كيف تتخلص من التوتر والإجهاد
قد يبدو في حين أنَّهُ لا يوجد شيء يمكنك القيام به حيال التوتر في العمل والمنزل، إلا أنَّ هناك خطوات يمكنك اتخاذها لتخفيف الضغط واستعادة السيطرة.
أهمية إدارة التوتر والاجهاد
إذا كنتَ تعيشُ مع مستويات عالية من التوتر، فأنت تعرض سلامتك بالكامل للخطر، حيث يتسبّب التوتر في إحداث فوضى في توازنك العاطفي، فضلاً عن صحتك الجسديّة، ويحدُّ من قدرتك على التفكير بوضوح والعمل بأقل فعالية، ويثبّط لديك الاستمتاع بالحياة، ولن يكونَ هناك المزيد من الساعات في اليوم، وستظلُّ مسؤوليات عملك والأسرة صعبة دائمًا، لكن لديك القدرة والسيطرة أكثر بكثير مما تعتقد.
تساعدك الإدارة الفعّالة للتوتر على كسر الضغط الواقع على حياتك، حتى تكونَ أكثر سعادة وصحة وإنتاجية، الهدف النهائي هو حياة متوازنة مع وقت للعمل والعلاقات والاسترخاء والمرح والقدرة على الصمود تحت الضغط ومواجهة التحديات وجهًا لوجه، مع العلم أنَّ إدارة الإجهاد لا يناسب الجميع لهذا السبب من المهم إجراء التجربة واكتشاف الأفضل بالنسبة لك، يمكن أن تساعدك نصائح إدارة الإجهاد التالية في القيام بذلك ولكن كيف تتخلص من التوتر ؟
١. حدد مصادر التوتر في حياتك
تبدأ إدارة الإجهاد بتحديد مصادر التوتر في حياتك، في حين أنه من السَّهل تحديد الضغوطات الرئيسية مثل تغيير الوظيفة أو الانتقال من منطقة سكن لمنطقة سكن أخرى أو مشكلات عائلية، وحتى علاقة الآباء بالأبناء قد تكون منطقة توتر بحاجة لنقف عندها كثيرًا في مقالات أخرى، فإنَّ تحديد مصادر التوتر المزمن يمكن أنْ يكونَ أكثر تعقيدًا، ومن السَّهل جدًا التغاضي عن كيفية مساهمة أفكارك ومشاعرك وسلوكياتك في مستويات التوتر اليومية لديك.
قد تعلم بالتأكيد أنَّك قلقٌ باستمرار بشأن المواعيد النهائيّة للعمل، ولكن ربما تكون مماطلتك هي السبب وليس متطلبات العمل الفعليّة، فهو الذي يسبب توترك، ولتحديد المصادر الحقيقية للتوتر انظر عن كثب إلى عاداتك وسلوكك وأعذارك التي تختلقها لتبرير الكثير من السلوكيات التي تزيد من نسبة التوتر لديك:
● هل تفسّر التوتر على أنَّهُ مؤقت (لدي فقط مليون شيء يحدث الآن) على الرغم من أنَّكَ لا تتذكر آخر مرة أخذت فيها استراحة.
● هل تعرف أنَّ التوتر جزءٌ لا يتجزأ من عملك أو حياتك المنزلية (الأشياء دائمًا ما تكون مجنونة هنا) أو كجزء من شخصيتك (لدي الكثير من الطاقة العصبية).
● هل تلوم الآخرين أو الأحداث الخارجية على إجهادك، أو تنظر إليه على أنه أمر طبيعي تمامًا وغير استثنائي؟
حتى تقبل المسؤولية عن الدور الذي تلعبه في إنشائه أو الحفاظ عليه، سيظلُّ مستوى التوتر لديك خارج سيطرتك، إذ يُعدُّ الاعتراف أولى الخطوات المهمة لحل مشكلة التوتر، فالإقرار بوجود التوتر ومعرف أسبابه هو الطريق السليم لوضع الحلول المناسبة.
٢. تدرّب على المبادئ الأربعة لإدارة الإجهاد
إنَّ التوتر هو استجابة تلقائية من جهازك العصبي، إلا أنَّ بعض الضغوطات تنشأ في أوقات يمكن التنبؤ بها، مثل ذهابك إلى العمل وبقاءك في شارع مزدحم بالسيارات، أو لقاء رئيسك في العمل أو التجمعات العائلية، وعند التعامل مع مثل هذه الضغوطات المتوقعة، يمكنك إمَّا تغيير الموقف أو تغيير رد فعلك، وعند تحديد الخيار الذي يجب اختياره في أي سيناريو معيّن فمن المفيد التفكير في العناصر الأربعة: تجنب – عدّل – تكّيف – اقبل، ومن النصائح المفيدة ما يلي:
أ. تجنّب الإجهاد غير الضروري
ليس من الصحي تجنّب المواقف العصيبة التي تحتاج إلى معالجة، والتي يطلق عليه التحديات بل لابد من المبادرة إلى مواجهتها وحلها بإحدى الطرق المعتبرة لحل المشكلات، من حيث تحديد المشكلة وتحليلها والبحث عن الحلول واختبار الحل المناسب، ووضع خطة إجرائية وتطبيقها لتتخلص من تلك المشكلة نهائيًا وتجعلها وراء ظهرك، ولكن قد تتفاجأ بعدد الضغوطات التي يمكنك التخلص منها في حياتك، وأنت لا تبادر بحلّها، وحينئذ تتراكم المشكلات حتى تصبح جبلًا لايمكن إزاحته أو التأثير فيه، بل ويحتاج لجهود جبارة لإزالته.
● تعلمْ كيفية قول “لا“:
اعرف حدودَكَ والتزمْ بها، سواء في حياتك الشخصية أو المهنية، فإنَّ التحمُّل أكثر مما يمكنك هو وصفة مؤكدة للتوتر، ميِّزْ بين “ما يجب” و “ما لايجب“، وعندما يكون ذلك ممكنًا، قل “لا” أتحمّلُ أكثر من طاقتي.
● تجنب الأشخاص الذين يضغطون عليك:
إذا تسبّب شخصٌ ما في ضغوط مستمرة في حياتك، فقلّلْ من الوقت الذي تقضيه مع هذا الشخص، أو أنهِ العلاقة إذ يمثّل نوعًا من الإيذاء العاطفي لستَ بحاجة لذلك الشخص إنْ كان لا يعي ولا يقدّر معنى الصداقة.
● تحكم في بيئتك:
إذا كانت الأخبارُ المنقولةُ تجعلك قلقًا، فأوقفْ تشغيل التلفزيون أو الراديو أو تصفح التويتر أو وسائل التواصل المختلفة، إذا كانت حركةُ المرورِ تجعلك تشعر بالتوتر فاسلكْ طريقًا أطول، ولكنَّهُ أقل حركةً وازدحامًا، وإذا كان الذهابُ إلى السوق عملًا روتينيًا مزعجًا، فقمْ بالتسوق عبر الإنترنت، وهكذا لابد لك من التحكم ببيئتك فأنتَ من يستطيع تعديلها حتى تستطيع السَّيطرة على مشاعرك السلبيّة بل وتغييرها لمشاعر إيجابية.
● قلل من قائمة المهام الخاصة بك:
قمْ بتحليل جدولك الزمني ومسؤولياتك ومهامك اليومية، فإذا كان لديك الكثير من المهام فقم بإسقاط المهام غير الضرورية في أسفل القائمة أو قم بإزالتها تمامًا، ومن هنا فإنّ إدارة الأولويات في سلّم اهتماماتك يحتاج لوضع قائمة الأمور العاجلة والمهمة، حتى تنهيها لتبدأ في إنهاء غيرها من الأمور أقل أهمية ولكنها عاجلة.
ب. غير الوضع
إذا لم تتمكنْ من تجنّب المواقف العصيبة فحاولْ تغييرها، وغالبًا ما يتضمن ذلك تغيير الطريقة التي تتواصل بها وتعمل في حياتك اليومية.
● عبر عن مشاعرك بدلاً من كبتها:
إذا كان هناك شيءٌ ما أو شخصٌ ما يزعجك، فكنْ أكثرَ حزمًا وعبّر عن مخاوفِكَ بطريقةٍ منفتحةٍ ومحترمة، إذا كان لديك امتحانٌ وأنتَ بحاجةٍ للدراسة من أجله وعاد رفيقك في السكن إلى المنزل، فقلْ مقدمًا أنّ لديك خمسَ دقائق فقط للتحدث، وإذا لم تعبّر عن مشاعرك فسوف يزداد الاستياء ويزداد التوتر.
● كن على استعداد لتقديم تنازلات:
عندما تطلبُ من شخصٍ ما تغيير سلوكه، كنْ على استعداد لفعل الشيء نفسه،لأن هذه القيمة قد أكّد عليها القرآن الكريم في قوله تعالى (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) البقرة:٤٤، إذا كان كلاكما على استعداد للانحناء قليلاً على الأقل، فستكون لديك فرصة جيدة لإيجاد حل وسط يرضي الطرفين.
● ضع جدولًا متوازنًا:
العمل المتواصل وعدم الراحة وعدم الاكتراث للترويح عن النفس هو وصفة للإرهاق، حاولْ إيجاد توازن بين العمل والحياة الأسرية والأنشطة الاجتماعية والأنشطة الفردية والمسؤوليات اليومية، ووقت التوقف عن العمل، لأنَّ ذلك يبعثُ على التوازن والاستقرار والراحة النفسيّة، وهو يمثّلُ حافزًا ذاتيًا لمزيد من النشاط والقدرة على الإنتاج وتحقيق الأهداف.
ج. تكيف مع الضغوطات
إذا لم تتمكنْ من تغيير مصدر التوتر فغيّرْ نفسَكَ، بحيثُ يمكنك التكيّف مع المواقف العصيبة واستعادة إحساسك بالسيطرة عن طريق تغيير توقعاتك وسلوكك.
● إعادة صياغة المشاكل:
حاولْ أنْ تنظر إلى المواقف العصيبة من منظور أكثر إيجابية، فبدلاً من الغضب من الازدحام المروري، انظر إليه كفرصة للتوقف وإعادة التجميع، والاستماع إلى محطة الراديو المفضّلة لديك، أو الاستمتاع ببعض الوقت بمفردك، أو الاستماع لموضوع ديني أو تفسير للقرآن الكريم.
● انظر إلى الصورة الكبيرة:
خذْ منظور الموقف المليء بالضغوط واسألْ نفسَكَ عن مدى أهمية ذلك على المدى الطويل، هل سينتهي في شهر؟ أم في سنة؟ هل حقًا يستحق الانزعاج؟ إذا كانت الإجابة “لا“، فركّزْ وقتَكَ وطاقتَكَ في مكانٍ آخر، وابحثْ عن منطقة أماكن لتجديد نشاطك واستعادة توازنك وقدرتك على التحكم بمشاعرك والتأكيد على مهاراتك في تجاوز المواقف الصعبة وحل المشكلات، وأنّك لا تستسلم أبدًا لتلك الضغوط، وحاولْ في كل مرة تتعرض لمثل تلك التحديات أنْ تقلبها لفرص نجاح وتميز.
● اضبط معاييرك:
السعي إلى الكمال هو مصدرٌ رئيسٌ للتوتر الذي يمكن تجنبه، توقفْ عن إعداد نفسك للفشل والاستسلام إليه من خلال السعي الدائم للتميز وتحسين قدراتك، ضعْ معايير معقولة لنفسك وللآخرين، وتعلّمْ أنْ تكون على ما يرام مع قانون “جيد بما فيه الكفاية“.
● مارس الامتنان:
عندما يتسبب التوتر في إحباطك فتوقفْ لحظةً لتفكر في كلِّ الأشياء التي تقدرها في حياتك، وتذكرْ نِعَمَ الله عليك في كلِّ أمورك، وفي مختلف الزوايا، من نعمة الوجود إلى نعمة الحياة وكل شيء، بما في ذلك الصفات الإيجابية والهدايا الخاصة بك والقدرات والمهارات، كلُّ تلك الأدوات والعوامل يمكنُ أنْ تساعدك على إبقاء الأمور في نصابها بفضل تذكر هذه الإستراتيجية “الامتنان والتفضل من الله عليك“.
د. تقبل الأشياء التي لا يمكنك تغييرها
بعض مصادر التوتر لا مفر منها، إذْ لا يمكنك منع أو تغيير الضغوطات مثل وفاة أحد أفراد أسرتك لا سمح الله أو مرض خطير أو ركود اقتصادي، في مثل هذه الحالات فإنَّ أفضل طريقة للتعامل مع التوتر هي قبول الأشياء كما هي، قد يكونُ القبولُ صعبًا، لكن على المدى الطويل فسيكون أسهل من التشكيك في موقف لا يمكنك تغييره.
● لا تحاول السيطرة على ما لا يمكن السيطرة عليه:
أشياء كثيرة في الحياة خارجة عن إرادتنا، لا سيما سلوك الآخرين، فبدلًا من الضغط عليهم ركّزْ على الأشياء التي يمكنك التحكم بها، مثل الطريقة التي تختار بها التعامل مع المشكلات.
● ابحث عن الاتجاه الصعودي:
حاولْ عند مواجهة تحديّات كبيرة أنْ تنظر إليها على أنها فرصٌ للنمو الشخصي والتقدير الذاتي وتحسين وتطوير المهارات وتعزيز القدرات، إذا كانت اختياراتُكَ السيئةُ ساهمتْ في حدوث موقف عصيب فَفكِّرْ فيها وتعلمْ من أخطائك، ففي ذلك درسٌ عظيم لمن يبحث عن التميز والابتعاد عن الإحباط وجلد الذات والتوقف عن العطاء، المواقف الصعبة تعيد بناء وصقل الإنسان، ولكن من زاوية التعلم من التجارب السلبية لتتحول إلى فرص يقتنصها العقلاء.
● تعلم أن تسامح:
تقبّل حقيقة أنَّنا نعيش في عالم غير كامل وأن الناس يرتكبون أخطاء، ويتعرضون لعثرات وأنهم معرضون للإخفاق ويمارسون عند ذلك أساليب غير مناسبة وسلوك غير قويم، فحاولْ أنْ تتخلص من الغضب والاستياء وحرّرْ نفسَكَ من الطاقة السلبية بالتسامح والمضي قُدمًا وساهم بشكل من الأشكال لعلاج تلك التعثرات من خلال قبول الأعذار وحملهم على محامل الخير فذلك أمرٌ بالغُ الأهمية في إبقاء اللحمة والبناء الاجتماعي، بل إنّ التسامح من الصفات الإلهية والإنسانية، وأمّا نقيضها وهي صفة الانتقام من الصفات الحيوانية، من هنا فإنّنا نجد أنبياء الله وأولياءَهُ المتّقين الذين يمثّلون حقًّا معاني الإنسانية يتّصفون بها، يقول سبحانه (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران:١٣٤، وقد جاء في الحديث الشريف عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “عَلَيكُم بِالعَفوِ، فَإِنَّ العَفوَ لا يَزيدُ إِلاّ عَّزاً“شبّر، الأخلاق، ص١٦٥، وهذا إمام المتقين وأمير المؤمنين علي عليه السلام بيّن تلك الحقيقة فقال: “جـازِ بِالحَسَنَةِ، وَتَجـاوَزَ عَنِ السَّيئَةِ مـا لَم يَكُن ثَلماً فِي الدِّينِ أَو وَهناً فِي سُلطـانِ الإسلامِ“الريشهري، ميزان الحكمة، ج٣ ص٢٠١٥.
● شارك مشاعرك:
قد يكون التعبيرُ عمَّا تمرُّ به أمرًا مريحًا للغاية، حتى لو لم يكن هناك ما يمكنك فعله لتغيير الموقف المليء بالضغوط، تحدثْ إلى صديقٍ تثق به أو حدّدْ موعدًا مع معالج فتلك المشاركة ستقدم لك خدمة كبيرة في تجاوز المواقف الصعبة، وهو نوعٌ من الدَّعم الذي يحتاج إليه الإنسان بين فترة وأخرى عندما تضيق به الأمور، ويصل إلى الأبواب المؤصدة، عند ذلك لابد له من التحرك سريعًا نحو طلب المساعدة حتى لا تتحول تلك المواقف الصعبة إلى اضطراب يعاني من خلاله القلق ما يضطره إلى العلاج النفسي.