أساليب الإيذاء العاطفي
ذكرنا سابقًا أنَّ الإيذاء العاطفي تتنوعُ صورُهُ وأساليبُهُ وفقًا لنمطِ شخصيةِ المسيءِ، وأنّ كلَّ واحدٍ ممن يتبنى استراتيجيات الإيذاء من أجل الوصول إلى تحقيق أهدافِهِ يمتلك أساليبه الخاصة في ذلك، ولكن جميعهم يشتركون في أنَّهم يمارسون سلوكًا مشينًا يؤْذِي الآخرين نفسيًا وعاطفيًا وجسديًا، ولعلَّ نظرةً فاحصةً في زوايا عديدةٍ من صورِ العلاقات اليوميةِ في الأسرةِ والعملِ وفي الطرقِ والمحلاتِ وحتى بين طلابِ المدارسِ تعطي صورةً واضحةً عن صورِالإيذاء العاطفي وتنوعِ أساليبهِ ومن تلكَ الأمثلة:
السيطرة
وهي محاولة شخص ( زوج – أب – أخ – أم – صديق– مدير… إلخ) للسيطرة على تصرفات شخصٍ آخر، فالشَّخصُ الذي يحاول السيطرة على شخص آخر لديه حاجة هائلة بأنْ تكون له طريقتُهُ الخاصة، وغالبًا ما يلجأ إلى التهديدات من أجل الحصول على ما يريد، حيث يشمل سلوك السيطرة صورًا عديدةً من صورِ التقييدِ والهيمنةِ، فمن السيطرةِ على التجوّلِ إلى رصد الوقت والأنشطة؛ وتقييد الموارد كالمالية مثلًا واستعمال الهاتف، وتقييد الأنشطة الاجتماعية، وعزل الضحية عن عائلته أو أصدقائه، التدخل في فرص العمل أو التعليم أو الرعاية الطبية؛ والغيرة المفرطة والتملك؛ وإلقاء الأشياء؛ والتهديد بإيذاء الطرف الأخر أو أطفاله أو عائلته أو أصدقائه أو ممتلكاته الخاصة.
الاعتداءات اللفظية
الاعتداء اللفظي يشمل التوبيخ والتقليل من الشأن والانتقاد والإذلال، والتسمية بأسماء لا يحبّذُها الطرفُ الآخر، والصراخ والتهديد، والإفراط في إلقاء اللوم، والفضح، واستخدام السخرية بطريقة مشينة، أو التعبير عن الاشمئزاز تجاه الشخص، وهذا النوعُ من الإساءة يضرُّ بالطرف الآخر ضررًا بالغًا، وكما هو معلوم فإنَّ العنف الجسدي يكون باعتداء الطرف المبتّز على الضحيّة مسبِّبًا الأذى كالجُّروح والكدمات وغيرها من العلامات، ومن جهةٍ أخرى فإنَّ الإساءة اللفظية تعدّ شكلا من أشكال الإساءة حيث أنّ الطرف المبتز يهاجمُ عقل الضحية وروحها، مما يسبّبُ جروحًا في غاية الخطورة يصعب علاجُها، ولها انعكاساتٌ خطيرةٌ في جميع المناحي الحياتيّة للضحية، فالصراخُ على سبيل المثال ليس مهيناً فحسب بل مخيفاً أيضاً، فعندما يصرخُ أحدٌ فينا فإنَّنا نخاف في مرحلة لاحقة من أنْ يلجأ المعتدي إلى العنف الجسدي، ومن شأن ذلك أنْ يزرعَ في النَّفس قلقًا من أي موقف نتعرض له، بل ويتعدى التأثير في فقد الشخص للثقة بالنفس والتردد والإنكفاء والخوف وحجب المبادرة وضعف التواصل، وهي أمور نفسية في غاية الخطورة، وقد ينشأ الضحية في ظروف صعبة وتمتد الآثار في جميع مراحل حياته، وللوهلة الأولى فإنّنا قد ننظر إلى ذلك الموقف البسيط والصغير نظرة اللّا مبالاة معتقدين أنه طبيعيٌ لدرجة الإهمال وعدم الإكتراث بنتائجه التدميرية على المستوى النفسي والعاطفي.
النقد المستمر – إلقاء اللوم المستمر
يمكن إدراج هذا الشكل من الإساءات العاطفية في فئة الإساءة اللفظية، ومن أهمِّ أسباب وضعها ضمن فئة منفصلة لأنَّها غالباً ما تحدث من تلقاء نفسها دون أيِّ شكّلٍ آخر من أشكال الإساءة اللفظية المصاحبة لها، فعندما ينتقدك شخصٌ ما بلا هوادةٍ وأمام الجميع ودون مراعاة لأي ظرف، بل ويجد أنَّ الطرف الآخر مقصّرا وخاطئًا دائمًا، ولا يمكن أبدًا أنْ يكون المبتز مسرورًا، ويلقي باللوم على الضحية على كل ما يحدث على نحو خاطئ وفي كل الظروف، وكأن الضحية هو الوحيد في هذا الكون وأنَّ كل المآسي ما هي إلا ارتدادات لسوء عمله وأخطائه المتكررة، ومع مرور الوقت فإنّ هذا النوع من الإساءة يؤثر في الثقة الذاتية الخاصة بالضحية إلى جانب الشعور المتدني بقيمة الذات، وتقويض أي مشاعر جيدة لديه عن نفسه وحول إنجازاته، بل وكل عمل يقوم به، وينظر الضحية إلى نفسه أنّه لايستحق أن يعيش مع أقرانه أو مع عائلته حتى يصل في مرحلة من المراحل إلى عزل نفسه تمامًا، وهذا العزل يتم بإرادة الضحية ممّا يزيد من نسب التدمير الذاتي وقد تصل بعض حالات الإيذاء العاطفي إلى رغبة الضحية في الانتحار؛ معلّلا ذلك بعدم أهليته في حياة طبيعية يسودها الهدوء والاستقرار.
السيطرة على السلوك
كلُّ علاقة قائمة على تكرار الإساءة العاطفية والإيذاء النفسي هي سيطرة بشكل من الأشكال، ولكن هناك بعض السلوكات المشينة المحددة التي توضح ذلك أكثر من غيرها، وغالبًا ما يكون الشخصُ الذي يُظهر سلوكًا متحكمًا ومسيطرًا يكون غيورًا، ويميل إلى حبّ التملك بشكل مفرِطٍ، وقد لا تبدو الغيرةُ نفسُها مشكلة في المراحل الأولى من العلاقة التي تربط بين طرفين؛ بل قد يبدو أنَّ الأمرَ ممتعٌ جدًا عندما يقول طرفٌ أنّه يشعر بالغيرة إذا ما تحدث الطرفُ الآخر إلى طرفٍ ثالث، قد يكون ذلك أمرًا طبيعيًا، إلا أنَّ الغيرة والريبة التي لا أساس لها هي التي تسبّب الخلافات أو تجعلك تغيُّر سلوكك بشكل مسيء فتتحول إلى غيرةٍ سلبيةٍ، حتى تكون في مرحلة من المراحل أداةً تدميريةً للعلاقات وعاملًا رئيسًا في هدم الصداقات والعلاقات الزوجية، والسبيل الوحيد للخروج من دوّامة الغيرة وما يعقبها من مشكلات تتمثّل في السيطرة على المشاعر والأحاسيس، وهو ينطبق على جميع أنماط العلاقات القوية التي تتحول إنْ لم يتم تهذيبها إلى علاقة مسيئة مشحونة بأفعال الإيذاء العاطفي.