سبل السلام

الإمام علي (عليه السَّلام): «من السَّعادة التوفيق لصالح الأعمال». 

(ميزان الحكمة 4/223، الريشهري)
سعة الصدر | الطمأنينةُ و الوقار في سَكينَة

سعة الصدر

في يوم الإثنين قررت أن أرتب خزانتي الخاصة، فقمتُ بجمع حوائجي وأغراضي وبدأت بترتيبها، ووضعتُ كل شيء في مكانه المناسب، إلا أنني تفاجئتُ أنَّ حوائجي كثيرة والخزانة صغيرة، وقفت برهةً من الوقت إلا أنني واصلتُ عملي، حتى امتلأت الخزانة بالكامل، بل أنَّ بعض حوائجي تداخلتْ ببعضها البعض، وأذكرُ أنَّ شهادات التفوق أصبحتْ تحت الثياب، وأنَّ كأس ودرع الدورة التي اشتركت بها في المهد باتت بين الثياب، وأمَّا حوائجي الصغيرة فوضعتُها على الأطراف وصرتُ بالكاد أقفل الخزانة، وبعد مرور يوم احتجتُ لفتح الخزانة لأخذ كتابٍ ففتحتُهَا وإذا ببعض الحوائج تتساقط وصرتُ أبحث عن الكتاب وبصعوبة وجدته، أخذتُهُ وأنا أتأفأفُ وكنتُ في حالة من الإنزعاج وأصبحتْ مشاعري سلبية فتوقفت وقلتُ إلى متى وخزانتي هكذا؟ فإمَّا أنْ أستغني عن بعض الحوائج، وإمَّا أنْ اشتري لي خزانة أكبر تفي بجميع حوائجي.

حياتنا في الواقعِ لا تختلف عن الخزانة والحوائج، ومن هنا تبدأ قصتي وموضوعي معي، ففي البداية دعني أخبرْكَ عن نفسي، أنا شابٌ أعملُ في القطاع الخاص براتب جيد ولي زوجة وولدان، متخرجٌ من الجامعة ولي بعض الاسهامات وتقديم بعض الخدمات في المؤسسات الإجتماعية التي ترتبطُ بالحي الذي أسكن فيه، وبالطبع كانتْ لي مجموعةٌ من العلاقات داخل وخارج المنطقة وفي إطار العمل كذلك، وأسكن في شقة بجانب شقّة أخي الأكبر في الطابق الثاني، وكان والدي مع أخوَيْ وأختي يسكنون في الطابق الأول، مع كل هذه الميزات إلا أنَّ حياتي لم تكن تنعم بالهدوء والإسقرار والأمان، بل كانتْ في حالة من الإضطراب والضوضاء، فوضعي في العمل مهزوزٌ، وعلاقتي مع والدي مقطوعةٌ، وعلاقاتي مع الناس باردةٌ، وبعضُها مشاكل ومشاحنات، والطامَّةُ والمصيبةُ الكبرى أنَّهُ وصلتْنِي رسالةٌ من زوجتي تقول فيها: أنا لا أستطيع العيش معك في بيت والديك، في هذه اللحظة أحسستُ بالضياع وصرتُ أجهش بالبكاء على حالي ووضعي وكنتُ أرددُ: إلى متى وحياتي هكذا؟! إلى متى وحياتي هكذا؟! وفي هذه الأثناء تذكرت قصة الخزانة والحوائج وأدركتُ تمامًا قول الكاتب عندما قال: إنَّ حياتنا لا تختلف عن الخزانة والحوائج، عزيزي القارئ، من أجل حياة طيبة ومستقرة وآمنة، من أجل علاقات قوية ومثمرة، والمهم من أجل حياة في النَّفس هادئة اعملْ على توسيع صدرك لتتسع لك الحياة بكل ما فيها.

سعة الصدر

ليس من المبالغة القول أن سعة الصدر من أهم الصفات التي ينبغي أنْ تتضمنها النَّفس وبقوة، لأن هذه الصفة توفرُّ المساحة والمكان والمخزن والذي من المفترض أنْ يكون هو المحل لكافة ما له علاقة بحياتك، فالصَّدرُ الواسعُ هو الصدر المنشرح الكبير ذو القدرة على التحمل، وهذا الاتساعُ والانشراحُ سيكون سببًا لراحتِكَ ووثوقك بكل ما تقوم به من أعمال وأفعال وأيضًا سيجعل أداءَكَ في كافة مناحي الحياة تتسم بالإيجابة والتقدم، وعلى العكس من ذلك فإنَّ ضيق الصدر والذي يعني المحدودية والصغر وعدم القدرة على التحمل سيجعل من حياتك ساحة للفوضى وسيكون أداؤك متسمًا بالسَّلبية والخسارة، وإنَّ القدرة على التحمل والتغاضي عن كثير من الأمور والتجاوز عن التوافه والمنغصات والابتعاد عن التصادم والمشاحنات والتفهم أنَّ الناسَ طبائعُ وعقولٌ وأمزجةٌ وعدم التسرع بالحكم على الآخرين والإبتعاد عن الظنون، كلُّ ذلك بالطبع بحاجة إلى مساحةٍ واسعةٍ وصدرٍ كبيرٍ جدًا، فالأمر ليس بالسهل ولا بالمستحيل، إنَّما هي مهارات ينبغي على الشَّخص أنْ يتقنها، وإنَّ الأشخاص الذين ينعمون بهذه الصفة الرائعة تجدهم في حالة من الرضا والراحة، سِمَتُهم الصَّفحُ والتسامحُ والليْنُ والرحمة، شرُّهُم مأمونٌ وخيرُهُم مبذول، يقابلون الإساءة بالإحسان، يقدُّرون ظروفَ الآخرين ويمارسون الحياة بكل جدارة في الميادين كافة، هم أناس رائعون وحياتُهُم تختلف عن حياة الكثير من الناس .

طريقك لصدر واسع رحب

وللحصول على صدر واسع كبير رحب هذه تسع نقاط إنْ أتقنتَهَا أو بعضَهَا انشرحَ صدرُكَ واتسعَ، فالواجب العمل على تحصيلها ما أمكن لذلك سبيلًا وهي:

النقطة الأولى: ملاحظة الأداء: كثيرًا ما نقوم بالأعمال والأفعال ونحن غير ملتفتين إلى أدائنا حين العمل، قد نلتفت الى ذلك بعد الانتهاء من الحدث، أو يلفتا الى ذلك شخص ما، فالمطلوب منك في هذه النقطة أنْ تكونَ حين العمل ملتفتًا وواعيًا لجميع تصرفاتك، إنَّ الإلتفات حين العمل يجنبُكَ الكثير من المتاعب.

النقطة الثانية: تقييم الأداء: من المفيد جدًا إجراء عملية تقييم بعد العمل والتي تعتمد على ملاحظة السلوكيات وتسجيل الملاحظات ومن ثمَّ الإنتقال إلى التقويم والتصحيح وتعديل الأخطاء والتغلب على نقاط الضعف، فأنت حينما تراجع أفعالك وتصرفاتك ستقفُ وبدقةٍ على الخلل وبذلك فأنت في حالة من التطور الإيجابي.

النقطة الثالثة: حساب الربح والخسارة: كما أنَّ التاجر يُجري عملية حساب الربح والخسارة لأي مشروع قائم أو مشروع يريد الدخول فيه ومن ثم يخرج بنتائج واضحة وعلى وفقها، فإما أنْ يمضي وإمّا يتوقف ويجري عملية تصحيح، فكذلك نحن يمكنُ لنا أنْ نتخذ ذات التقنية في السلوك فنقوم بعملية دراسة لكافة سلوكنا لنخرج بنتائج واضحة، وعملية الحساب ستتم بالتركيز على سلوك معين كالعصبية والتلفظ غير اللائق أو كالتسامح والصفح، نعم يتمُّ التركيز على السلوك الممارس لنخرج بنتيجة واضحة أنَّ العصبية تُعدُّ خسارة للعلاقات كما أنَّها تعطي انطباعًا ليس بجيدٍ عن الشخص، وأنَّ التسامح والصفح ربحٌ وتجذيرٌ للعلاقات، وبهذه الطريقة وبهذا الاسلوب سيتبيّنُ لنا وبشكل واضحٍ مقدارَ خسارتنا وربحنا في الحياة وبالطبع الانسان لا يميل إلى الخسارة بل هو دائمًا يسعى إلى الربح.

النقطة الرابعة: التمرين اليومي: إنَّ يومك مليءٌ بالأحداث وما عليك فعلُهُ هو استغلال هذه الأحداث لصالح تطوير نفسك ومهاراتك، حدِّثْ نفسَكَ كما لو كنتَ في صالة تدريب ونمِّ هذا الشعور بداخلك، وإنْ أردتَ الحقيقة فأنتْ كذلك إلا أنَّك في صالة من نوع آخر وفيها سوف تتعلمُ مهاراتٍ وسوف تتدربُ على التقنيات كافة التى تتصل بحياتك، إنَّ استغلالَ الأحداث اليومية ستجعلك ماهرًا في التعاطي مع الأمور.

النقطة الخامسة: المحاكاة: ما يمكنُ للآخرين يمكن لي أنا كذلك، وانطلاقًا من هذه القاعدة فنحن جميعًا نستطيع أنْ نكتسب أيْ سلوكٍ أو صفةٍ أو مهارة كالخطابة وسعة الصدر وغيرها، فالمحاكاةُ تعني تقليدَ فعلٍ أو سلوكٍ من آخر للحصول على نتائج مماثلة أو أفضل، وهذا الأمر يتمُّ بتكرار الفعل والسلوك مرات عديدة، ما عليك فعله هو الاستمرار في التدريب وكأنَّك على خشبة مسرح حتى تتقن الدور، حدّدْ سلوكًا معينًا أو مهارةً وضَعْ قدوةً لك وقلّدْهَا في ذلك وسوف تحصل على نتائج مماثلة ومتطابقة بإذن الله تعالى.

النقطة السادسة : الدعاء: مثلما توجد خطوات ونقاط تعلمك الكثير من المهارات متى ما طبّقتَهَا والتزمت بها فهناك جانبٌ آخر كذلك له الأثرُ البالغُ للوصول الى مطالبِكَ وحوائجِكَ ألا وهو الدعاء والطلب والتوجة الى الله سبحانه وتعالى، والدعاءُ في روحِهِ ومضمونِهِ هو الطلبُ من موجود ذي قدرة مطلقةٍ قادرٍ على تحقيق آمالِك ومطالبِكَ، وما عليك إلا أنْ تخاطبَهُ وأنتَ معتقدٌ بوجودِهِ وقدرتِهِ وسلطانِهِ، فهو قريبٌ منكَ، يراك ويسمعُكُ حين تناديه وتناجيه، فاطلبْ منْهُ تعالى أنْ يشرحَ لك صدرَكَ كما طلب ذلك موسى النبي عليه السلام قال تعالى ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي) سورة طه، آية 25 – 28، في التوجه الى الله تعالى كنوزٌ استخرجها بخاص دعائك.

النقطة السابعة : حضور بعض الدورات: من أجل المعرفة وكسب المهارات لا تتردد في الانضمام الى بعض الدورات التخصصية، ومن خلال ذلك ستكتشف الكثير، بل سيتضح لك أنَّ أكثر الأمور ليست بالتعقيد الذي كنتَ تراه، بادرْ بالتسجيل في دورة من أجل نفسك لتخلق الفارق في حياتك. 

النقطة الثامنة : التحكم بالعاطفة: إنَّ الصدر ليضيق ويتألمُ عندما يمتلىءُ بالعواطف والمشاعر السلبية، تحكمْ بعواطفِكَ بدل أنْ تتحكم بك، فالحياةُ تضيق عندما يكون الصدرُ ضيقًا وتتسع عندما يكون الصدرُ واسعًا كبيرًا.

النقطة التاسعة : مزاولة بعض الأعمال: للأعمال فوائدُ كثيرةٌ كالمعرفة وبناء الشخصية وجني المال، والصحة البدنية والعقلية والنفسية، والحماية من الوقوع في الأخطاء وغيرها الكثير، قم ببعض الأعمال التي تحتاج منك الى تحمل وسعة صدر من أجل أن تتحقق،  وشيئًا فشيئًا سينشرح صدرك لأمور أخرى كذلك.

شارك المقال:
هل وجدت هذا المقال مفيدًا ، يمكنك الاشتراك لتصلك مقالات مشابهة
مواضيع ذات علاقة
قاعدة الخمس ثوان

قاعدة الخمس ثوان

العلاج بالمعنى | الطمأنينةُ و الوقار في سَكينَة

العلاج بالمعنى

التخلية والتحلية | الطمأنينةُ و الوقار في سَكينَة

التخلية والتحلية

التشافي بالقران الكريم من داء القلوب والأمراض النفسية

التشافي بالقرآن الكريم من داء القلوب والأمراض النفسية

الإجهاد والتوتر

الإجهاد والتوتر ١ : الأنواع والعلامات

العلاج بالوعي | الطمأنينةُ و الوقار في سَكينَة

العلاج بالوعي

تشكيل الثمانين آية للشفاء بالقرآن الكريم

تشكيل الثمانين آية للشفاء بالقرآن الكريم

هل تكتب مقالات؟

تستطيع الكتابة لمساعدة الآخرين، اكتب لنا و سننشر لك مع الاعتبار لسياسة كتابة المقالات التي نتبعها

Survey
Interested in reading articles
Articles Writer