قال الله تعالي: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾ ﴿فصلت/٤٤﴾ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن، فإنَّه شافع مشفع وما حلّ مصدق، من جعله أمامه قاده الى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل يدلُّ على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيلٌ وبيانٌ وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكم، وباطنه علم، ظاهره أنيق، وباطنه عميق، له تخوم، وعلى تخومه تخوم، لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة، ودليل على المعرفة لمن عرف الصفة، فليُجِلْ جال بصره، وليبلغ الصفة نظره ينج من عطب ويتخلّص من نشب”.
وعن علي عليه السلام: “واعلموا أنّ هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغشّ، والهادي الذي لا يضلّ، والمحدّث الذي لا يكذب، وما جالس القران أحد إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان، زيادة في هدىً، أو نقصان في عمًى”.
شروط و كيفية التشافي بالقرآن الكريم من الأمراض
ليتحقق العلاج بالقرآن لابد من : أن يستحضر المريض ويخطر في وجدانه:
1 – الشعور بعظمة القرآن الكريم
● عظمة المتكلم وهو الله سبحانه وتعالى الذي يعد الكون كله رشحة من تجليات عظمته.
● وعظمة جبرئيل وسيط الوحي والروح الأعظم الذي يتصل بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن يصعد بروحه ليراه في الأفق المبين.
● وعظمة المرسل إليه ومتحمّله، فهو القلب التقي صاحب النبوة الختمية، والولاية المطلقة، وهو أكرم البرية، وأعظم الخليقة وخلاصة الكون.
2 – الركون إلى القرآن والشعور بأنه محروس ومحفوظ في جميع مراتبه وحافظه الله سبحانه وتعالى كما قال في الاية الكريمة المباركة “إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون”.
3 – أخذ الوصفة القرآنية بالدليل من الرسول وأهل بيته عدل القرآن وشارحيه ، فالقرآن نزل على نحو يستفيد كل إنسان منه على حسب كمال إدراكه ومعارفه وضعفها، وعلى حسب ما له من الدرجة العلمية، فهذه واحدة من أهداف آيات القرآن الكريم وأهداف البعثة، “بعثه عليكم” رسولاً يتلو القران عليكم والايات الإلهية و”يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة”.
4 – تعريض النفس له وخصوصا آيات الشفاء بالقرآن الكريم لتحصل بمواعظه وآياته تزكية النفس وتطهيرها من جميع الأدران ، ويقرع به أهواء النفس ، وبنوره ظلماتها ، وفي بداية التلاوة ليتم غسل النفس من الإحباطات التي منشأها الأهواء ، ثم الإصغاء بمسامع القلب إلى تعاليمه وحكمته.
5 – تسليم المتشافي أفكاره للقرآن العظيم حتى يتمكن من الاستفادة منه وحتى تتمكن روحه وذهنه من التسامي به على القيود والإصر والأغلال.
6 – استحضار النية فالقران هو شفاء ورحمة من الأمراض المستعصية الباطنية ، ويعالج كل مريض على نحو خاص ، نعم تأثيره الباطني يعود بالأثر على بدنه لشدة الارتباط بينهما ، فقد جاء عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه “وتعلموا القران فإنه ربيع القلوب واستشفعوا بنوره فإنه شفاء الصدور” ولا يطلب من القران شفاء الأمراض الجسمانية فقط بل يجعل عمدة المقصد شفاء الأمراض الروحانية الذي هو مقصد القران بل القران ما نزل لشفاء الأمراض الجسمانية وإن كان يحصل به كما أن الأنبياء لم يبعثوا للشفاء الجسماني وإن كانوا يشفون فهم أطباء النفوس والشافين للقلوب والأرواح ، فهم وسائط الفيض ومعلمي البشر وأما الشفاء فهو بيد الله وحده وحده.
سور و آيات الشفاء في القرآن الكريم:
تظافرت الروايات بذكر سور تنفع في التداوي منها سورة الفاتحة والتي هي أعظم سورة في القرآن الكريم ، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: مَنْ نَالَتْهُ عِلَّةٌ فَلْيَقْرَأْ فِي جَيْبِهِ اَلْحَمْدَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَإِنْ ذَهَبَتِ اَلْعِلَّةُ وَ إِلاَّ فَلْيَقْرَأْهَا سَبْعِينَ مَرَّةً وَ أَنَا اَلضَّامِنُ لَهُ اَلْعَافِيَةَ“، وبهذا المضمون عدة روايات تظهر أثر سورة الفاتحة لعلاج المشاكل الصحية الجسدية والنفسية
وقد وصف العلامة الطبطبائي لشاب يعاني من اضطراب الوسواس القهري سور المسبحات ـ وهي : سورة الإسراء والحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن والأعلى ـ يتلوها عشرين يوما
وكذلك خصصت الروايات بعض آيات والتي تسمى آيات الشفاء في القرآن الكريم منها : آية الكرسي ، وأواخر سورة البقرة ، لكن لابد لنا من التركيز دائما على أن أسرار الشفاء بالقرآن تكمن في كونه علاج معرفيًا سلوكيا وهو من أرقى أنواع العلاج بالقراءة لأن أيته المباركات بلسما وهي الدواء للروح إن عز الدواء.
الشفاء بالقرآن الكريم ـ التلاوة اليومية بنية شفاء الروح والقلب:
الكافي: بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “القُرْانُ عَهْدُ اللَّهِ إِلَى خَلْقِهِ فَقَدْ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ المُسْلِمِ أَنْ يَنْظُرَ فِي عَهْدِهِ وَأنْ يَقْرَأَ مِنْه فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسِينَ ايَةً”١٤٤.
وبإسناده عن الزُّهريِّ قالَ: سَمِعْتُ عَليَّ بن الحسينِ عليهما السلام يَقولُ: “آياتُ القُرْانِ خَزَائِنُ فَكُلَّمَا فُتِحَتْ خَزِينَةٌ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْظُرَ فِيهَ”١٤٥.
عن أبي جعفر عليه السلام قال: قالَ رسول الله صلى الله عليه وآله: “مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيات فِي لَيْلَةٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ، وَمَنْ قَرَأ خَمْسِينَ ايَةً كُتِبَ مِنَ الذّاكِرِينَ، وَمَنْ قَرَأ مَائَةَ ايَةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ، وَمَنْ قَرَأَ مائتي ايَةٍ كُتِبَ مِنَ الخَاشِعِينَ، وَمَنْ قَرَأَ ثَلاَثْمَائَةِ ايَةٍ كُتِبَ مِنَ الفَائِزِينَ، وَمَنْ قَرَأ خَمْسَمِائَةِ ايَةٍ كُتِبَ مِنَ المُجْتَهِدِينَ، وَمَنْ قَرَأَ أَلْفَ ايَةٍ كُتِبَ لَهُ قِنْطَارٌ مِنْ بِرٍّ، القِنْطَارُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ مِثْقَالٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَالمِثْقَالُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيراطاً أَصْغَرُهَا مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ وَأَكْبَرُهَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ “
وفي الحديث عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: “مَنْ قَرَأَ القُرْأنَ وَهُوَ شَابٌّ مُؤْمِنٌ اخْتَلَطَ القُرْانُ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ وَجَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ وَكَانَ القُرْانُ حَجِيزاً عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ يَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّ كُلَّ عَامِل قَدْ أَصَابَ أَجْرُ عَمَلِهِ غَيْرَ عَامِلِي فَبَلَّغ بِهِ أَكرَمَ عَطَايَاكَ قَالَ فَيَكْسُوهُ اللَّهُ العَزِيزُ الجَبَّارُ حُلَّتَيْنِ مِنْ حُلَّلِ الجَنَّةِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأسِهِ تَاجُ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ هَلْ أَرْضَيْنَاكَ فِيهِ؟ فَيَقُولُ القُرْانُ يَا رَبِّ قَدْ كُنْتُ أَرْغَبُ لَهُ فِيمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ هَذَ فَيُعْطِي الأَمْنَ بِيَمِينِهِ وَالخُلْدَ بِيَسَارِهِ ثُمَّ يَدْخُلُ الجَنَّة فَيُقَالُ لَهُ إِقْرَأ وَاصْعَدْ دَرَجَةً ثُمَّ يُقَالُ لَهُ هَلْ بَلَغَنَا بِهِ وَأَرْضَيْنَاكَ فَيَقُولُ نَعَمْ”١٤٩.
وفي نفس الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام “وَمَنْ قَرَأَهُ كَثِيراً وَتَعَاهَدَهُ بِمَشَقَّةٍ مِنْ شِدَّةِ حِفْظِهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ أَجْرَ هذَا مَرَّتَيْنِ”١٥٠.
ويتبين من هذا الحديث الشريف أن المطلوب من تلاوة القران الكريم هو تأثيره في أعماق قلب الإنسان، وصيرورة باطنه صورة كلام الله المجيد، وتحويل ما هو ملكة القلب من القران الكريم إلى التحقق والفعلية وذلك حسب ما ورد في الحديث المذكور “مَنْ قَرَأَ القُرْانَ وَهُوَ شَابٌ مُؤْمِنٌ اخْتَلَطَ القُرْانُ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ” حيث يكون كناية عن استقرار صورة القران في فؤاده، بدرجة يتحول باطن الإنسان حسب استعداده وأهليته، إلى كلام الله المجيد والقران الكريم.
وفي حَمَلَةِ القران من تحوّل تمام باطنه إلى حقيقة الكلام الجامع الإلهي، والقران الجامع والفرقان القاطع، وذلك مثل الإمام علي بن أبي طالب والمعصومين من أولاده الطاهرين عليهم السلام، حيث يكون وجودهم ايات طيبات إلهية وايات الله العظمى .
طريقة قراءة القرآن والتلاوة المطلوبة:
وفي المجالس بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام في كلامٍ طويلٍ في وَصْفِ المتَّقِينَ:
“وَإِذَا مَرُّوا بِايَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ فَاقْشَعَرَّتْ مِنْهَا جُلُودُهُمْ وَوَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ فَظَنُّوا أَنَّ صَهِيلَ جَهَنَّمَ وَزَفِيرَهَا وَشَهِيقَهَا فِي أصولِ اذَانِهِمْ، وَإِذَا مَرُّوا بِايَةٍ فِيهَا تَشْويقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً وَتَطَلَّعَتْ أَنْفُسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وَظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ”..
ومن الواضح أن من يتمعّن ويتدبر في معاني القران الكريم، يتأثر قلبه، ويبلغ مقام المتقين شيئاً فشيئاً. وإن حظي بتوفيق وسداد من الله، لَتجاوز هذا المقام أيضاً ولَتحوّل كل عضو وجارحة وقوة منه إلى اية من الايات الإلهية، ولعلّ جَذَوَاتَ خطاب الله وجذباته، ترفعه وتبلغ به إلى مستوى إدراك حقيقة “اقْرَأ وَاصْعَدْ”.
روى الشيخ الكليني – رضوان الله تعالى عليه – بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال: “قُرّاءُ القُرْانِ ثَلاَثَةُ: رَجُلٌ قَرَأَ القرانَ فَاتَّخَذَهُ بِضَاعَةً وَاسْتَدَرَّ بِهِ المُلُوكَ وَاسْتَطَالَ بِهِ عَلَى النَّاسِ. وَرَجُلٌ قَرَأَ القُرْانَ فَحَفِظَ حُرُوفَهُ وَضَيَّعَ حُدُودَهُ وَأَقَامَهُ إِقَامةَ القَدَحِ، فَلاَ كَثَّرَ اللَّهُ هؤُلاَءِ مِنْ حَمَلَةِ القُرْانِ. ورَجُلٌ قَرَأ القُرْانَ فَوَضَعَ دَوَاءَ القُرْانِ عَلَى دَاءِ قَلْبِهِ فَأَسْهَرَ بِهِ لَيْلَهُ وَأَظْمَأَ بِهِ نَهَارَهُ وَقَامَ بِهِ فِي مَسَاجِدِهِ وَتَجَافَى بِهِ عَنْ فِرَاشِهِ، فَبِأُوْلئِكَ يَدْفعُ اللَّهُ العَزِيزُ الجَبَّارُ البَلاَءَ، وَبِأُولئِكَ يُدِيلُ اللَّهُ مِنَ الأَعْدَاءِ، وَبِأُولئِكَ يُنْزِلُ اللَّهُ الغَيْثَ مِنَ السَّمَاءِ، فَوَاللَّهِ لَهؤُلاَءِ فِي قُرّاءِ القُرْانِ أَعَزُّ مِنَ الكِبْرِيتِ الأَحْمَرِ”..
التلاوة والترتيل:
الترتيل في التلاوة، وهو كما في الحديث عبارة عن الحد الوسط بين السرعة والعجلة من جهة، والتأني والفتور المفرطين الموجبين لتفرّق الكلمات وانتشارها من جهة أخرى.
عن محمَّدِ بن يعقوبَ بإسناده عن عبد اللَّه بن سليمان قالَ: “سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: “وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ” قال عليه السلام: قال أميرُ المُؤْمِنِينَ عليه السلام: تَبَيَّنْهُ تِبْيان( تَبْييناً خ ل) وَلاَ تَهُدَّهُ هَدَّ الشِّعْرِ وَلاَ تَنْثُرْهُ نَثْرَ الرَّمْلِ وَلكِنْ أَفْرِغُوا قُلُوبَكُمُ القَاسِيَةَ وَلاَ يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ اخِرَ السُّورَةِ”١٦٢( أي لا يكن هدفكم ختم القران في أيام معدودة أو الإسراع في قراءة السورة والبلوغ إلى اخرها).
فالإنسان الذي يريد أن يتلو كلام الله، ويداوي قلبه القاسي، ويشفي أمراضه القلبية من خلال قراءته للكلام الجامع الإلهي، ويطوي مع نور هداية هذا المصباح الغيبي المنير، وهذا النور على النور السماوي، طريق الوصول إلى المقامات الأخروية والمدارج الكمالية
المصدر :
اقتباسات متنوعة من كتاب الآداب المعنوية للصلاة