مفهوم الصبر والجزع
الصبر: حبس النفس على جزع كامن عن الشكوى، يعني تملك النفس عن الشكايات مع كون الجزع في الباطن، والصبر متقوم بأمرين:
- أن يكره كراهة باطنية ما يرد عليه.
- أن يمتنع عن إظهار الشكاية والجزع.
والمقصود من الشكاية الشكاية لغير الله تعالى، وإلى الله لا تتنافى مع الصبر (إني مسني الشيطان بنصب وعذاب) وقال تعالى في حقه (إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب).
المقام الأرفع أن ترضى النفس وتفرح بما يرد عليها من بليات وأمور سيئة وتطلب بحقيقة وجودها كل ما يرد من المحبوب، وفي الحديث عن الباقر عليه السلام في طفولته سأل جابر بن عبدالله الأنصاري: كيف تجد حالك؟ قال: أنا في حال الفقر أحب إلي من الغنى، والمرض أحب إلي من الصحة، والموت أحب إلي من الحياة، فقال الإمام عليه السلام: أما نحن أهل البيت فما يرد علينا من الله من الفقر والغنى والمرض والصحة والموت والحياة فهو أحب إلينا.
قالولي الكامل إذا أُعطي ملك العالم كله أو أُخذ منه كل شيء لا يؤثر في قلبه شيئًا ولا يغيّره شيء من الواردات.
مراتب الصبر
في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله الصبر ثلاثة: صبر عند المصيبة وصبر على الطاعة وصبر على المعصية، فمن صبر عند المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض، ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش، ومن صبر على المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين الأرض إلى منتهى العرش.
الدرجة الاولى: الصبر على المصائب بحيث يتمالك نفسه فلا يشكو ولا يجزع.
الدرجة الثانية: الصبر على الطاعة، فيكون في طاعة الله متمالكًا نفسه فلا تأخذ النفس الأمارة من يده الزمام وفيها مقامان:
- الصبر أسهل وهو اطلاق العنان في ترك الطاعات، والصبر على مقاومة النفس والشيطان، والإتيان بالوظائف الإلهية بحدودها الشرعية وآدابها القلبية.
- الصبر فيها أصعب، وهو اطلاق العنان بعد الإتيان بالعمل والطاعة والقيام بآداب العمل وشرائطه الظاهرة والباطنة.
الدرجة الثالثة: الصبر على المعصية بأن يصبر في جهاده لنفسه ولجنود إبليس، وفي هذه الدرجة يضع القدم على رأسه ويسقط صنم النفس الأكبر والأنانية من كعبة قلبه بيد الولاية.
مراتب الصبر الخاصة بأهل السلوك وكمّل الأولياء
روي أن شابًا سأل الشبلي عن الصبر فقال: أي الصبر أشد ؟ فقال: الصبر لله، فقال: لا، فقال: الصبر بالله، فقال: لا، فقال: الصبر على الله، فقال: لا، فقال: الصبر في الله، فقال: لا، فقال: الصبر مع الله، فقال: لا، فقال: ويحك فأيٌ؟ فقال: الصبر عن الله، فشهق الشبلي فخرّ مغشيًا عليه.
الصبر لله: السالكون الذين انسلخوا عن أنفسهم وآمالهم النفسانية وهاجروا إلى الله فكل ما يعملونه في هذا الانسلاخ فهو للحق لا لأنفسهم.
الصبر بالله: يشاهد السالك بعد الهجرة إلى الله أن جميع حركاته وسكناته بحول الله وقوته، وليس له دخل في شيء.
الصبر على الله: السالك إذا رأى نفسه بريئة من مطلق التصرفات وشاهد جميع الواردات من الحق تعالى ولم يشاهد في نفسه أو في العالم متصرفا سوى الله فيكون صبره على الله وشؤونه الأسمائية أو الذاتية.
الصبر في الله : خاص بأهل الحضور الذين شاهدوا جمال الأسماء .
الصبر مع الله: لمشاهدي جمال الذات الذين خرجوا عن مقام مشاهدة جمال الأسماء ووصلوا إلى مشاهدة الذات.
الصبر عن الله: وهو صبر المشتاقين والمحجوبين عن جمال الجميل لإطاعته، وهذا أشق مراتب الصبر ولعله معنى (ما أوذي نبي مثلما أذيت).
الصبر من جنود العقل ومن لوازم الفطرة المخمرة، والجزع من جنود الجهل ومن لوازم الفطرة المحجوبة
جميع الزلات تنشأ من حب الدنيا والنفس، والمبدأ الأصلي للاحتجابات هو الاحتجاب بحجب الدنيا والنفس، فالفطرة التي تحب الكمال المطلق وإذا احتجبت تظن الكمال في المطلوبات الطبيعية والنفسانية وتجزع لفقدانها وتضطرب، وإذا خرجت من هذه الاحتجابات فما تستسيغه هو فقط فقدان وصال المحبوب.
أحاديث هذا الباب
عن الصادق عليه السلام: إذا كان يوم القيامة يقوم عنق من الناس فيأتون باب الجنة فيضربونه فيقال لهم مَنْ أنتم؟ فيقولون نحن أهل الصبر، فيقال لهم على ما صبرتم؟ فيقولون: كنا نصبر على طاعة الله ونصبر عن معاصي الله، فيقول الله عز وجل: صدقوا أدخلوهم الجنة وهو قول الله عز وجل (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)، ووفي نهج البلاغة: (لا يعدم الصبور الظفر وإن طال به الزمان) وقال عليه السلام: مَنْ لم ينجّه الصبر أهلكه الجزع.