مفهوم السماع
قال تعالى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ﴾ سورة الأنفال – الآية٢٣، المراد هنا “لو كان فيهم خيرٌ لكانوا أهلًا لأن يستمعوا الخير ويتقبلوه“.
حقيقة الانتباه تؤدي إلى حقيقة الاستماع: وهنا يكون الناس بالطبع مختلفين في مستويات بصائرهم وقابليات عقولهم (قلوبهم)، فليس كل الناس على درجة واحدة من التوجه واستشعار العضة، سواء أكانت وعدًا أو وعيدًا، ولذا وجب أن يُعمل العبد حاسة استماعه للمواعظ لكي يحصل على أكبر فائدة منها. وكلما ترقى العبد في مستويات حاسة الاستماع كلما وجد نفسه لاهيًا عن مستويات أخرى؛ وذلك لان استحصال تمامية القابلية للمواعظ والاسفادة منها هو ملاك بيد المعصومين من الأنبياء والمرسلين، وهم على درجات مختلفة في ذلك أيضًا.
و السماع للنداء الخفي بقلب سليم على درجات ثلاث:
١- تقبل مواعظ الوعيد
غالبًا ما يكون الخوف من الزواجر والنواهي أدْعَى للإنسان لتقبلها والوقوف عن المحارم؛ لأن النفس البشرية غالبًا ما تميل إلى الابتعاد عمّا يضرها وإن لم تستحصل ما ينفعها ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ﴾ سورة آل عمران – الآية ١٨٥، صريح الآية يتحدث عن “زحزح” أي توفر من يحرك العبد لنقله من النار ولو بمشقة كمن يحرك صخرة ثقيلة عن الطريق. والزجر والتخويف في وعيد آيات الله تعالى صادر عنه سبحانه، فعامة الناس حال استجابتهم يكونون قد استجابوا لتجنب العقوبة، ومن الناس من يستجيب لأن النهي قد صدر من الله سبحانه وتعالى لا بسبب خوفهم، ومن الناس من لا يحتاج إلى مثل هذه الزواجر باعتبار أنه قد روّض نفسه لتجنب ما يسبب له الوقوع في المحظورات، فلا يكون أهلًا لاستماع الوعيد.
٢- تقبل مواعظ الوعد
والوعد هنا بمعنى الرجاء، وهو ما يرجوه العبد من الله في دنياه وآخرته من فلاح وصلاح وتوفيق وسداد وجنة. فكثيرة هي الآيات الشريفة التي تحث العباد على الإيمان وإتيان الصالحات لما وراء ذلك من نعيم حبوة وقرب. والناس هنا أيضًا على درجات مختلفة؛ فمنهم من يستمع القول فيتبع أحسنه فينال الثواب، ومنهم من يسارع إلى الخيرات، ومنهم من هو قائم دائمًا على فعل الخيرات.
٣- تلمُّس نِعَم الله تعالى
وهي درجة راقية من تحسس وتلمس المطالب، وذلك لأنها تحدث في وعي بصيرة العبد، فتكون عنده المنافع والمضار، والراحة والشقاء، والمنع والعطاء، بالدرجة نفسها لأنها صادرة عن الله سبحانه وتعالى، فيكون دائم الشكر في السراء والضراء والشدة والرخاء. وهذا الصنف من الناس قد تمرن على هذا النوع من التفاعل مع مجريات الأمور في حياته واعتاد على كثرة الشكر والصبر والرضا، لأنه يرى ويسمع ببصيرته كل الأمور بالمقياس نفسه مادامت صادرة عن محبوبه.
وخلاصة القول: إن جميعنا يحتاج إلى أن يكون له سمع قلبي مرهف يقيّم الأمور بصورة صحيحة ليستفيد من إرشادات الدين فيما يتعلق بقوله وفعله وسلوكه. وهذا أمر بديهي فيما يتعلق بقوانين الدنيا لأنها واضحة للجميع من قبيل:
● الإرشادات الطبية: فلابد من الأخذ بنصائح الطبيب حال الشعور بالمرض، وأن يلتزم الإنسان بطريقة صرف الدواء ومدته؛ لكي يستفيد من العلاج، وإلا لم تتم عملية المعالجة بصورة تامة وصحيحة، فيكون الخطأ خطأ المريض الذي لم يتلزم أساسًا بما أعطي من إرشادات.
● إرشادات المرور والطرق: وهذا أيضًا مثل واضح نعاينه دومًا؛ فمن يقطع الطريق بسرعة أكبر من المنصوص عليها أو من يقطع الإشارات الحمراء أو غيرها من المخالفات يكون قد استحق نوعًا من العقاب، فترى الأغلب الأعم من الناس يلتزم بما نص عليه القانون من إرشادات تفاديًا للعقوبة.