الاكتئاب من منظور الدين الإسلامي
الاكتئاب مرضٌ واضطرابٌ نفسيٌ يؤثرُ على طريقة التفكير مما يؤدي إلى شعور مستمر بالحزن وغياب الشغف والإهتمام بالأنشطة اليومية، وقد يقودُ الفردَ إلى الكثير من المشاكل العاطفية والجسدية في العمل والمدرسة والأسرة.
هو مرض نفسي شائع لا يقتصر على فئة عمرية أو جنس أو عرق محدد، وتشير إحصائيات الأمم المتحدة لهذا العام (2023) أن 280 مليون شخص حول العالم يعاني من هذا المرض.
يختلف الاكتئاب عن الحالات المزاجية والانفعالات الاعتيادية الناتجة عن المشاكل والتحديات اليومية، بل ربما تكون تلك الانفعالات مؤشرًا على عدم الإصابة به، لأنَّ الاكتئاب يؤدي إلى شعور اللامبالاة وفقدان الحماس والرغبة تجاه الحياة، وبطبيعة الحال نحن في هذا المقال لا نتحدثُ عن مرحلة الإصابة بالاكتئاب التي تحدثُ جرّاء تفاعلات كيمياء الدماغ وتغيير وظيفة الناقلات العصبية أو اختلال توازنها يؤدي إلى الإصابة بهذا المرض لأنَّ هذه المرحلة تتطلب زيارة الطبيب لكن من المهم التعرف على طبيعة المرض وحجم انتشاره.
نحن في هذه العجالة نتحدث عن الوقاية منه باللقاحات الروحية التي يزخر بها الموروث الديني والتي تقي من الوقوع في براثن هذا المرض الذي يشل حياة المصاب بأعراضه، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: نوابات الغضب والأرق والأحباط المستمر والإرهاق وفقدان الطاقة وما إلى ذلك من أعراض تصل إلى التفكير في الانتحار والعياذ بالله.
أما الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة به فهي متعددةٌ، ومنها التغيرات الهرمونية أو التاريخ المرضي للعائلة، فهذا الجانب لا حول لنا ولا قوة في الحيلولة والوقاية منه، وله أحكامه في الشرع ومنها رفع الحرج، إلا أننا بصدد الحديث عن المسبّبات الأخرى التي يمكن محاصرتها بالمفاهيم الإسلامية، وسنلاحظ أنَّ الدين قد تصدى لها.
تشير الدراسات العلمية إلى أنَّ المشاكل الصحية والمعاناة منها تشكل أحد أسباب الإصابة بالاكتئاب، بينما نرى أنَّ موروثنا الروائي والقرآني يساهم في انتشال المريض نفسيًا، فهذه الروايات تتحدث بكثرة عن ثواب زيارة المريض كما قال الإمام الصادق عليه السلام: “مَنْ عاد مريضًا شيّعهُ سبعون ألف ملك، يستغفرون له حتى يرجع إلى منزله”،وفي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مَنْ عاد مريضاً نادى منادٍ من السماء باسمه: يا فلان، طبتَ وطاب ممشاك، تبوّأت من الجنّة منزلاً”، والرواياتُ متواترةٌ في هذا المضمون، وكلُّها تحث المؤمنين على مواساة المرضى واحتضانهم لأن في ذلك شفاءً نفسيًا للمريض، يعّجل في شفائه الجسدي، كما أن القرآن الكريم أيضًا يمنح الأمل للمريض بالشفاء إذ يقول الله في محكم كتابه (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) الشعراء:80، وكذلك قصة نبي الله أيوب عليه السلام والبلاء الذي تعرّض له حاضرٌ في وعي الأمة الإسلامية بمفاهيمها وأبعادها الروحية، قال تعالى (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ) الأنبياء:83-84، إذن في حال استوعب المسلم المفاهيم الإسلامية المرتبطة بالمرض فلنْ تكون المشاكل الصحية سببًا لإصابته بالاكتئاب، بل سوف نراه يتقرب ويتعبد لله بمرضه ويحتسب الأجر والثواب عنده ما يجعله متألقًا مستبشرًا وهو في أشدّ حالات المرض ألمًا وعذابًا، وتراه يستقبل الناس مبتسمًا واثقًا من رحمة الله ورأفته، وبهذا نرى أنَّ الدين قد حاصر أحد الأسباب التي تؤدي إلى مرض الاكتئاب.
أمَّا الأسباب الأخرى التي قد تؤدي إلى مرض الاكتئاب فمنها على سبيل المثال تناول الكحول والمؤثرات العقلية كالمخدرات لذلك نرى أنَّ الشرع يحرّمُها ليقطع الطريق على آثارها المدمرة، ومنها ما يؤدي للإصابة بالاكتئاب، قال تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) البقرة:219.
ومن الأسباب التي تؤدي لهذا المرض اضطراباتُ النوم، لهذا يتحدثُ القرآنُ عن نعمة النوم في إشارة لأهمية المحافظة على النظام وعدم المساس به، إذ يقول الله في محكم كتابه (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا) الفرقان:47، وهناك آيات أخرى تحمل نفس المضمون.
ومن الأسباب الأخرى التي تؤدي للإصابة بمرض الاكتئاب هو الشعور بالوحدة، لهذا نجد الإسلام يؤكد على ارتباط الفرد بالعائلة وأهمية احترام الوالدين لما له من شأن في استقرار الأسرة وبث روح المحبة والألفة فيها الأمر الذي يساهم في تماسكها، أما الآيات القرآنية والروايات الدالة على قدسية الوالدين فهي من صميم ثقافة المجتمع المسلم، كما يحرص الإسلام على تعزيز أواصر المجتمع والحث على التعارف والتقارب والتقوى لتحسين جودة هذه العلاقات واستمرارها، قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات:13، من جهة أخرى تشجع مبادئ الدين الإسلامي على الزواج وتكوين الأسرة قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم:21، وفي الزواج إكمال لنصف الدين كما جاء في الأثر، كلُّ هذا من أجل إبعاد الفرد المسلم عن الشعور بالوحدة وبالتالي قطع الطريق على الإصابة بالأمراض النفسية ومنها الاكتئاب.
وحتى لا نطيل في الأسباب التي تؤدي إلى مرض الاكتئاب وكيفية الوقاية منها بالموروث الديني نكتفي بهذا القدر الذي يؤكد من جديد على أن هذا الدين العظيم لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وتناولها ليحصن المسلمين من الوقوع في براثن الأمراض النفسية، كما أنَّ هناك بعض الآيات من شأنها إزالة الهم والغم، فمن قرأها نفّس اللهُ كربتَهُ وفكَّ اللهُ ضيقه، منها آية الكرسي وسورة الانشراح، وكذلك مجموعة من الأدعية وهي كثيرة.
ونختم بالإشارة إلى التاريخ الإسلامي الزاخر بالقصص والعبر التي ضربتْ لنا أروع الأمثلة في الصمود والتجلد والصبر والاحتساب عند المصائب والبلاءات، فلنا في رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام أسوة حسنة، وهو القائل صلى الله عليه وآله: “ما أوذي نبي مثل ما أوذيت”، لكنه صبر حتى انتصر، وكذلك ما جرى على عترته الطاهرة من مصائب، وعلى الخصوص مصيبة أبي عبدالله الحسين عليه السلام، وكيف صبرت زينب والإمام السجاد عليهما السلام بعد مقتله ومقتل أولاده وأصحابه بكل ثبات، فليحاول المؤمنْ أن يتأمل هذه الدروس التاريخية كي يصل إلى مرحلة الاكتئاب ويتقيها؟ ويجب أن يكون هذا سؤال حاضر في وعي كل مؤمن، واللهَ أسأل أنْ يبعد عنا جميعًا الكرب والهم والغم ويمتعنا بالسعادة والسرور.