على كل مناحي حياتك العائلية وبين الأصدقاء وفي مجتمعك عليك أنْ تتبّع ثماني خطوات مهمة للتعافي من أثر الإساءة العاطفية وهي:
الخطوةُ الأولى: اعترفْ لنفسِك بأنّك تتعرض للإساءةِ العاطفيةِ وأقرْ بالضّررِ الذي تعرضْت له بسببه، ولا تغطي على جريمة الإيذاء العاطفي حتى لو كانت من أقرب الأشخاص إليك.
الخطوةُ الثانية: أنْ تفهم لماذا اخترتَ شريكًا (صديقًا ـــ زوجًاـــ زوجة … إلخ) مسيئًا، وما الذي جعلك تتقرب منه؟ هل لصفات شخصية متميزة ؟ أو هل لصلاح الطرف الآخر أم لأنه قادر على إضافة شيء ما لشخصيتك، أو هو نوع من أنواع الإعجاب والتأثر بما يقوم به الطرف الآخر، من المهم جدًا أنْ تبدأ علاقاتك بميزان المصلحة ودفع المضار وجلب المنافع، فالشخصية الإسلامية تحسب خطواتها بدقة تامة ولا تنطلق في تأسيس علاقاتها بالآخرين بمنظار العاطفة فحسب بل لابد من تحسس مواطن المنفعة وأن يكون الدافع الأول والأخير هو رضا الله سبحانه وتعالى.
الخطوةُ الثالثة: أنْ تفهم لماذا تحمَّلت سوء المعاملة طوال فترة العلاقة مع ذلك الشّريك، بأن تعطي تفسيرًا لذلك الصبر على الإساءة، وهل أنّ سوء المعاملة كانت عن قصد؟ وهل لديك القدرة على تجاوز المحنة؟ إذ لابد لذلك من معنى لديك وإلا ففي ذلك السلوك فتح لطريق الإساءة من قبل المبتز و تعزيز الإيذاء والضرر عليك دون أن تحرّك ساكنًا أو أن تسعى للعلاج.
الخطوةُ الرابعة: أنْ تفهم نمط عملك وبذل مزيد من الجهد لإكمال بقية الأعمال، وحتى تفهم نمط عملك لابد أن تشعر بالأمن الوظيفي وأن تحب العمل وينعكس ذلك الحب في البيئة المحيطة، وهي خطوة مهمة لمزيد من الاستقرار والشعور بالسعادة والإطمئنان النفسي.
الخطوة الخامسة: عليك مواجهة الطرف الآخر ورفض سلوكه المسيء، لأنّ ذلك من شأنه أن يحميك من جهة، وأن يسهم في معالجة المسيئ من جهة ثانية.
الخطوةُ السادسة: انتبه إلى مشاعرك وأحاسيسك وأنّها محل تقدير واحترام، وأنّها ثمثل هويتك وكيانك الإنساني الذي تكفل الله سبحانه بصونه ورعايته.
الخطوةُ السابعة: استعادة قوّتك من خلال وضعِ وفرضِ حدودِك الخاصةِ التي تجعلُ الآخرين يقدّرونَك ويحترمونَك، ومن المهم جدا أن ينعكس ذلك من خلال سلوكك مع الآخرين واحترام مشاعرهم وأنّك لا يمكن أن تتعدى الخطوط الحمراء لحياتهم الخاصة، وهي إشارة ذات اتجاهين، الاتجاه الأول يتعلق بالآخرين بأنْ يقدروك ويحترموك من خلالها، والاتجاه الآخر أنك وضعت خطوطًا وحدودًا لايمكن لأي شخص أن يتعداها.
الخطوة الثامنة: الإستمرار في التحدّث إلى المسيء والتعبير عن مشاعِرك تجاهَ تصرفاتهِ السيّئةِ؛ ففي ذلك تقديرٌ لذاتِكَ وصونٌ لشخصيتك بعدم قبول أي نوع من أنواع الإساءة.
حين اتباع هذه الخطوات الثمان، فإن نسبة حدوث الإساءة ستنخفض بشكل ملحوظ أو قد تنتهي، في حالات الإساءة والإيذاء العاطفي من المهم جدًا صناعة الوعي، والتعليمات الواردة في الثمان خطوات ستساعد الضحايا على اكتساب القوة اللازمة والتصميم على الابتعاد عن العلاقة ووضع الحدود اللازمة التي تكفل حق الأشخاص، بل وستعطيهم القوة الكافية للوقوف في وجه المبتز دون تردد، إذا ما أخذت الضحية بعين الاعتبار التفاصيل الواردة والحاكمة في تطبيق البرنامج المذكور، ولعلّ المحرك الأساس لتلك الجرأة والتغيير في أساليب الضحية هو الوعي الكامل بنتائج الإيذاء العاطفي وفهم أساليب الجاني، كما أنّ هذا البرنامج قد صُمّم و أُعِدّ لمساعدة ضحايا الإيذاء العاطفي وتعزيز الفهم الذي اكتسبوه بالأسباب التي دفعتهم إلى اختيار شريك أو صديق مسيء، ممّا يساعدهم بشكل كبير على تجنب العلاقات المسيئة في المستقبل، بل وتعبيد الطريق لهم على التخلص بسهولة من كل علاقة قد تسبّبُ لهم مشكلات نفسية وعاطفية وفق خطوات تضمن لهم المحافظة على أنفسهم ومساعدة المبتز على الإقلاع عن أساليب الإساءة والإبتزاز.
يمكن إنجاز العديد من الخطوات في فترة زمنية قصيرة نسبيًا وتقديم نتائج فورية بتطبيق البرنامج المذكور، ولا يعني ذلك عدم وجود حلول أخرى في برامج داعمة لضحايا الإيذاء، ولكنها قد تكون حلولاً طويلة الأجل، مما يعني أن إكمالها قد يستغرق شهورًا بل سنوات، وخصوصًا عندما تكون نتائج العلاقات المسيئة نتائج ذات آثار سلبية شديدة، إلى جانب استحواذها على مساحة كبيرة من نفس الضحية ومحيطها الأسري والاجتماعي وقد تمتد حتى لبيئة العمل، وفي كل الأحوال فإنّ كل البرامج الداعمة لمثل هذه الحالات على المدى الطويل أو المدى القصير ضرورية لوقف الإساءة العاطفية، التي تدمر احترام الإنسان لذاته وأنه جزءٌ من هذا العالم الكبير ينبغي تقديره وعدم إهماله.
لقد خُلقنا لنحظى بالحرية الواعية المتصلة بالدّين والقيم الأخلاقية والعاطفية والسلام الداخلي واحترام الذات، والإعتداء العاطفي بما يحمل من معاني الإساءة، والإيذاء يقوّضه ما أراده الله لنا كبشر نعيش مع بعضنا البعض في وئام وسلام وحب وتقدير، وأننا نسير في اتجاه تصاعدي إلى الله تعالى وتتهيأ الظروف الموضوعية لذلك السفر المعنوي والهجرة للذات المقدسة بعيدًا عن كل ما يعكّر صفو العلاقة مع كل الناس، ويدّمر العلاقات ليتحول الناس إلى مجموعة من الأشخاص تتقاذفهم موجاتُ المرض والمعاناة النفسية والعاطفية والجسمية، بل ونبتعد عن دائرة الخلافة الإلهية.
وإعادة بناء قاعدة الاتزان العاطفي والنفسي يبدأُ مع فهم حقيقة الاعتداء العاطفي وطبيعة الضَّرر الذي يقوم به، والدور الذي نلعبه كبشرٍ تحكمنا القيم الإلهية، وهي الحاكمة في علاقتنا بالآخر، وحتى ننطلق نحو تنقيح علاقاتنا من كل شوائب الإيذاء لابد من الأخذ بعين الاعتبار الآثار المترتبة على جميع الأطراف وجعلها حقيقةً أمام أعيننا.