سبل السلام

رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «من سعادة المسلم: سعة المسكن، والجار الصَّالح، والمركب الهنيئ».

(ينابيع الحكمة 1/374، محسن عقيل)
اليقظة ٢: اليقظة | الطمأنينةُ و الوقار في سَكينَة

اليقظة ٢: اليقظة

اليقظة 

يعتمد الأنا على الفقدان أعني فقدان أي شيء: المال والوظيفة السمعة والمنصب وغير ذلك، ودائمًا يكون مع الأنانية انحياز إلى السلبية، وغالبًا تُكونُ الأنا سببًا للأمراض النفسية كالقلق والخوف والإكتئاب، وحتى الخلل الذي يحصل في الدماغ والذي يعتبر سببًا للكثير من الأمراض هو ناتج عن تمرين طويل من الأنا للدماغ، حيث جعلته تحت ضغوط كبيرة لم يستطع تحملها فتبرمج بطريقة ما ليكون فيه خلل كيميائي، وسيجتهد الأطباء لمعالجة هذا الخلل بالدواء والعقاقير أو بوسائل طبية أخرى، ولكن الشيء السابق لهذا الخلل في كيمياء الدماغ كان أمرًا مرتبطًا بتصرفات الأنا الزائفة وانعدام وعي الروح .

إن آلية المراقبة التي تتبعها الروح آلية بسيطة جدًا، وهي تذكرني بالفكرة التي ذكرت في كتاب من الجيد إلى العظيم، طريقة عمل القنفذ، الذي يمتلك مهارة واحدة للدفاع عن نفسه ضد الثعلب وهي أن يتكّور، وفهو مملوء بالشوك لا يمكن للثعلب أن يخترق حصونه، وعلى الرغم أن الثعلب يستخدم الكثير من المناورات إلا أن القنفذ سوف يستخدم دائما آليته وطريقته الوحيدة والبسيطة.

كذلك النفس أو الشخصية أو الأنا ربما تستخدم الكثير من المناورات للقضاء على كل ما هو روحاني، وآلية الروح واحدةٌ، وهي المراقبة، وأن تكون أنت الشاهد لما يجري في دواخلك، هي تُفعِّل الذكر (إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)، هذا ما يجعل الواعي غير قادر على ارتكاب الخطأ، ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ لأنَّ عادة اللاوعي يعمل في وقت غياب الوعي، تماما كالطيار الآلي الذي يعمل وقت توقف الطيار الآدمي عن ممارسة عمله، فحديث النفس والمشاعر وردود الأفعال وآليات الدفاع تعمل بحرية تامَّة كما تهوى الأنا وقت غياب الوعي.

وقد اتضح لنا أنَّ الأنا الزائف عندها الكثير من التلاعب بينما الروح تُشَّغل الرصد والمراقبة لتكتشف هذه الألعاب وتتخلى عنها وتبطل مفعولها بحيث لا يمكنها العمل بشكل مضلّل ومدمر لنا.

وعلمُنا أيضا أنَّ الروح حينما تكون مع الله  تزدهر وتشتد وتنمو، لأنها أمر وجودي بسيط متقوم بعلته المفيضة الله سبحانه وتعالى، الذي يهبها أصل وجودها وكمالاتها في كل آنٍ ولحظة، ولنحصلَ على الإيمان وهو الميل والانعطاف والعلقة مع الله علينا أن نتخلي عن علائق الأنا، وبتعبير آخر يتلاشى عندنا النظر المستقل لماهيتنا أي لتلك الحدود العدمية وهي قوالب الوجود مثل التعريفات التي نطلقها على أنفسنا والتي غالبا تأتي من الهوى لبيان شخصيتنا، وهي نفسها ما يصنع مجموعة من الطقوس للصورة التي ينبغي أن ينظر لنا الناس ويتعاملوا معنا وفقها، إنَّها الطريقة التي تعرّفُ بها الأنا نفسها لنا وللآخرين، الأنا غالبًا ما تغفل وتعتبر نفسها مستقلة، وأنَّ كل قواها متوفرة بشكل ذاتي (منها وفيها)، وهي غير متكلة ولا متكئة ولا معتمدة ولا مقومة بعلتها، فتغفل عن الله سبحانه وتعالى وتبدأ عملية الفرز، أنا في قبال الآخرين فيتضخم الأنا بسبب النظرة الاستقلالية، لنتصل مع الله علينا أنْ نهدم صنم الماهية، ونزيل هذا الفصل عن الله، ونعالج الغرورَ الكامنَ في قوتنا المزعومة، وهذا لا يعني التنكر وعدم التعرف على نِعم الله سبحانه وتعالى علينا، بل نتقبل نِعم الله تعالى كما هي، والمطلوب فقط أن لا نجعلها حجابًا بيننا وبين الله سبحانه وتعالى.

إذا تمكنت من مشاهدة الوجود مع حالة التعلق به فأنت حينها تصبح صاحب نظرة إلى الملكوت، لترى نفسك وترى كلَّ شيء متقوم بالله تعالى، وهنا الرؤية بصيرة للروح فهي ملتفتة لهذا التعلّق القلبي حاضر عندها وتشعر به، وتبعًا له ينبض عندها الإيمان العميق، فحالةُ اليقظة والإيمان يمكن أنْ نعيشها ونتذوقها من خلال اليقظة لا من خلال الخواطر الذهنية، لأنَّ الخواطر الذهنية في الغالب تكون مشتتة، عادة تُنتج تلك الخواطر فوضى أفكار، نعم الأفكار الإرادية الطوعية والمنظمة والصادرة من الروح لها وظيفةُ ترجمة تلك العلائق الوجودية في قالب عقلاني يمكن الاستفادة منه في الفهم والتفهيم والتفاهم.

عندما نعيشُ حالة المراقبة نكتشفُ أين نحن في مراتب الوجود، وماذا تعمل الأنا فينا، وكيف تتلبس الأنا هذه الروح وتعيقها وتشكل الأغلال والإصر وتنقض الظهر، بالمشاهدة والمراقبة وتسليط ضوء الوعي تبدأ الأنا ترقُّ وتتخلص من أمراضها وأقنعتها، وهذا ما يسهم في جعلنا أكثر ارتباطًا بالوجود الحق، وحيث أنَّ الإيمان هو شيءٌ يبدأ الحدوث في قلبك يجعلك تشعر وكأنَّك غافلٌ وقد تذكرت أو نائم واستيقظت، والذي علينا فعله هو أن نعرض أرواحنا للنفحات والنسمات الإلهية، وهذا ما يسهم في حصولنا على نسختنا الخاصة من اليقين، وتجربتنا المتميزة من الإيمان، ومن الواضح جدًا أنَّ الله حين خلقنا خلق لكل واحد منا عطره الخاص وتميزه الخاص، لأنَّ كل موجود فهو شخصي متميز وهو متعلق بعلته، والله الذي هو مبدأ وسبب  هذه الموجودات يريد أنْ يتجلى وتظهر آثاره سبحانه فينا، فمتى ما أزلنا الفوضى الذي تنتجه الأنا التي تتلبسنا سنكون أقرب إلى الإيمان. 

الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يُكتنه بالإدراك العقلي، ولا يمكن أنْ تضع له أطرًا عقلية وحدودً وماهيةً، ولذلك قال الفلاسفة أنَّه لا ماهية له، وأنَّ ماهيتَهُ إنيتُهُ، يعني نفس وجود غير المحدود، وقالوا عنه أنه صرف الوجود وأنه لا متناهٍ، ولذلا يمكن لنا أن نعطي صورة ذهنية تحيط به علمًا وقد قال أمير المؤمنين في نهج البلاغة: كلما توهمتموه بعقولكم فهو مخلوق مردود إليكم، عن الباقر عليه السلام: ”كلُّ ما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود عليكمالبحراني، عوالم العلوم، ج ١٩ ص ٢٠٧، لأن كل تصورتنا الذهنية فهي من صناعة عالمنا الذهني ، ولنتعرف على الله بشكل صحيح يجب أن نبصر علاقتنا به وتقومنا به وتعلقنا، وهذا يعني أن طريقة المعرفة الله تمر من بوابة التخلية، نتخلى من زيف الأنا والأنانية، وقد سأل نبي من أنبياء بني إسرائل الله: ”كيف الطريق إليك فقال دع نفسك وتعال ليالبهائي، الكشكول، ج١ ص ١٩٩، فالخوف من الله حصن يقيك هجمات الشياطين،  كذا الرجاء والمحبة، إنَّما يمكننا الحصول عليها من خلال التبرء من أقنعة الأنا، وهذا ما يقتضي دوام المجاهدة للنَّفس وأول تلك الأقنعة هي آليات الدفاع، وسوف نستعير من نظرية التحليل النفسي سيموند فرويد ملاحظاتهم في الآليات التي تتخذها الأنا للتخلص من الألم والتوتر، وهذا سيوفر لنا فهمًا جيدًا لمعرفة نوع تلاعب الأنا، فالشخص الغير قادر على التعامل مع المشاعر الصعبة والألم فإن الأنا تستخدم عدة أنماط من الدفاعات النفسية لتتخلص من تلك المواقف التي لا يمكن أن يتحملها ذلك الانسان، وهي أقنعة الأنا، وعلينا أن نراقب تلك الآليات، هل هي علاج للألم أم هي ما يضخّم الأنا والعلاج العميق لا يتوفر في تلك الآليات بل العلاج الحقيقي لابد وأنْ يكون روحانيًا منسجمًا مع كلي الوجود والوعي وهذه الآليات هي مجرد أقنعة وحجب، ومن خلالها نسمح للشيطان أن يغوص في أعمق بعد للنفس البشري كالكبت والقمع والإنكار والاسقاط، ربما هي تقلل لتوتر ولكنها مع الوقت ستمكن الشيطان من السيطرة والهيمنة.

شارك المقال:
هل وجدت هذا المقال مفيدًا ، يمكنك الاشتراك لتصلك مقالات مشابهة
مواضيع ذات علاقة
مهارات الاتصال

مهارات الحياة ٢: مهارات الاتصال

اليقظة ٣: وعي الروح وأقنعة الأنا – | الطمأنينةُ و الوقار في سَكينَة

اليقظة ٣: وعي الروح وأقنعة الأنا – الانسحاب

التسليم ٣ : علم القلب ومعرفة الخواطر | الطمأنينةُ و الوقار في سَكينَة

التسليم ٣ : علم القلب ومعرفة الخواطر

مهارات الحياة الأساسية

مهارات الحياة ١: تحديد مهارات الحياة الأساسية

هل تكتب مقالات؟

تستطيع الكتابة لمساعدة الآخرين، اكتب لنا و سننشر لك مع الاعتبار لسياسة كتابة المقالات التي نتبعها

Survey
Interested in reading articles
Articles Writer