القبول و الائتلاف
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أفضلكم أحسنكم أخلاقاً، الموطؤون أكتافا الذين يألفون ويؤلفون وتوطأ رحالهم.
الألفة
عندما تكون مشاعرنا الداخلية من نوع السلام والسكينة والطمأنينة والهدوء والبساطة سيكون تأثيرها في الآخرين هو زيادة وعيهم بالتزامن مع وعينا، وسيشعرون باندماج وتواصل معنا، وسيفهمونا على مستوى عميق وسيسعون لوجودنا لأنهم يشعرون باطمئنان، وأنهم محل تقدير، وسيحسون بزيادة وعي لذاتهم الحقيقية وسيشعرون بمشاعر في مستوى أعلى بحضورنا أو عندما يفكرون فينا، واستجابتهم لنا ستكون على قاعدتي الحب والامتنان، ولهذا المستوى تحصل ظاهرة ما يسمى بالتخاطر بتناغم حيث نكون في حالة انسجام تام مع الشخص الآخر والشخص الآخر يستجيب بالمثل فيتم معرفة ما الذي يدور في باله بسلاسة ويصبح هناك قبول تام بيننا.
حالات الوعي المرتفعة لها تأثيرٌ عميقٌ في علاقاتنا فالمثيل يجذب مثيله، وحالاتنا الداخلية تنتشر للآخرين، ويمكننا أنْ نؤثر فيهم إيجابًا حتى وإنْ كنا غير متواجدين معهم على المستوى الجسدي، فالمشاعرُ طاقةٌ، وكلُّ طاقة تطلق ذبذبات كمحطات الإرسال والاستقبال، فكلما أحببنا أكثر وجدنا أنفسنا محاطين بالحب أكثر وهكذا.
القبول
القبول هو الشعور بالإنتماء والترابط والإمتلاء والحب والتفهم والشعور بأنك مفهوم، وهو الرعاية والدفء وتقدير الذات، وهو الشعور بالأمان وأنَّنا يمكننا أنْ نخدم الآخرين بدون أنْ يراودنا شعور التضحية بالذات، كما أنَّ في القبول يكمن المرح والشعور بالتوازن و الاسترخاء والإحساس بأنه لا مشكلة أنْ نكون فقط أنفسنا.
التعاطف
يوجد شعور في حالة القبول بأنَّهُ لا حاجة لتغيير أي شيء، وكلُّ شيءٍ جميلٌ ومتقنٌ بالحالة التي هو عليها، كما يوجد شعور بالتعاطف تجاه الآخرين وكل الكائنات الحية فنرى الآخرين وندعمهم تلقائيًا دون أنْ ينتابنا أي شعور بالتضحية، فبسبب الأمن الداخلي والشعور بالوفرة يتولد فينا سخاءٌ وسهولةُ العطاءِ بدون توقع أنْ يرد الآخرون الجميل، ووفقًا لذلك نرى أنْ كلَّ شيءٍ بالحياة يتطور نحو اكتماله، ونتوافق مع قوانين الوعي والكون، كما أنَّهُ في هذه الحالة نبدأ بإدارك الحب، حيث يصبح الحبّ مستقرا ودائما، فنرى الحبَّ بداخلنا ينبع من طبيعتنا ليصل إلى الخارج، ويشمل الآخرين وذلك بعكس عندما نكون في حالة الرغبة المنخفضة، حيث نعتقد أنْ الحبَّ شيءٌ خارج أنفسنا غريب عنها، وأنَّهُ شيءٌ نحصل عليه ونتطلع أنْ نكونَ محبوبين، فبالقبول يتم التخلي عن الكثير مما يعيق إدراك الحب.
قبول الذات و قبول الآخرين
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له: ضعْ أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا.
مستوى القبول هو مستوى روحي ندرك فيه البراءة الداخلية الفطرية ونتخلى عن الصراعات النفسانية التي يوجهها الخوف، فالسلبية ما هي إلا بسبب العمى والجهل واللاوعي، وبمجرد حسن الظن بالآخرين وحملهم على محامل الخير وإدراك البراءة الداخلية لديهم فسوف يتم ادراك البراءة في ذواتنا أيضًا، وإذا رأينا براءتنا سنتماثل مع الآخرين وينتهي الشعور بالوحدة والتوتر وسنصبح قادرين على رؤية البراءة الكامنة حتى خلف أكثر السلوكيات فظاعةً و طيشًا، ففي حالة القبول يمكن أنْ نصفح عن ماضينا وماضي الآخرين، ونعالج استياءات الماضي وخلق سياق مختلف، نرى من خلاله الماضي وبالتالي نعالجه، ومع اكتمال مستوى التقّبل نشعر بالأمان تجاه المستقبل والإنتقال لمستوى راق من الحب والسلام ويصبح العقل والمنطق أدوات لتحقيق هذه الإمكانية.
وهناك ميزة أخرى في مستوى القبول حيث نتوقف عن الاهتمام بالأحكام الأخلاقية فنكسب القدرة على التفريق بين الضار والنافع والذي يعمل ولا يعمل بدون اطلاق الأحكام، فهناك أبعاد للشعور بالذنب المرافق لكل الأحكام التي نطلقها على الآخرين وعلى أنفسنا، كما يتميز مستوى القبول أيضًا بسلوك الإيثار والخدمة، وهذا ينتج عن التخلي والتخلص من المشاعر السلبية فمستوى القبول يلغي الانحياز والتطابق والتماهي والتماثل مع السلبية ، وبدلاً من ذلك نختبر شعور التناغم والسلام الداخلي كطبيعة لذاتنا وجوهر روحنا، كما أنَّنا نكون على يقين أنْ احتياجاتنا الشخصية تتحقق ولذلك يحدث تحول في العلاقات حيث يتم التركيز على رفاهية الآخرين وسعادتهم، وندرك في هذا المستوى أنَّ لا حاجة تأتي على شكل اعتماد على الآخرين، ولا شيء نحتاج حتى نحصل عليه منهم، كما أنَّهُ لا يتم الاهتمام بالعيوب البسيطة ويتم التغاضي عنها.
المسؤولية الشخصية
عندما نتحمل مسؤولية وعينا الخاص، وتكتسب المواضيع الروحانية و الأخلاقية أهمية كبيرة، وندرك أن المشاعر السلبية جذورها تكمن في الهوى وفي الخلل الكامن في ذواتنا، فلا نعاود البحث خارج أنفسنا عن حلول، بل نأخذ موضوع الوعي والإدراك للذات بجدية، و يزيد الاهتمام بالأمور الصحية والعافية وتحسين أنفسنا على جميع الأصعدة بما فيها النفسية والعاطفية والعقلية، و يتم البحث عن مصادر تساعد على حل المسائل المتعلقة بهذه الجوانب و بالإضافة الى ذلك تتوفر لدينا قوة العلاج الذاتي.
في القبول نتمتع بحرية أنْ نعيش في الآن وهنا ونوجد في الحاضر، ولا يعود هناك أسف على الماضي ولا خوف من المستقبل، فلا مكان حينئذ للطاقات المنخفضة للشعور بالذنب والخوف والغصب والفخر، بل نتحرر من ثقل الماضي وقيود المستقبل، والملاك في ذلك الارتباط بالأمل في الله والرجاء به تعالى الذي نعيشه في كل تفاصيل حياتنا.