عن أبي عبد الله الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنَّ النبي صلى الله عليه وآله بعث سرية، فلمّا رجعوا قال: مرحبًا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، فقيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس.
يحتاج الإنسان في يومه لوقتٍ يجلس فيها مع نفسه، وينظر في دواخله ووجدانه، ويستكشف نقاط قوته، وهي كلّ ما يجعله أكثر تعلقًا وارتباطًا بخالقه وعلته الفيّاضة، وكلّ ما ينحدر به لقعر الوجود ومنحدر الشقاء، أعني كل الصفات الراسخة التي مُنطلقها الأنا والأنانية، في هذه اللحظات التي يخلو بها مع نفسه يمكنه التبصّر لموقعه في خارطة السعادة أو الشقاء، ومن موقعه يحدد الطريق والصراط المستقيم للصعود على سلم رقيه الشخصي، ويحددُ أيضًا الطريقةَ، وهي كيفيّة الرُقيّ على سلم الكمال، والتي لا ينالها إلا باتّباع الشريعة أي النهج الذي سلكه الأنبياء والكُمّل من البشر.
هذا الطريق وتلك الطريقة تعتمد على العزيمة واتخاذ القرار: أنْ تُخاطب نفسك، وتشحن وجدانك بالعزيمة وإرادة التغيير، وتسأل الله سبحانه بلسان الحاجة والاعتراف بالعجز قبل لسان المقال “أنْ يعينك على صعود الطريق الوعر، فإن من يريد صعود القمم والجبال يعرف أنها طريق ذات الشوكة“.
جهاد النفس: الطريق والأسلوب (برنامج الميمات الأربع ):
لو افترضنا مثلًا أنَّ شخصًا بعد الملاحظة، اكتشف أنّهُ يُعاني من خوفٍ وهلعٍ ناتج عن خواطره الذهنية، أو رهابٍ اجتماعيٍّ، أو ادمانٍ على النّظرة المحرمة، أو وسواس الوضوء والطهارة، واتخذ القرار بعد سُؤال الله سبحانه بلسان الحاجة أن يعينه في مجاهدة نفسه، فعليه بعد ذلك أنْ يعتمد وبشكلٍ يوميٍّ الخطوات التّالية:
الميم الأولى المشارطة: وتكون في أول اليوم، حيث يُخاطب نفسه ويشارطها مثلًا يقول الوسواسي:” ليكن ما يكون لن أعيد، ولن أكرر، ومهما سمعت في دواخلي صدى كلمة “باطل باطل” لا يهم، عندي إصرار سأقف بحزم وعزم في وجه الوسواس، ولنْ أطيل لنْ أدقق.
وكذلك يشارط من يعاني من الرهاب الاجتماعي يقول: “سأندمج مع المجتمع مهما كان الخوف، سألقي بنفسي في وسط الناس وسأتحمل التوتر والله معي“.
الميم الثانية المراقبة: وهي البقاء في حالة من الوعي واليقظة طوال اليوم للشرط الذي قطعه مع الله سبحانه على نفسه، فيرصد نفسه دائمًا، فمثلًا في حالة الوسواس هل تم إيقاف الطقوس ؟ هل أنا أقلل من التكرار والأوقات المهدورة ؟
طبعًا لتترك الوسواس يجب أنْ تقوم بعمل مضاد، فبدلاً من الإعادة والتكرار والبطء الإنشغال بأي شيء إلا الفكرة اللاطوعية، أي جهد واعي مثل العمل، أو الكلام أو الرياضة، كل هذه الأمور ستكون نافعة، والمهم اليقظة دون حكم، فلا تناقش ولا تحاور وسواسك.
صرف التركيز بدل التركيز على صحة القراءة سوف تركّز على شيء آخر مثمر، فلو افترضنا أنَّ الوسواس معلّمٌ فأنت تعتبرُ نفسَكَ تلميذًا عنودًا، ولا يسمع ولا يتفاعل بل يشاغب، فتركز في كل شيء إلا في رسائل الوسواس.
تراقب هذه الحالة في نفسك مراقبة، ومراقبة، ومراقبة مستمرة، وتعمل بالضد الأخلاقي، فتقطع الأفكار، وتغير التركيز.
الميم الثالثة المحاسبة: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): حاسبوا أنفسكم قبل أنْ تحاسبوا، وزنوها قبل أنْ توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر، لذا عند مجيء الليل ضرورة محاسبة النفس: هل أديتُ ما اشترطتَ على نفسك مع الله سبحانه؟ لابد أنْ تفتش في جدول يومك، كم نقطة سجّلتَ اليوم؟ وكم سدّد الشيطان والنفس ضدك من نقاط ؟ هل أطعْتَ الوسواس ونفذْتَ أمره؟ مثلاً هل طوّلت في العمل تطابقتَ وتماهيْتَ معه شعوريًا؟ أم سحقتَهُ رفضْتَ الطقوس وبلا رحمة؛ إنْ كنتَ نجحتَ في سحقِهِ تحمد الله سبحانه أنْ خف الوسواس، وتتعهد أنْ تزيد من ضغطك عليه حتى تعدمه تمامًا.
الميم الرابعة المرابطة: وهو أنْ لا تسمح بحصول انتكاسة، ولو حصلتْ تعودُ للعمل بالبرنامج بشكل مضاعف، طبعًا لابد من كتابة تقييم والدخول في منافسة يوميًا مع نفسك، والله معك ويعينُكَ ويقربُكَ منه، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ الرعد:11 .