سبل السلام

الإمام علي (عليه السَّلام): «لن تعرف حلاوة السَّعادة حتى تُذاق مرارة النَّحس».

(ميزان الحكمة 4/222، الريشهري)
التنمر في العمل

التنمر في العمل ٤: منع التنمر

المشاعر السلبية للتنمر المؤدية للمرض

المرض يبدأ بمشاعر سلبية ولا يقتصر على الإساءة اللفظية أو الجسدية، بل يمكن أن يأتي من خلال طرق غير مباشرة مثل تهميش الموظف، والتقليل من عمله، وتكليفه بمهام تفوق طاقته، أو عدم إعطائه مساحته الكفاية من الحرية لتقديم الأفضل، وكل ذلك يراكم الضغوطات ويولد شعوراً بعدم الراحة والانتماء لبيئة العمل فتبدأ الأفكار السلبية بالولوج لذهن الموظف ثم تتحول إلى مشاعر، ويظهر ذلك على شكل آلام وأمراض عضوية، وهناك حالات عدة ممن يواجهون مشاكل في العمل تتضمن التنمر الوظيفي، وذلك يعود لعدم الوعي الكافي بمشكلة التنمر والصحة النفسية للموظف. 

والفرد لا بد أن يبدأ بنفسه من خلال إدارة ذاته ومعرفة قدراته وتطويرها حتى يتمكن من قيادة فريق أو يترأس مجموعة موظفين، ويتوجب على المديرين عدم التغافل عن سلوك الموظف، وعليهم الإنصاف بالحنكة والحكمة ومعرفة أسباب السلوكيات الغريبة لكل موظف.

كما أن هناك شروطًا إدارية يجب توفرها في كل إداري ليتمكن من خلق بيئة عمل ناجحة وحاضنة، تتمثل أولاً في فهم ومعرفة إدارة الذات، إضافة إلى حسن الإصغاء والمحاورة، وضرورة إعطاء الموظف الثقة لخلق رابط بين المدير والموظف، ويجب أن يكون هناك وسطية واتزان بين كل رئيس ومرؤوس دون وجود للشخصنة، ومن المهم أن تتسم العلاقات في حدود العمل بالأريحية، وهناك عوامل تنذر بوجود خطأ ما وتؤكد أن هذا الإداري ليس في مكانه الصحيح، ومنها أنه لا يعترض ولا يبدي الرأي في كل ما تقدمه الإدارات العليا، وكذلك عدم الصراحة مع الموظفين، إضافة إلى التنمر المباشر، كما أن المشكلة تشمل الطرفين فقد يصدر التنمر من الموظف أيضاً.

مواصفات الإداري الناجح  

ترتبط ظاهرة التنمر الوظيفي ارتباطاً عضوياً بأساليب الإدارة، فمن هو الإداري الناجح الذي يستطيع تجنب حدوث حالات التنمر؟ يجب أن يمتاز الإداري الناجح بالإلمام المعرفي بمجال التخصص أولاً وإجراءات العمل وقوانينه ومبادئه، ومن المهم أن يكون الإداري على معرفة دائمة بما يدور في المجتمع من مستجدات تلامس الواقع الذي يعيش فيه والعمل الذي يقوم به، ويجب أن يكون لدى الإداري كفاءة في إدارة ذاته والعمل والفريق الذي يعمل معه.

تعتبر القدرة على إدارة الذات من أهم الكفاءات التي يجب أن يتمتع بها الإداري حيث يستطيع من خلال إدارته لذاته أن يفهم متطلباته ويدير وقته وعمله ومشاعره بإتقان وذكاء، ما يساعده على تحقيق أهدافه والمؤسسة أو المنظمة التي يعمل فيها، والإلمام بالتقنيات الحديثة وكيفية استغلالها في إدارته وإدارة عمله وفريقه من المعارف والمهارات التي يجب أن تتوفر في كل إداري، فالإداري اليوم يصادف أجيالاً مختلفة منها الجيل الجديد الواعد الذي يتسم بصفات مختلفة عن الصفات التي يتمتع بها أبناء جيله، لذا من المهم فهم هذا الجيل الجديد ومتطلباته والسعي إلى تحقيق أهدافه من خلال دمجه مع الأجيال المختلفة للتعلم والتدريب خصوصاً على أخلاقيات العمل ومبادئه وقيمه وفهم انعكاسات ذلك على العمل والمؤسسة، ولذلك أثر كبير في معالجة التحديات وتحقيق الأهداف في بيئة مثمرة ومنتجة في ظل التحديات والاختلافات الفكرية بين الأجيال.  

يواجه الإداري مسؤوليات ومهامًا كثيرة يجب عليه أن يوازن بين مسؤولياته تجاه فريق العمل التابع له وبين الإدارة العليا التي تتطلب منه تطبيق السياسات والنظم والإجراءات المؤسسية بشكل عادل ومنطقي، كما تُعتبر منظومة تكافؤ الفرص من المخاطر التي يواجهها الإداري إذا لم يتبع أساسياتها وحيثياتها، حيث أن على الإداري الاختيار الصحيح ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب وفي الوقت نفسه يصنع قراراً مناسباً يصب في مصلحة المؤسسة التي يعمل فيها والبعد عن المصلحة الشخصية وإرضاء العلاقات. 

كما أن الإداري يواجه متطلبات التخطيط والتنفيذ بشكل يتناسب مع الموازنات المطروحة وهذا يشكل إدارة المخاطر المالية بالاستخدام الأمثل للميزانية وإدارة العمل بشكل ينتج عنه ربحية في الموارد المالية ويدفع المؤسسات للنمو والتطور والمنافسة العادلة، لذا يدق ناقوس الخطر متى ترك الإداري يعمل لإرضاء مصلحته الشخصية ومصلحة القريبين منه ومتى تُرك من غير محاسبة إدارية على الأخطاء وغض النظر عنها، إن تعيين الإداري غير الكفء وغير المؤهل في وظيفة حساسة يشرف فيها على فريق كفء ومؤهل يؤدي بالمؤسسة إلى الهلاك، هذا الخطأ الذي يمكن أن يحدث في بعض المؤسسات عبر وضع الشخص غير المناسب في مناصب عليا تحتاج إلى مؤهلات علمية وتقنية وخبرات عملية يتسبب في خسائر فادحة منها تسرب الموارد البشرية وانخفاض مستوى الأداء والإنتاجية.

آليات وجود قوة التوازن  لمنع التنمر في العمل

وهي من الآليات التي تحقق السلام والألفة بين المديرين والموظفين، من أهم الآليات التي تحقق السلام والألفة وجود هيكلية واضحة وسياسات وأنظمة وقوانين مؤسسية مدروسة ومكتوبة وتتناسب مع طبيعة المؤسسة وأعمالها، وإن الاحترام المتبادل بين المدير والموظف يشكل جزءاً مهماً في العلاقة التبادلية بينهما، إننا في عصر توجد فيه جهات متخصصة لمساعدة الشركات والأفراد على التعرف وفهم الشخصيات المختلفة للموارد البشرية، وعليه متى عرفت أنماط الشخصيات يسهل العمل والتعامل معها بسلاسة وأريحية كبيرة.

إن الحل الأمثل وجود نظام عام يقنن العلاقة بين مختلف المستويات الوظيفية وطبيعتها، إضافة إلى وجود أنظمة وقوانين صارمة وسياسات واضحة في المؤسسات والمنظمات وتطبيقها على الجميع دون استثناء مع تحديد أساليب وطرق للثواب والعقاب، ومن المهم أن يكون كل من الإداريين والموظفين على اطلاع بها لتقليل ممارسة التنمر وجعله أمراً صعباً، وإن وجود قواعد عمل واضحة ومفصلة تقلل من التنمر الوظيفي والإداري وتجعل من منسوبي المؤسسات يراعون تصرفاتهم وسلوكياتهم بما يعزز ما هو مقبول ممارسته ونبذ ما لا يجب اتباعه.

وهناك دراسات تشير إلى  بعض حالات التنمر الوظيفي في مواقع عدة أصعبها كانت حالة موظفة متقدمة جداً حيث وصلتْ للتدهور النفسي ورغبتها في إنهاء حياتها لحاجتها للابتعاد السريع عن المؤثر الخارجي المستمر في إيذاء مشاعرها وتهديد احتياجاتها المعيشية الأساسية كفرد في الحياة، ناهيك عن تحديات الحياة خارج العمل والتزامات العائلة التي يواجهها، وهناك حالات أخرى تعرضت للتنمر الوظيفي منها العنف اللفظي أو الإهمال والتجاهل وتهميش دور الموظف المتنمر عليه وتقليص صلاحياته رغبة في سرقة مجهوده وإنجازاته ونسبها للموظف المتنمر، إلى جانب العنف البدني وهو صورة أخرى للتنمر والتعدي على الآخر، ومنها أن يتعرض الموظف المتنمر عليه لأساليب من القهر كلها تهدف إلى إحباطه والتخلص منه.

يجب على الإدارة العليا بالمؤسسة في الاهتمام بموظفيها وخلق بيئة صحية تساعد على الإنتاج والابتكار، وتعد السلطة العليا إحدى أهم دعائم وضع القوانين الداخلية للمؤسسة التي تبين وتوضح حقوق وواجبات الموظف ومنها العقوبات الجزائية لكل من يمارس أو يساند أو يدعم التنمر الوظيفي، هذا الفعل الشائن.

ويجب أن توضع هذه اللوائح بكل حيادية وشفافية وسرية تامة مع التعامل مع فريق عمل مختص في علم النفس وسيكولوجية الموظف والإدارة على أن يكون من خارج المؤسسة وأن لا يكون لديه أية علاقة أو مصالح مع موظفي المؤسسة لضمان حيادية التعامل، ويجب على الإدارات مع تكرار حالات التنمر في العمل تشجيع الموظفين على التبليغ عن أي حالة تنمر وظيفي مع ضمان سلامة الموظف.

عبارة (أريد أن أنهي حياتي) كانت من أقسى ما مر من تجارب الإرشاد الوظيفي لحالة من حالات التنمر الوظيفي نتيجة استغلال موظف لمنصبه ووضعه الاجتماعي لقمع الآخر وسلبه حقه في العمل والإنتاج، نعم للتنمر الوظيفي تأثير سلبي بالغ على الموظف والمؤسسة على حد سواء يتأثر به الموظف في إنتاجية عملة واستمرارية الدوام أو الذهاب للعمل، وله تأثير على عملية الابتكار والتجديد في المؤسسة .

من هنا نرى إلى أي مدى تعد المشكلات الوظيفية سبباً لعدد من الأمراض النفسية والجسدية، إذ تتسم بعض بيئات العمل بأنها حاضنة للتنمر الوظيفي كالبيئات الضاغطة التي يكون فيها الخطأ غير مقبول والتي تتطلب سرعة ودقة وزيادة في الإنتاج، أو تلك البيئات التي يشعر فيها الموظفون عادة بمستويات عالية من عدم الأمان والضغط النفسي اللذين يؤديان إلى الاحتراق الوظيفي فتكون تلك البيئات عاملاً مهماً لكثير من الاضطرابات النفسية كاضطرابات الشخصية مثل الشخصية العدوانية والحدية والاضطهادية والتجنبية والوسواسية والنرجسية وغيرها.

بالإضافة إلى اضطرابات التكيف واضطرابات الكرب ما بعد الصدمة واضطرابات السيطرة على الاندفاع والهوس والاكتئاب والفصام والإدمان على المخدرات والكحول التي تعتبر من أكثر الاضطرابات النفسية والسلوكية تسبباً في التنمر الوظيفي بسبب الاندفاعية العالية والاهتياج ونوبات الغضب وعدم الشعور بالذنب وحب الانتقام والميل لتعنيف السلوك المهني والعلاقات الاجتماعية والأنظمة والقوانين.

عملية معالجة تعرض الموظف لحالة التنمر الوظيفي بثلاث مراحل

المرحلة الأولى: تكرار تعرضه للتنمر سواء باللفظ أو بالأفعال كحجب معلومات العمل المهمة عنه أو إسناد مجهوده في العمل إلى موظف آخر أو بالإهمال والتجاهل.

المرحلة الثانية: تقدمه بالبلاغ عما يمر به للجهة المختصة في مكان العمل متبعاً اللوائح الداخلية. 

المرحلة الثالثة: فهي عودته لمزاولة عمله بعد التحقيق في طلبه واتخاذ الإجراء المناسب للطرفين باعتماد الشفافية واتباع الطرق الحديثة لمعالجة الحدث.

شارك المقال:
هل وجدت هذا المقال مفيدًا ، يمكنك الاشتراك لتصلك مقالات مشابهة
مواضيع ذات علاقة
كيف تتخلص من التوتر

كيف تتخلص من التوتر والإجهاد نصائح ج١

أهمية تعليم مهارات الحياة | الطمأنينةُ و الوقار في سَكينَة

أهمية تعليم مهارات الحياة

التنمر في العمل

التنمر في العمل ٢: مكونات و تأثير التنمر

التنمر في العمل

التنمر في العمل ٤: منع التنمر

عودة الثقة بالنفس -Two red hearts resting on a gray sweater, evoking intense fear since childhood.

عودة الثقة بالنفس

التواصل اللفظي

مهارات الحياة ٣: التواصل اللفظي وغير اللفظي

السلوك العدواني عند الأطفال و الشباب الجزء ١

السلوك العدواني عند الأطفال والشباب الجزء ١

هل تكتب مقالات؟

تستطيع الكتابة لمساعدة الآخرين، اكتب لنا و سننشر لك مع الاعتبار لسياسة كتابة المقالات التي نتبعها

Survey
Interested in reading articles
Articles Writer