سبل السلام

الإمام علي (عليه السَّلام): «من سعادةِ المرءِ أنْ تكونَ صنايِعُهُ عندَ مَن يشْكُرُهُ …». 

(11000 حكمة للإمام علي (عليه السَّلام)، الآمدي، الصَّفحة 201)
المشكلات النفسية

مقارنة بين جهاد النفس والعلاج النفسي

عن الإمام الباقر عليه السلام: “إن المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها، فمرة يقيم أودها ويخالف هواها في محبة الله، ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه الله فينتعش ويقيل الله عثرته فيتذكر“.

جهاد النفس وعملية التخلي بوعي عادة ما تكون أسرع من العلاج النفسي حيث أنه يحرر نضج الوعي والإدراك ويحفزه، والعلاج النفسي مصمَّمٌ ليفسر الأنماط الضمنية بصورة أفضل ولهذا يعمل الاثنان معًا على نحو جيد.

فالعلاج النفسي مبهجٌ أكثر من الناحية الفكرية بسبب طبيعته اللفظية، وتركيزه على ما وراء السلوك، ولكن هذا يعد أحد جوانب القصور أيضًا، وعملية التعامل مع المشاعر من خلاله تكون بطيئة ومؤلمة ويتم تجنبها، أمَّا تقنية التخلي ومجاهدة النفس وتطبيق الوعي تهتم بالتعامل مع المشاعر بالسؤال عن (ماذا؟) من فترة لأخرى بدون اشراك الفكر، حيث أنَّ (لماذا؟) تتضح من تلقاء نفسها بمجرد ما يتم التخلي عن (ماذا؟).

إن اهداف المجاهدة أبعد بكثير من العلاج النفسي، فهدفها هو الحرية التامة وطرد البرمجات العاطفية والذهنية المقيدة لنيل عقل غير مشروط، أمَّا في العلاج النفسي فهدفه إعادة تكييف الأنا لتحقق توازنًا أكثر صحة، واستبدال برمجيات ذهنية أكثر ارضاءً محل أخرى غير مرضية.

العلاج النّفسي يعتمد على المعالجين وتدريبهم وتقنياتهم، ويعتمدُ أيضًا على النظرية النفسية التي يتبعها كلٌ من المعالج والمريض، كما تعتمد أيضًا على التفاعل بينهما ودرجة رغبة المريض بالتحسن وثقة المريض وإيمانه بالعلاج، ولذا فإنَّ العوامل النَّفسية التي يعمل عليها العلاج النفسي غير مدركة، غير أنَّهُ في العلاج النفسي غالباً لا يتم الاقتراب من الأنماط العصبية باستثناء بعض مفاهيم الطب الشمولي “مثل تحليل اليونغي وعلم نفس ما وراء الشخصي، ويعتمد العلاج على فهم محدود للعقل وعادةً ما يتناول جزءًا فقط من الأنا ويتجاهل القوى العظيمة التي يحددها العقل وتحركه وتتحكم به ولا يدركها، فهدف أكثر المعالجات النفسية هي موازنة الأنا فهي بذلك لا تملك تصورًا عن ما هو أبعد من الأنا، فأغلبُ العلاجات النّفسية لا تملك معرفة حقيقية بالذات، ولذلك لا ترى الواقع كما هو، ومع الوعي ومجاهدة النفس عبر أسلوب التخلي ستتكشف جذور الأنماط العصبية تلقائيًا بمجرد الاعتراف بها والتخلي عنها وعندما يتم التخلي عنها يظهر الجوهر والروح وينكشف ما كان دائمًا أقوى.

أمَّا بالنسبة للفاعلية؛ فالعلاج النفسي يستغرق وقتًا للبحث ببطئ في جانب محدود، أمَّا أسلوب التشافي بالوعي والمجاهدة فينتقل من بُعْدٍ إلى بُعْدٍ جديد بصورة أسرع، و لطريقة التخلي من المشاعر السلبية ميزة فريدة، وهي تسليم شعور سلبي واحد يحرر طاقة كامنة خلف العديد من المشاعر السلبية الاخرى فالتاثير مستمر ويشمل الجميع.

إنَّ العلاج النفسي يهدف إلى تحسين الأنماط العصابية، ويسعى لاجراء تحسينات في التوازن العصابي أمّا في آلية السماح بالرحيل (التّخلّي) فهي تبطل الأسباب الكامنة للبنية العصابية ككل والتخلص منها جميعًا.

وما يقيّد معظم العلاجات النفسية هي أن المعالج محدود بما يسمية العالم الأنا الصحية بكل قيودها، فالمريض الصحي يفترض أنْ يكون أحد هؤلاء الذين يتشاركون نفس الأوهام والقيود التي يتغاضى عنها المجتمع والمعالج،  أمّا في آلية التسليم والتخلي فالعكس تمامًا حيث تهدف إلى تجاوز أوهام العالم والوصول الى الحقيقة المطلقة وهي إدراك الذات واكتشاف أساس العقل حيث المصدر لكل فكرة وشعور.

إن الهدف من جهاد النفس هو التخلص من مصدر كل معاناة وألم، حيث أنَ كل المشاعر السلبية تنشأ من نفس المصدر، وعندما يتم التخلي عنها يتكشف المصدر، ويهدف التسليم إلى السمو والتجاوز ففي حين أن العلاج النفسي بقبل بمستويات سلوكية يعتبرها صحية فإنَّهُ لا يتم قبولها من وجهة نظر الحرية التامة، وعلى سبيل المثال في العلاج النفسي قد يعتبر القليل من الخوف والغضب والفخر ضروريًا أو مقبولًا أو صحيًا، ولكن الدمار الملازم لهذه الحالات المنخفضة غير مقبول في التسليم، فيقوم العلاج النفسي باعطاء القوة للتسليم لتجاوزهم جميعهم، فوراء المستويات المقبولة ينتظرنا مصير أعظم وحرية تامة.

شارك المقال:
هل وجدت هذا المقال مفيدًا ، يمكنك الاشتراك لتصلك مقالات مشابهة
مواضيع ذات علاقة
الإجهاد والتوتر

الإجهاد والتوتر ٣ : تقنيات إدارة الإجهاد

اضطراب القلق عند المراهقين والأطفال

اضطراب القلق عند المراهقين والأطفال الجزء ١

المشاعر السلبية في العمل

المشاعر الايجابية والسلبية

العلاج السلوكي المعرفي | الطمأنينةُ و الوقار في سَكينَة

العلاج السلوكي المعرفي

التنفس الهاديء

التنفس الهاديء

الاكتئاب | الطمأنينةُ و الوقار في سَكينَة

مرض الاكتئاب

القلب السليم ٦ : مرض القسوة

القلب السليم ٦ : مرض القسوة

القلق من الامتحان -A man experiencing a new dawn after intense distress, sitting at a table surrounded by books.

التفوق والتغلب على القلق من الامتحان

المشكلات النفسية

مقارنة بين جهاد النفس والعلاج النفسي

هل تكتب مقالات؟

تستطيع الكتابة لمساعدة الآخرين، اكتب لنا و سننشر لك مع الاعتبار لسياسة كتابة المقالات التي نتبعها

Survey
Interested in reading articles
Articles Writer