مراحل الإيذاء العاطفي :
الإيذاء العاطفي من المعلوم أنَّهُ يتضمن طرفين أساسيين، أحدهما يحاول الحصول على ما يريده باستخدام أساليب متنوعة والآخر هو المُبتَّز، وقد تكونُ أساليب المُبتز سيئة غير تلك التي يستخدمها للضغط على الضحية والحصول على ما يريد من خلال استخدام أسرار الضحية للوصول إلى أهدافه، كأن يحاول التلاعب بالضحيّة عن طريق إثارة المشاعر وتحريك سواكن النَّفس ليتحكم في ردات الفعل بما يحقق أهدافه غير المعلنة، ولهذا فالوعي بتلك الأساليب الملتوية من طرف الضحية في غاية الأهمية لضمان عدم الوقوع في شراك الإيذاء العاطفي، ولذلك فالإيذاءُ العَاطفي لن يجد طريقه إلينا، ولن يكونَ مُؤثِرًا فينا إذا لم نمدْ يدنا له، ولم نعبّدْ له الطريق للوصول لمشاعرنا مسببًا الأذى النَّفسي فضلًا عن الآثار الأخرى.
ووفقًا للدكتورة فورواد في كتابها الموسوم “الابتزاز العاطفي” فإنّ الإساءة العاطفية يمكن أنْ تحدثُ عبر ست مراحل محددة وهي:
١- الطلب
تتميز المرحلة الأولى من الإيذاء العاطفي بضغط المُبتَّز على الضحية ليحقق هدفًا ما، كأنْ يذكر ذلك صراحة: “لا أعتقد أنَّهُ يجب عليك قضاء الوقت مع فلان وفلان“، لاحظْ أنَّهُ يذكر الأسماء صراحة دون تردد، من جهةٍ أخرى يمكن له أنْ يتبّع أسلوبًا ملتويًا بأنْ يجعل الطلب مبهمًا خفيًا وغير مباشر، ولهذا فعندما تلتقي بصديقك، فإنّ المُبتَّز يتكلم ويتحدث بسخرية أو أنْ يستخدم سلاح الصّمت ولا يتكلم على الإطلاق، وحينما تسأل عن الخطأ، يقول: لا أعتقد أن هذا الشخص (صديقك) يناسبك“، ويهدف من خلال ذلك إلى التحكم في ردة فعلك، وهي مرحلة خطيرة قد تنطوي على الاستسلام مما يعني تحقيق مآرب المُبتَّز والضحية هي المساعد الرئيس في ذلك.
٢- المقاومة
إذا كنت لا تريد أنْ تفعل ما يريد وتحقق أمنيته، فربما تحاولُ المقاومة بطريقة أخرى، فبدلًا من أنْ تقول له مباشرة “أنت لا تحمل رخصة، لذلك لا أشعر بالراحة لتركك تقود سيارتي“، فبإمكانك ممارسةُ فعلٍ مُتَعَمّدٍ كأنْ تنسى وضع البنزين في السيارة، أو أنْ لا تترك المفاتيح بجواره، أو عدم قول أي شيء على أمل أنْ ينسى الأمر وينتهي الموقف عند هذا الحد، وأنت في الواقع تمارسُ نوعًا من الحماية غير المباشرة منجزًا بذلك عملًا كبيرًا لتجاوز مشكلة قد لا تُحمد عقباها، حيث أنّ البديلَ هو الاستسلام لكل الضغوطات من جانب المُبتَّز، وهي مكلفة جدًا ولها نتائج وتداعيات خطيرة عليك.
٣- الضغط
ويمكن في هذه المرحلة أنْ تتبين مدى صحة العلاقة من عدمها بمجرد التعبير عن المقاومة، فإنَّ الشخص الآخر يستجيب عمومًا بإسقاط المشكلة، أو يبذلُ جهدًا لإيجاد حلٍّ معًا، لكنّ سلوك المبتزين أنّهم عادةً ما يمارسون الضغط على الضحية لتنفيذ طلباتهم، ربما بعدة طرق مختلفة منها:
● تكرار الطلب باستخدام أساليب تمثيل وادعاءات غير حقيقية بطريقة تجعلهم مثاليين، على سبيل المثال، قد يستخدم المُبتَّز عبارات من قبيل “مايهمني هو علاقتي بك” أو “مصلحتك هي أهم من كل شيء“.
● إبراز مقاومتك بشكل سلبي، وأنَّهَا نوعٌ من المبالغة بعدم قبول طلبٍ ما، واعتبار أنّ أسلوبك غير مناسب من أجل إحراز أكبر قدر من الضغط.
● قول بعض الأمور مثل: “إذا كنت تحبُّني حقًا، فستفعلها” أو أنْ يقول “هذا الفعل لايناسبك أبدًا” أو “أنا متأكد أنّكَ ستقوم بهذا العمل من أجلي، لأنَّكَ بالفعل قادرٌ على مساعدتي“.
● انتقادك أو تحقيرك باستخدام أساليب واضحة أو مبهمة، إمَّا من خلال الألفاظ والصراخ أو عن طريق لغة الجسد والإيماءات أو قد يصمت ويمتنع عن الكلام، وكلُّ تلك الأساليب ما هي إلّا نوعٌ من التَّدليس والخداع بغرض الحطِّ من شخصية الضحية ونفسيته.
٤- التهديد
يمكن أنْ ينطوي الإيذاء العاطفي على تهديدات مباشرة أو غير مباشرة.
● التهديد المباشر: وفيه يستخدمُ المُبتَّز تعبيراتٍ واضحةً وإشاراتٍ لا تحتملُ التأويل، فعلى سبيل المثال: قد يهدف إلى إبعادك عن أقرب أصدقائك بإشارةٍ لفظيةٍ مباشرةٍ، كأنْ يقول: “إذا خرجتَ مع أصدقائك الليلة فلن أكونَ هنا عندما تعود“، فهو يضعُكَ بين أمريْنِ اثنين مهدّدًا بتركك والابتعاد عنك، أو أنْ يحاول إبعادك عن أقرب أصدقائك لأنَّهُ على خلاف معه فيقول مثلًا: “أنا متأكدٌ أنّكَ ستتعاطف معي وتترك ذلك الشخص، هو لايستحق صداقتك“.
● التهديد غير المباشر: ويستخدمُ فيه المُبتَّز عباراتٍ غيْرَ مباشرة، ولكنَّها تنطوي على لغة تهديد، كأنْ يقول مثلًا: “إذا لم تستطعِ البقاء معي الليلة عندما أحتاج إليك، فربما شخصٌ آخر سيفعل ذلك“، وهو بذلك يضعك أمام خياريْنِ لا تملكُ إلّا أنْ تختار الجانب الذي يتصل به مباشرة، وقد يحجب المُبتَّز التهديد أيضًا باعتباره وعدًا إيجابيًا: “إذا بقيت في المنزل الليلة، سيكون لدينا وقت أفضل بكثير من الخروج، هذا مهم لعلاقتنا“، وعلى الرغم من أنَّ هذا لا يبدو تهديدًا كبيرًا، إلا أنَّهُ ما زالَ يحاولُ التَّلاعب بك في حين أنَّهُ لا يذكر بوضوح عواقب رفضك، ولكن يشير لها ضمنيًا.
٥- الامتثال
لا شكَّ أنَّكَ تحاول قدر الإمكان أنْ لا تمكنه من تنفيذ تهديداته، لذا تستسلم وتمنحه ما يريد وهو ما يهدف إليه عادة، بل ويتحين فرصة الاستسلام لأنَّها ستمكنه من التَّلاعب بعواطفك والتحكم بها والضغط عليك، وقد تتساءل عن أهمية المقاومة من الأساس؛ لأنَّهُ يرهقك بمرور الوقت بالضغوط والتهديدات، وبمجرد دخولك لدائرة الاستسلام، فإنّه سيبدّل سلوكه إلى لون آخر، هو في الواقع كالحرباء سرعان ما تبدلُ لونَها حسبَ البيئةِ والألوان الطاغية فيها، فالمُبتَّز وبمجرد استسلامك يبدو شخصًا لطيفًا ومحبًا بشكل خاص على الأقل في تلك اللحظة، لأنَّهُ حصل على ما يري، لاحظْ أنّ المُبتَّز يعرف نقاط ضعفك، ولذلك فهو يقودك للاستسلام ليحقق مآربه.
٦- التكرار
عندما تظهر عليك علامات التَّنازل وعدم قدرتك على مجاراته في آخر المطاف، فإنّ المُبتَّز يستغل ذلك الموقف ليكون قادرًا على التَّلاعب والإيذاء في مواقف أخرى مشابهة في المستقبل، ومع مرور الوقت توهمك عملية الإيذاء العاطفي بضرورة الامتثال له بدلًا من مواجهة الضغوطِ والتهديدات المستمرة، وقد يتعلّمُ المُبتَّزُ ومن خلال خبراته في ممارسة هذا السلوك، أنّ نوعًا معينًا من التهديد سيُنجز المهمة بشكل أسرع من استخدام سلوك آخر، ونتيجة لذلك من المحتمل أنْ يستمر هذا النمط، ولهذا فالمُبتَّز لديه قائمة طويلة من الأساليب قادر على استخدامها وفق نمط شخصية الضحية.
ولا ينبغي أنْ يكون الموقف أو الفعل أو الإغفال والإهمال المُسيئ عاطفيًا مقصودًا لكي يُعتبر شكلًا من أشكال الإيذاء العاطفي ونوعًا من أنواع التّعدي، فالفعلُ الذي يُرتكبُ بتهورِ وليسَ بقصدٍ لا يزال يملكُ القدرةَ على إحداثِ الضّررِ، حتى وإن لم تَصْحَبه النيةُ المبيّتةُ، ولهذا فمن الضروري جدًا أنْ يكون المرء حذِرًا في كلامه وحكيمًا في اختيار مفرداته، متأنيًا في أفعاله ومهذِّبًا للغة جسده، ولهذا فإنّ فهمَ الآخرين ومحاولةَ قراءةِ شخصياتهم يختصر الطريقَ من أجلِ التّصرُّف بطريقةٍ صحيحةٍ والابتعادِ عن كل ما يؤذيهم.
ولأن الإيذاء العاطفي له تأثيرٌ كبيرٌ في ردات فعل غير متوقعة من الضحايا نتيجة أفعال المُبتَّز فإنّهُ يشخّص كمتلازمة أو كسبب لكثير من الأمراض النفسية أو من مقدماتها، ورُغم خطورة هذا النوع من السلوك إلا أنّ المتخصصين لم يضعُوا معايير للإساءة العاطفية سواء للضحية أو المُبتَّز، ومع ذلك قد يكون الأفراد الذين عانَوا من سوء المعاملة العاطفية الشديدة مؤهلين لتشخيص اضطراب ما بعد الصَّدمة، ولهذا فقد بحثوا في أسبابها بدلاً من ديناميكيات تأثيرها وارتداداتها.