سلسلة الكمالات
عند مقارنة الشجرة بالحجر نجد أنَّ الشجرة تملك بالفعل قوى لا توجد في الحجر، إنّ في الشجرة كمالا بالفعل هو الصورة النباتيّة وهو منبع ظهور الأفعال والآثار الخاصّة بالنباتات، كما أنّ النباتات تملك كمالات بالقوّة لا تملكها الجمادات استعدادًا للوصول إليها (كقلم الشجرة)، وكذلك الحيوان فإنّه واجدٌ للقُوى النباتيّة، بالإضافة إلى الحسّ والحركة الإراديّة اللَّذَيْن هما من لوازم الصورة الحيوانيّة.
نستنتج مما تقدم من البحث بعض النتائج:
- يمكن تقسيم الموجودات المادية بحسب الكمالات الوجودية إلى درجات (الجمادات الدرجة السفلى ثم النباتات ثم الحيوانات – الدرجة الوسطى، ثم الانسان الدرجة العليا (بحسب نوع الكمال وقيمته لاحجمه ومقداره)
- أي موجود مادي في درجة أعلى من الوجود يمتلك القوى الأدون من درجته ليستخدمها في تكامله.
- الاستفادة من القوى الأدون يجب أنْ تكونَ بالقدر المفيد للوصول الى الكمالات الأعلى وإلا فإنّها تؤدي للتراجع.
- وبملاحظة البحث السابق نستنتج أنَّ الكمال الحقيقي لأي موجود عبارة عمَّا تقتضيه آخر فعلية له، وان كان هذا الكمال ذا مراتب مختلفة فإنّ أعداد التفاح لشجر التفاح كمالٌ، ولكنّه ذو مراتب، أمّا سائر الكمالات التي تختلف عن هذا الكمال اختلافًا ماهويًّا – وهي بالطبع في درجات أدون منه – فهي لا تُعدُّ من كمالات هذا الموجود، بل هي مقدّمات ووسائل لكماله، وعليه فإنَّهُ يمكننا أن نقسّم الكمال إلى قسمين: أصيل وآليّ ، أو حقيقيّ ونسبيّ ، كما يمكننا أنْ نقول بوجود مراتب الكمالات الأصليّة.
- ولكي نعيّن مقياسًا للاستفادة من القوى الأدون، تلزم ملاحظة الكمال الحقيقيّ الأصيل، وبعبارة أخرى فلا يمكن اعتبار الصفات الوجوديّة الأدون مقدّمّات الكمال، أو كمالات نسبيّة إلا إذا كانت مقدمّات للوصول إلى الكمال العالي الحقيقيّ، ومن هنا يتأكد لزوم معرفة الكمال الحقيقيّ للإنسان.
الحركة الاستكمالية وعواملها وشرائطها
التكامل والحركة الاستكمالية لموجود ما عبارة عن التغيرات التدريجية التي تحصل فيه ليصل استعداده للوصول لصفة وجودية هي الكمال إلى مرحلة الفعلية، وهذه التغيرات نحصل عليها بواسطة القوى المودعة في الموجود، والاستفادة من الشرائط والامكانات الخارجية، مثال ذلك: بذرة الحنطة إذا توافرت لها شروط التربة والماء والحرارة والضوء تنمو نباتًا لتنتج 700 بذرة، فإنَّ هذه العملية تسمى (الحركة الاستكمالية)، وتسمى العوامل الكامنة في البذرة (عوامل التكامل) والعوامل الخارجية (شرائط التكامل).
الحركة العلمية وغير العلمية
الحركة غير العلمية “الطبيعية” كالتغيرات الموجبة لتحول البذرة إلى بذرات متشابهة، أو البيضة إلى فرخ، أما الحركة العلمية “الإدراكية” كالحركة الاستكمالية للفرخ حتى يصبح دجاجة، فهي تتبعى الادراكات اللازمة لبلوغ الكمال.
والادراك الغريزي وغير الغريزي هو الادراك الذي هو شرط الحركة الاستكمالية قد يكون فطريًا طبيعيًا، وإنْ كان الموجود نفسه لا يدرك وجوده بكلّ وضوح، وذلك مثل الإدراكات الغريزيّةّ الحيوانيّة، وقد يحصل تدريجيًّا وبالتعلّم، فيكون إدراكًا غير غريزي، كما في العلوم الاكتسابيّة لدى الإنسان، أمَّا الحركة الاختيارية وغير الاختيارية: قد تحصل الحركة التكامليّة بشكل طبيعيّ لا إراديّ عند اجتماع الشرائط اللازمة لدى الموجود الذي يمتلك قوةً كافيةً لتكامل خاصّ، وقد يتوقف حصولها على إعمال الإرادة والاختيار، وهذا ما نلاحظه بوضوح في نشاطاتنا الاختياريّة، ونميّز بينها وبين الأفعال الطبيعيّة واللاإراديّة الأخرى بكل وضوح أيضًا.
معرفة الكمال الحقيقيّ، قبل الحصول عليه بمعنى الإدراك الوجدانيّ والعلم الشهوديّ به، إنمّا يتهيّأ لأولئك الذين وصلوا إلى درجته، لكن، لمّا كان الوصول إلى الكمالات الاختياريّة يتوقّف على العلم والوعي، فمن اللازم معرفة مثل هذه الكلمات بشكل ما معرفة مسبقة، لكي تقع موقع الشوق والإرادة، فتحصل بالاختيار والانتخاب.
ولو كان سبيل معرفتها منحصرًا بالحصول عليها، لم يكن الحصول عليها ممكنًا، فالمعرفة التي نحتاجها مسبقًا ليست شهوديّة وجدانيّة، بل هي معرفة ذهنيّة أو علم حصولي يحصل عن طريق البرهان والاستنتاج من المقدّمات العقليّة أو الاستنباط من الأصول النقليّة المسلّم بها.