قال تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) سورة الحديد، آية ١٦، معنى لفظة الخشوع : هو خلوص في النفس ممزوج بخوف أو محبة، فهو انسكار في النفس، والخشوع إنما يتحقق بسببب هيبة من صاحب نفوذ قوي أو حب لمعشوق.
والخشوع على درجات وأنواع:
١- التذلل والاستسلام والإحساس بالضعة:
واحدة من أصعب الملكات في حياة الناس هي الخشوع. وهناك حالتان للخشوع؛ الأولى تحدث اختيارًا والثانية إجبارًا.
فخشوع الإجبار هو أن تقع تحت ظرف قاس لا مفر لك منه، ويسيطر عليك الخوف وتسكن جوارحك وأنفاسك، وتشعر بأن قواك قد خارت، وعزيمتك قد ضعفت قبال جهة أعلى منك سلطة وأوسع نفوذًا وأشد سطوة، وهنا تختار النفس الخشوع (الخضوع) استسلامًا إما حفظًا للنفس أو تجنبًا لمكروه، وغالبًا ما يصاحب هذا النوع من الخشوع تذللًا لا ترتضيه النفس في سائر الأوقات العادية، ويسبب ذلك الشعور بالضعة أمام تلك القوة المهيمنة، وهذا النوع من الخضوع يحدث بسبب بشري.
وخشوع الاختيار هو خشوع محمود يتلمسه الإنسان ويدرّب نفسه عليه؛ لأنه مطلوب للسالكين نحو الله تعالى، ويحتاج إلى كثير من الصبر والتصبّر والتركيز. هذا الخشوع يكون مقرونًا بالعبادات والطاعات كالصلاة والصيام وغيرهما. فخشوع البدن والقلب حال الصلاة يحتاج إلى قوة إرادة وتركيز وتحكم في طائر الخيال وقبض على النفس الجامحة التي لا تسكن ولا تقر. وحينما يبدأ العبد في السيطرة على قواه النفسية والروحية والقلبية يخشع جسده وتعتريه حالة من السكينة تصعد به نحو الملكوت الأعلى كلٌّ حسب اشتداد حالة الخشوع والخضوع عنده. وكلما سيطر الإنسان على قواه أجمع حال أداء العبادة كلما اشتد سكينةً وخشوعًا، وعاش روح العبادة التي يؤديها.
٢- النظر في علل النفس والإذعان بفضل الخلق عليك وتحسس فيوضات الخالق:
وهذه الدرجة من الخضوع أيضًا مطلوبة؛ لأنها تذلل الطباع الصعبة عند الإنسان وتكسر غروره فيسكن وتهدأ روحه. فالنظر في علل النفس وأخطائها والوقوف على نقائصها والجد في إصلاحها وطلب الدواء لشفائها من أمراضها الروحية والباطنية يهيئ الإنسان للخشوع التام لتقبل الحقيقة، سواء أكان ذلك في قبال العباد بردِّ مظالمهم والاعتذار لهم عما لحقهم من ظلم أو إهانة. ومن الخشوع أيضًا ذكر محامد غيرك وأفضالهم عليك حال يسرك وعسرك، وأن تشكر سعيهم إلى قضاء حوائجك وتتفنن في الثناء المحمود لهم على ما بذلوه من جهد ووقت ومال لخدمتك. وكل هذا يقودك لأن تتلمس الفيوضات الربانية عليك في حياتك التي تعيشها بين الخلق، فلو شاء لحرمك من نيل مساعدتهم ومدّ يد العون لك حال وقوعك في الضيق، فكما جاء في الحديث الشريف “من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق“.