الرغبة العرفانية
- روح الانسان بشكل غير اختياري تقطع مراحل مختلفة، وهو رضيع لا يشعر إلا بالحاجة للطعام والشراب، ثم مرحلة حب الوالدين لا سيما الأم، ثم تظهر الحاجة الجنسية، وعند ظهور حاجة جديدة لا تنتفي التي قبلها، وهذه التغييرات تتناسب مع تغييرات فسيولوجية عنده.
- وهناك نوع آخر من التحولات ولكنّها في الروح وتكاد لا تظهر على الجسم، وهي تختلف من فرد إلى فرد بخلاف النوع الأول من الرغبات الذي لا يختلف عند البشر عامة، مثلا الرغبة في الفن، ففي البعض قوية وآخرون ميلهم شبه معدوم إليها.
بعض الرغبات يتلاشى نهائيا كحب اللعب ولكن هناك رغبات لا تنتهي مثل الاحترام، فالانسان يحب أن يكون مُحترمًا إلى آخر عمره بل حتى بعد رحيله يحب أن يذكر بخير. - تلك الرغبات تتفتح وحدها لكن هل توجد رغبات بحاجة من الانسان أن يفتحها ويقوّيها في داخله ؟ نعم توجد مثل العشق، فالعشق لا ينمو إلا برغبة الانسان نفسه حتى يصل لدرجة السكر عندما يرى معشوقه قد ابتسم في وجه، وقد تنتهي حالة العشق مع إهمالها.
- الرغبات العرفانية من هذا النوع الذي يحتاج لإيقاظ ومتابعة وإنماء في ظل تزاحم الرغبات، فالبحث عن الله تعالى فطري، فالبعض وهم قلة تستيقظ في نفسه مبكرًا وهو صغير تلك الرغبة وتسيطر عليه كالانبياء والأولياء عليهم سلام الله، ولعل بعضهم لديه إدراك وهو في بطن أمه فضلا بعد ولادته، وفي عصرنا يوجد نوابغ استثنائية مثل الدكتور محمد حسين الطبأطبائي الحافظ للقرآن ونهج البلاغة، والكلام هنا عن الحالة العامة العادية.
- فالعرفان يتمحور حول الرغبات التي تحتاج لإدراك الانسان أولًا، وجهده ثانيًا لتنمو، فالسير والسلوك هو هذا، ولمعرفة أهمية هذه الرغبة وفضيلتها أنها أساس بعثة الأنبياء عليهم السّلامُ، وإقامة الحكومة الاسلامية وإرساء قواعد العدل في المجتمع ما هو إلا مقدمة للقرب من الله، وهذا ما قاله مؤسس الجمهورية عِدَّة مرات.
معنى العرفان والمعرفة
- العرفان والمعرفة بمعنى واحد، وهو الاطلاع والوعي (الحس – التجربة – النقل – العقل)، ولكن هنا للعرفان معنى خاص، وهو مختص بطريق القلب والرؤية الحضورية وليس كل معرفة حضورية تسمى عرفان، وإنما العرفان مختص بمعرفة الله بالعلم الحضوري.
- رؤية الله الفلسفية والعقلية تعتبر تعريفًا بغائب لأننا نعرفه بالمفاهيم، وهذا مثال لتوضيح الفرق بينها وبين العرفان، النظر إلى الزهور من خلال الزجاج فأولًا نرى الزجاج ثم نرى الزهور، وقد يكون الحائل سميكًا وقد نرى الزهور وكأنه بلا زجاج، ولكن العرفان يرهُ دون واسطة وبشكل مباشر.
ومثال آخر شرح الفاكهة الحلوة التي لم نرها ولم نتذوقها فلا يمكن للفم – مهما كان الشرح تفصيليًا – أن يشعر بحلاوتها إلا عندما يتذوقها فعلًا.
- وعندما تحصل المشاهدة ويشرح المشاهد لغيره ما شاهد يسمى ذلك “بالعرفان النظري“، والعملي منه هو القواعد الموصلة لمشاهدة المحبوب، والفرق بينهما كأنما تشرح تلك المفاهيم لِمَنْ وُلد أعمى وتشرح له الألوان .
- المشاهدون والعرفانيون صنفان، النبي محمد صلى الله عليه وآلُهُ الطاهرون عليهم أفضل صلوات المصلين وهذا الصنف يرى عين الحقيقة وما يقوله حق، والصنف الآخر مشكوك فيما يقوله إلا إذا حصل الإطمئنان من خلال الدليل اليقيني العقلي ومسلمات الكتاب والسنة، وإلا اعتُبرت إلقاءات شيطانية وتسويلات نفسانية، وذكر قصص بعض العرفانيين المشهورين في الهامش تبدأ من صفحة 45، وهم: السيد محمد بحر العلوم – السيد ابن طاووس – ابن فهد الحلي – المقدس الأردبيلي – الشيخ الأنصاري – الشيخ جعفر كاشف الغطاء.