قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لقائل قال بحضرته: (أَسْتَغْفِرُ اللهَ)، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، أَتَدْرِي مَا الْإِسْتِغْفَارُ؟ الْإِسْتِغْفَارَ دَرَجَةُ الْعِلِّيِّينَ، وَهُوَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ:
أَوَّلُهَا: النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى.
وَالثَّانِي: الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ إِلَيْهِ أَبَدًا.
وَالثَّالِثُ: أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَى اللهَ أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا.
وَالْخَامِسُ: أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اللَّحْمِ الَّذِي نَبَتَ عَلَى السُّحْتِ، فَتُذِيبَهُ بِالْأَحْزَانِ، حَتَّى يَلْصِقَ الْجِلْدُ بِالْعَظْمِ، وَيَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ.
وَالسَّادِسُ: أَنْ تُذِيقَ الْجِسْمَ أَلَمَ الطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاَوَةَ الْمَعْصِيَةِ، فَعِنْدَ ذلِكَ تَقُولُ: (أَسْتَغْفِرُاللهَ).
برنامج ال١٢ خطوة هي تقنية تستخدم في علاج الكثير من أنواع الإدمان، حيث يُعّرف الإدمان بعدم القدرة النفسية على التوقف عن استهلالك مادة معينة (مثل إدمان الكحول أو المخدرات أو التدخين) أو الكف عن سلوك معين (مثل إدمان مشاهدة الأفلام الخليعة، أو ممارسة العادة السرية ، أو الألعاب الإلكترونية).
طبعًا أي نوع من أنواع الإدمان يخلق أزمات نفسية صعبة، وينشأ بيئة غير مؤاتية أمام الأسر، ويسهم في إحداث نزاعات وخلافات زوجية معقدة، فقد يستيقظ الأب المدمن بعد سنوات ليجد نفسه أنه دمرّ عائلته وسبّب لأفرادها الكثير من المشاكل والأمراض نفسية.
وقد نشأتْ فكرةُ العلاج ضمن برنامج الإثنى عشر خطوة كتطوير للعمل الروحي حيث تم الاستفادة من برامج الاستغفار والتوبة، واستخدامه في علاج الإدمان على شرب الكحول (الخمر)، ثم تعميم هذه التقنية لتعالج أنواع الإدمان المختلفة.
طريقة العلاج
يمكن أن يستخدم هذا النوع من العلاج بشكل فردي، أو ضمن العلاج الجماعي حيث يضمُّ كل نوع من الإدمان مجموعة مترابطة تستهدف التخلص من ذلك الإدمان، فمثلًا انشاء رابطة لعلاج المدمنين على الألعاب الإلكترونية، ومجموعة أخرى للإقلاع عن مشاهدة الأفلام اللأخلاقية وهكذا.
خطوات العلاج بتقنية برنامج ال١٢ خطوة
الخطوة الأولى: الاعتراف والشعور بالعجز والضعف، “إلهي انْ كانَ قدْ دنا أجلي ولمْ يُقربني منكَ عمَلي، فقدْ جعلتُ الإعترافَ إليكَ بذنبي وسائل عللي“، هذ فقرة من فقرات الداء الشهير ويمسى دعاء أبي حمزة الثمالي وهو مروي عن الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام.
إنَّ مرتبة الاعتراف بالذنب والضعف والأعتذار في مقابل الخنوع وقبول الخطيئة، وهذه المرتبة التي لا تخلو من الشعور بالانكسار والندم بين يدي الله، تهيئ الإنسان لنزول الرحمة، لأنَّ الله عند المنكسرة قلوبُهُم، وكأن المدمن الذي يشعر بثقل جنايته على نفسه يقول: “اِلـهي أَلْبَسَتْنِي الْخَطايا ثَوْبَ مَذَلَّتي، وَجَلَّلَنِى التَّباعُدُ مِنْكَ لِباسَ مَسْكَنَتي، وَأماتَ قَلْبي عَظيمُ جِنايَتي، فَأَحْيِهِ بِتَوْبَة مِنْكَ يا أمَلي وَبُغْيَتي وَيا سُؤْلي وَمُنْيَتي، فَوَعِزَّتِكَ ما أجِدُ لِذُنوُبي سِواكَ غافِرًا، وَلا أَرى لِكَسْري غَيْرَكَ جابِراً، وَقَدْ خَصَعْتُ بِالْاِنابَةِ اِلَيْكَ، وَعَنَوْتُ بِالْاِسْتِكانَةِ لَدَيْكَ“، وهذا جزء من مناجاة التّائبين للإمام السجاد عليه السلام .
فيقر المدمن في خلوة بينه وبين نفسه ويعترف: “أنني كنت ضعيفًا أمام مواد معينة يتعاطاها كالخمر والمخدرات أو سلوك معين كالألعاب الإلكترونية أو النظر أو ممارسة العادة السرية، وأنَّ حياتي كانت مضطربة وغير منضبطة ومملوءة بالفوضى بسبب ذلك الضعف .
الخطوة الثانية: الإيمان والتعلق بالله: فهناك إله قوي، هو الله وحده تعالى اللامتناهي الغني والحكيم والعالم بالحال، والقادر على أنْ يعيد المدمن إلى رشده، فيخلو المدمن بين يديّ الله ويخاطب نفسه: ” إِلهِي لَمْ يَكُنْ لِي حَوْلٌ فَأَنْتَقِل بِهِ عَنْ مَعْصِيَتِكَ إِلّا فِي وَقْتٍ أَيْقَظْتَنِي لِمَحَبَّتِكَ“، وهذه إحدى عبارات المناجاة الشعبانية.
الخطوة الثالثة: نقل الإرادة: فإذا شعر المدمن بالضعف والعجز، فلينقل إرادته لله، ليسلم حياته كلها له تعالى، للرب الذي يعرفه، فيواصل المدمن التائب حيدثه مع الله وَكَما أَرَدْتَ أَنْ أَكُونَ كُنْتُ فَشَكَرْتُكَ بإدْخالِي فِي كَرَمِكَ وَلِتَطْهِيرِ قَلْبِي مِنْ أَوْساخِ الغَفْلَةِ عَنْكَ“.
الخطوة الرابعة: الاستبطان وتذكر الماضي: نبش الماضي بشكل جريء، ويذكّر المدمنُ نفسَهُ كل أخطاء الماضي، وتقصيره في حق أسرته ومجتمعه، فيجتهد في عملية الجرد الأخلاقي، وفحص النفس بأمانة وشجاعة وجرأة وكتابة أعمق ما يمكن التوصل إليه من مطاوي النفس، ودون مؤاربة ومجاملة، وكيفية تأثير الآخرين، ولماذا ما تزال الأضرار بقية إلى الآن، وكم من الأضرار التي يسببُها الإدمان على الغير، سيكتب المدمن ما هو صالح وما هو سيء.
الخطوة الخامسة: الاعتراف أمام الله وأمام النفس والمجتمع أنْ كان متجاهرًا بإدمان له أضرار اجتماعية، نعم يجبُ على الإنسان أنْ يستر نفسه ما أمكنه ولا يجوز له شرعًا أنْ ينشر ذنوبه في الملأ، نعم يجبُ عليه أنْ يعلن توبته إنْ كان ذنبُهُ السابق مشهورًا ويوضّحُ أنَّهُ رجع إلى رشده وإلى جوهره وذاته الحقيقية المتأصلة والمرتبطة بالله، فيخلو المدمن مع الله ويردد: “ثُمَّ أنَا يا اِلهَى الْمُعَتَرِفُ بِذُنُوبى فَاغْفِرْها لى، أنَا الَّذى اَسَأتُ، أنَا الَّذى اَخْطَأتُ، أنَا الَّذى هَمَمْتُ، أنَا الَّذى جَهِلْتُ، أنَا الَّذى غَفِلْتُ، أنَا الَّذى سَهَوْتُ، أنَا الَّذِى اعْتَمَدْتُ، أنَا الَّذى تَعَمَّدْتُ، أنَا الَّذى وَعَدْتُ، وَأنَا الَّذى اَخْلَفْتُ، أنَا الَّذى نَكَثْتُ، أنَا الَّذى اَقْرَرْتُ، أنَا الَّذِى اعْتَرَفْتُ بِنِعْمَتِكَ عَلَىَّ وَعِنْدى، وَاَبُوءُ بِذُنُوبى فَاغْفِرْها لى، يا مَنْ لا تَضُرُّهُ ذُنُوبُ عِبادِهِ، وهُوَ الَغَنِىُّ عَنْ طاعَتِهِمْ، وَالْمُوَفِّقُ مَنْ عَمِلَ صالِحًا مِنْهُمْ بِمَعُونَتِهِ وَرَحْمَتِه، فَلَكَ الْحَمْدُ اِلهى وَسيِّدى، إلهى اَمَرْتَنى فَعَصَيْتُكَ، وَنَهَيْتَنى فَارْتَكَبْتُ نَهْيَكَ، فَاَصْبَحْتُ لا ذا بَرآءَة لى فَاَعْتَذِرُ، وَلا ذا قُوَّة فَاَنْتَصِرُ، فَبِأَىِّ شَىءٍ أَسْتَقْبِلُكَ يا مَوْلاىَ، أَبِسَمْعى أَمْ بِبَصَرى، أم بِلِسانى، أَمْ بِيَدى أَمْ بِرِجْلى، أَلَيْسَ كُلُّها نِعَمَكَ عِندى، وَبِكُلِّها عَصَيْتُكَ يا مَوْلاىَ، فَلَكَ الْحُجَّةُ وَالسَّبيلُ عَلىَّ، يا مَنْ سَتَرَنى مِنَ الاْباءِ وَالاْمَّهاتِ أَنْ يَزجُرُونى، وَمِنَ الْعَشائِرِ وَالاْخْوانِ اَنْ يُعَيِّرُونى، وَمِنَ السَّلاطينِ أَنْ يُعاقِبُونى، وَلَوِ اطَّلَعُوا يا مَوْلاىَ عَلى مَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنّى اِذاً ما اَنْظَرُونى، وَلَرَفَضُونى وَقَطَعُونى، فَها اَنَا ذا يا إِلهى بَيْنَ يَدَيْكَ يا سَيِّدى خاضِعٌ ذَليلٌ، حَصيرٌ حَقيرٌ، لا ذُو بَرآءَة فَاَعْتَذِرَ، وَلا ذُو قُوَّة فَاَنْتَصِرُ، وَلا حُجَّة فَاَحْتَجُّ، بِها، وَلا قائِلٌ لَمْ اَجْتَرِحْ، وَلَمْ اَعْمَلْ سُوأً، وَما عَسَى الْجُحُودُ وَلَوْ جَحَدْتُ يا مَوْلاىَ يَنْفَعُنى، كَيْفَ وَأَنّى ذلِكَ وَجَوارِحى كُلُّها شاهِدَةٌ عَلَىَّ بِما قَدْ عَمِلْتُ، وَعَلِمْتُ يَقينًا غَيْرَ ذى شَكٍّ أَنَّكَ سآئِلى مِنْ عَظائِمِ الاْمُورِ، وَأنَّكَ الْحَكَمُ الْعَدْلُ الَّذى لا تَجُورُ، وَعَدْلُكَ مُهْلِكى، وَمِنْ كُلِّ عَدْلِكَ مَهْرَبى، فَإِنْ تُعَذِّبْنى يا اِلهى فَبِذُنُوبى بَعْدَ حُجَّتِكَ عَلَىَّ، وَإِنْ تَعْفُ عَنّى فَبِحِلْمِكَ وَجُودِكَ وَكَرَمِكَ، لا اِلهَ إِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ اِنّى كُنْتُ مِنَ الظّالِمينَ، لا إِلهَ اِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ إنّى كُنْتُ مِنَ الْمُسْتَغْفِرينَ، لا اِلهَ اِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ اِنّى كُنْتُ مِنَ الْمُوَحِّدينَ، لا اِلهَ إِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّى كُنْتُ مِنَ الْخائِفينَ، لا اِلهَ إِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّى كُنْتُ مِنَ الْوَجِلينَ، لا اِلهَ إِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّى كُنْتُ مِنَ الَّراجينَ، لا إِلهَ إِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّى كُنْتُ مِنَ الرّاغِبينَ، لا إِلهَ اِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّى كُنْتُ مِنَ الْمُهَلِّلينَ، لا إِلهَ اِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّى كُنْتُ مِنَ السّائِلينَ، لا اِلهَ إِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ اِنّى كُنْتُ مِنَ الْمُسَبِّحينَ، لا اِلهَ إِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّى كُنْتُ مِنَ الْمُكَبِّرينَ، لا إِلهَ اِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ رَبّى وَرَبُّ آبائِىَ الاْوَّلينَ“.
الخطوة السادسة: تهيئة النفس لقبول التوبة، والتعرض لنفحات الله تعالى ليزيل كل هذه الشوائب في الشخصية، فقد جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنَّ لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا له لعله أنْ يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدا“، وهذا نحو من أنحاء الاستغفار والإنابة لله تعالى، ليزيل تعالى ما علق في النفس من أدران وأوساخ وحجب.
الخطوة السابعة: إدمان الدعاء لله تعالى والتضرع له قال تعالى: “قُلْ مَا يَعْبَؤُاْ بِكُمْ رَبِّى لَوْلَا دُعَآؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًۢا” ، وسؤال الله بلسان الفقر والحاجة أن يمحوى تلك العيوب، مع العزيمة الصادقة أن لا يعود المدمن لإدمانه ، وأن يتحمل التوتر والقلق في سبيل الله تعالى.
الخطوة الثامنة: رد المظالم وإرجاع الأموال وأداء الديون، وبلسمة جروح من تم الإسائة لهم بسبب الإدمان، فيكتب المدمن قائمة باسماء جميع من لحقه ضرر أو إسائة بسبب الإدمان، فقد يكون تنمر أو شتم أو استهزء بشخص اثناء إدمان المنافسة في الألعاب الإلكترونية، وقد يكون قذف عرض، أو جرح إنسان بسبب إدمان المخدرات، وقد يكون قصر في بره بوالديه، يكتب اسماء كل الناس الذين آذاهم، ويخلص النية والعزيمة في تقديم العوض لهم.
الخطوة التاسعة: البدأ بالتعويض وبشكل مباشر قدر المستطاع ، إلا إذا كان التعويض يؤذيهم ويؤذي الآخرين، فيلتمس طرقًا شرعية أخرى للتعويض، وكما قال أمير المؤمنين عليه السلام :”أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَى اللهَ أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ“.
الحطوة العاشرة: متابعة الفحص والجرد الذاتي والمحاسبة من جديد، فإذا كان التائب على خطأ في التشخيص أو كان قد جامل نفسه يعترف حالًا بضعف المحاسبة .
الخطوة الحادية عشر: الانعطاف نحو الصلاة والعبادة والإتصال الواعي بالله، والإجتهاد في تقديم إرادة الله تعالى على إرادة العبد وقوته على قوة العبد، وكما يقول الأمير عليه السلام: “أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا“.
الخطوة الثانية عشر: وهي مرحلة راقية من الاستيقاظ الروحي حيث يتقبل التائب ألم الطاعة، ويجتهد في الصيام وبرامج تنزيه الروح والخواطر، ومن ثَمّ يبدأ سعيه في نقل رسالة الهداية إلى المدمنين، فيعمل كطبيب دوار بطبِّهِ:
١- كنا مستعدين تمامًا لجعل الله يزيل كل هذه العيوب في الشخصية .
٢- طلب منه بتواضع أنْ يزيل عيوبنا.
٣- أعد قائمة بجميع الأشخاص الذين أضرنا بهم، وأصبحنا على استعداد لتعويضهم جميعًا.
٤- إجراء تعديلات مباشرة على هؤلاء الأشخاص حيثما كان ذلك ممكنًا، إلا عندما يؤدي ذلك إلى إيذائهم أو إصابة الآخرين.
٥- استمر في إجراء الجرد الشخصي، وعندما كنا مخطئين، اعترفنا بذلك على الفور.
٦- سعى من خلال الصلاة والتأمل إلى تحسين صلتنا الواعية الله على قدر فهمنا له، والصلاة فقط لمعرفة مشيئته لنا والقوة لتنفيذ ذلك.
٧- بعد صحوة روحية كنتيجة لهذه الخطوات، حاولنا نقل هذه الرسالة إلى مدمني الكحول، وممارسة هذه المبادئ في جميع شؤوننا.