مفهوم الفرار لله
قال تعالى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾ سورة الذاريات – الآية ٥٠، في البداية لابد لنا من تعريف مفردة “الفرار“، فهي الهرب من أمر فيه خوف وفزع إلى جهة توفر الأمن والطمأنينة، وهذا واضح من الآية الشريفة أعلاه.
درجات الفرار لله :
١- فرار الناس من الجهل إلى العلم:
وهو أمر واضح لكل الناس وهم يمارسون ذلك بشكل عفوي وتقليدي منذ نعومة أظفارهم، فتراهم يقصدون الروضات والمدارس ودور التعليم لينهلوا من علوم الدين والدنيا كل حسب ميوله وتوجهه. فجميع من أتيحت له الفرصة للتعلم تراه قد قصد معلمًا ومدرسًا ليستفيد من علومه بشكل متواصل، إلى أن تترسخ تلك العلوم في عقول ونفوس المتعلمين، فيمارسونها عمليًّا في حياتهم ليوافق العلم العمل بها.
٢- فرار الناس من الكسل إلى الجد:
وبطبيعة حال الإنسان السليم فإنه يميل دائمًا إلى النشاط والحيوية، ويكره الكسل والانزواء، فيستفيد من العلوم التي درسها وتعلمها ليضعها في قالب عملي يجدُّ فيه لكسب رزقه ليوسع على نفسه وعلى عياله وثوقًا بأن السعي والكد والإصرار والمتابعة تنجز له تحقيق حلمه وتخطيطه في الحياة، بعكس الملل والانزواء اللذين يقضيان على همة الفاشلين من الناس الذين ارتضوا لأنفسهم حياة ملؤها البؤس والكدر.
٣- فرار الناس من الضيق إلى السعة:
وعبر الدرجتين السابقتين يرتقي الإنسان للفرار من الضيق إلى السعة، ومن الحزن إلى الفرح، ومن الانزواء إلى الانطلاق إيمانًا منه بأن لا مجال للتوسع في هذه الحياة والانتقال من حال سيِّئ إلى حال حسن إلا بالتوكل على الله والثقة به ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ سورة الطلاق – الآيتان ٢ و٣. فلا يمكن الفصل بين اللجوء إلى الله تعالى والتوكل عليه وبين توفير الأرضية اللازمة (العلم) للانطلاق بجد نحو تغيير واقع حال الإنسان ليخرج من الضيق إلى السعة ومن التعب إلى الراحة.
ولا نقصد بالفرار هنا أن يبتعد الإنسان عن واقع حياته ويترك مسئولياته اليومية والحياتية الدينية والدنيوية كما يحلو لبعض الناس فعله إذا ما وقع في أزمة أو مشكلة، بل العكس هو الصحيح فهمّة الإنسان السليم تزداد للبحث عن حلول لمشاكله التي يعيشها، والتي هي من أنواع الابتلاءات التي يعيشها جميع الناس، فيفر من الوقوع فيها أو الخروج منها مُلتجئًا بالله وبعلمه وبالمؤمنين الذين يأخذون بيده ليخرجوه مما هو فيها لينجو ويستقر ويطمئن.
والخلاصة: نقول إن الإنسان قد جُبل لمواجهة التحديات ومقاومة الصعاب مهما كانت قوتها، فلا يخضع للمصائب وإن ألمّت به من فقد عزيز أو خسران وظيفة أو فشل في عمل أو رسوب في دراسة أو وقوع في محذور أو ارتكاب معصية أو غيرها من المشاكل التي تقيد يد الإنسان وتقعده عن النظر إلى رحمة الله تعالى. فالعاقل والراشد هو من يجدد طاقته كل حين للمضي قدمًا للاستقرار والاطمئنان، وليس هناك من مرشد ومعلم أفضل من كتاب الله تعالى فيتمسك بالعروة الوثقى التي وضعها الله تعالى كحبل متين من تمسك به نجا. فالاعتماد على غير القوة المطلقة (الله) لا يجدي نفعًا في كل أنواع المشاكل والمصائب، وهو تعالى يسّر لعباده طريق الخلاص من كل همومه وأرشدهم للاستفادة من علماء خلقه الذين أمدّهم من علمه ووضعهم ليأخذوا بيد الضعفاء والمحتاجين.