قال تعالى (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) سورة العلق، آية ١٤، الحياء من الله تعالى لا يتولد إلا بشدة الإيمان في نفس العبد، الحياء من الله تعالى ينشأ عبر شدة تعظيمه تعالى وهو محفوف بالود، بتنشئة الود لله تعالى في قلب المؤمن وتعظيمه تعالى يكون الحياء من مخالفته، الحياء حاجز للعبد عن ارتكاب المعاصي في محضر محبوبه بسبب أنه يعلم بأن الله سبحانه وتعالى مراقب له ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ سورة العلق، آية ١٤، الحياء لا يتكون إلا بشدة الانتباه وعدم الغفلة وكثرة الاتصال باسم الودود.
الحياء من الله على درجات ومنازل:
١- حياء سببه علم العبد بمراقبة الله تعالى له:
وهذه من أدنى درجة الحياء من الله، فالعبد الحقيقي والمؤمن الحق يستشعر وجود الله تعالى معه في كل لحظات حياته، ويعلم بأن أنفاسه تحصى عليه، وأن القلم يسجل كل ما يأتي به، فيرق قلبه لحاله ويستحي من مخالفة خالقه القادر على سحب القوة منه متى شاء، فيجازي نِعم الله تعالى عنده بالشكر والإحسان لنفسه بعد إتيان ما يكرره الله تعالى منه.
● وهذا العلم يجب أن يكون مانعًا للعبد من التفكير في القرب من حريم المحارم وليس مجرد الدخول فيها فالقرب من الشبهات يقود للوقوع في المحارم.
● العلم بنظر الله تعالى ومراقبته للعباد يعطي المؤمن بالله تعالى قوة لمجاهدة النفس وطاقة لرفض وساوس الشيطان التي لا ينفك يوسوس للإنسان ويرغبه في إتيان المعاصي.
● العلم بأن الله تعالى شاهدٌ على أعمال العباد ينشط الإنسان على استقباح الذنوب والمنكرات وحاجز له عن إتيانها.
● وجود اليقين بأن هناك خالقًا مريدًا مطلعًا قادرًا قويًا في قلب العبد وتفكيره وضميره يصحح له مسيره نحوه، فلا يرغب في الشكوى لغيره وبث حزنه ومطالبه منه؛ لأنه يعلم بأنه هو الوحيد القادر على قضاء حوائجه وتلبيتها له.
٢- حياء سببه حب العبد لقرب الله تعالى:
وهذا الحب لا يكون إلا بعد استشعار القرب، والقرب من الله لا يكون إلا عبر سلوك وادي المجاهدة، فيربي العبد نفسه على الطاعة والابتعاد عن المعصية؛ وبذلك يوفق لأن يكون قريبًا من مصدر النور، وعندها تنفتح للعبد أبواب المحبة.
● فالحياء حال القرب يختلف عن الحياء حال البعد، فمجرد علم العبد بأن الله تعالى مطلع على أفعاله وأعماله وإن كان متخفيًا عن أعين العباد لا يعادل حياءه منها تعالى حال القرب منه. وحياء القرب يوصل الإنسان للمحبة الي تحجز العبد عن ارتكاب المخالفة.
● استشعار حب الله تعالى يحتاج إلى قلب صافٍ من الذنوب، خالٍ من الشكوك، نظيف من الأوهام، مسلّم لله تعالى على الدوام.
● المتصفون بحب الله تعالى تشملهم الرحمة الربانية فيحبهم الله تعالى، جاء عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه“.
● المحبون لله تعالى يستشعرون لذة المحبة والأنس وراحة القلب حال الابتعاد عن المكروهات والشبهات، فضلًا عن المحرمات والمحظورات.
● من كان حاله الحب في الله لا يستشعر بالوحشة وإن صار وحيدًا وغريبًا بين الناس؛ لأن حب الله تعالى يملأ قلبه فلا يفكر في معصيته ولا يستوحش بمعاصي الناس حوله، فيبقى على شدة إيمانه وقربه من الله.
٣- حياء سببه استحضار حالة الشهود:
والمراد هنا من حالة الشهود هي الانسجام مع الروح الإيمانية التامة، بحيث لا يرى مع وجود الله تعالى في قلبه وجوده ولا حتى لنفسه ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ سورة طه، آية ٤١. وهذه درجة عالية جدًا من القرب التي تسبب حياءً تامًا، بحيث يستشعر فيها العبد الرهبة والخشية والخوف دائمًا – “وَهُمْ مِنْ هَيْبَتِكَ مُشْفِقُونَ“الإمام زين العابدين (ع)، الصحيفة السجادية، مناجاة المريدين – من ان يراه الله تعالى في مكان يسيئه فيسقط من عين الله تعالى “أَوْ لَعَلَّكَ بِقِلَّةِ حَيائي مِنْكَ؛ جازَيْتَني“من دعاء أبي حمزة الثمالي، المنسوب للإمام زين العابدين (ع).
● جاء في مناجاة المحبين “إلـهي مَنْ ذَا الَّذي ذاقَ حَلاوَةَ مَحَبَّتِكَ فَرامَ مِنْكَ بَدَلًا” فأهل هذا المقام لا يقبلون عن الله تعالى بديلًا، فهم يستقبلون الفيوضات الإلهية على الدوام ولا يحصل لهم حرمان ولا انقطاع فلا يقبلون عنه بديلًا.
● جاء في مناجاة المريدين: “وَرِضاكَ بُغْيَتي، وَرُؤْيَتَكَ حاجَتي وَجِوارُكَ طَلَبي، وَقُرْبُكَ غايَةُ سُؤْلي“. فمن كانت هذه حاله كيف تسول له نفسه إتيان ما يكرره الله تعالى وهم قد صفوا قلوبهم عن كلما من شأنه رؤية وجودهم فلا غاية لهم ولا رغبة غير رؤية وجود الله تعالى واستشعار وجوده وبهذا يحققون الحياء منه لأنهم يرون أن الغفلة عن كثرة الاستغفار ذنب، ويجدون أنفسهم مقصرين في حقه تعالى إن ذهلوا عن طلب الرحمة بسبب تعظيمه في قلوبهم.
الخلاصة: إن النفس تتطبع على ما طبعناها عليه، فإن علمناها على استشعار وجود الله دائمًا معنا أينما كنا تقبلت الأمر وأحسنت التصرف.
● إن الترقي في درجات الحياء من الله تعالى والذي هو بدوره مانع من إتيان ما فيه مخالفة ويسبب سخطه تعالى علينا، يحتاج إلى جهاد واجتهاد ومثابرة واستمرار؛ لأن الشيطان لن يقبل الهزيمة ولا يتيح المجال للإنسان حتى يفلت منه.
● لا يمكن الدخول في خانة محبة الله تعالى لتحصيل الحياء المستلزم للشعور بالرهبة والخشية منه دونما علم وتيقن بأن الإنسان محط نظر الله تعالى في كل سكناته وحركاته، وعليه يتوجب علينا أن ندرك بأن الصبر عن المعاصي ومعارضة النفس ولجم الشيطان لا يستحصل إلا بتوفيق من الله تعالى وبذلك يقترب العبد من الله ويستشعر محبته له.
● إن الفيوضات التي يأمل العبد الحصول عليها حال قربه من الله تعالى لا يمكن أن يحصل عليها دونما ولوج النور الإلهي لقلبه، والنور لا يمكن تحصيله من دون نية صادقة وعمل متواصل واطمئنان بأن القرب من الله تعالى متاح لأيٍ كان شريطة الإيمان بالله تعالى.