الأنسان روح وأنا زائف، الروح هي العمق، والأنا الزائف فيه الكثير من الخدع والحيل، ونحن في مجاهدة النفس مسؤولون أن نحمي الروح من أن تكسوها الأنا بأقنعتها المتعددة، وهذا ما يفتح بابا للجهاد الطويل مع زيف الأنا، ويقتضي منّا أنْ نستخدم الطريقة الوحيدة عند الروح وهي المراقبة الواعية والمتنّبه لما يجري في النفس “ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ” سورة الأعراف، آية ٢٠١.
لذلك لابد لنا أن نبحث بشكل مفصل عن آليات الدفاع عند النفس وحيلها، في الواقع نحن نستعير هذا كله من نتائج ما توصل إليه الدكتور فرويد في تحليله لمكونات الأنا والتي عُرِف عنه أنَّه قسمها إلى:
ID الهو: وهي تحوي المخزون الغرائزي والشهوات.
الأنا العليا: وهي تحوي مخزون القيم والمبادئ الموروثة من المجتمع.
الأنا: وهو من عليه أن يتخذ القرار ويصلح الصراع بين الأنا العليا والهو ويوجد بينهما شيء من الموائمة، ومن هنا تستعين الأنا بالحيل وآليات الدفاع المختلفة؛ لتخفف التوتر والألم والضغوط الناتجة عن ذلك الصراع في دواخلها، وتجعلَ الحياة سهلة.
ما نسعى إليه أنْ نراقب هذه الحيل وكيف تعمل في داخلنا لا في أنفس الآخرين، وإلا فإنّه ومن ظمن حيلها أن تبعدك عن مراقبتها وتشتتك فتجعلك تكتشف الغير وتضعه على مقصلة النقد، فتقول لفلان: “أنت عندك كبت، وذاك يستخدم آلية الهروب، والثالث يسقط عيوبه على غيره“.
القناع الأول الانسحاب التراجع والإنطواء:
كما سبق وتمّت الإشارة أن الإنسان تحت الضغوط التي تسبب له توتر وقلق قد يكون راغبًا في نيل اهتمام الآخرين، أو الشعور بالأمن أو الراحة، وليحصل على أي واحدة مما سبق يتراجع ويختفي والمنسحبون ثلاثة أنماط :-
المنسحب الأول: وهو مَنْ يعيش الأخيلة والآلام ويكثَّف مشاعره، وتسكنُهُ أمنيةٌ أنْ يأتيَهُ المنقذُ ليخلصَهُ من هذه الأحاسيس ويلطَّف على قلبه الحسَّاس بعض أوجاعه.
المنسحب الثاني: ينسحب لتقليل احتياجاته للآخرين لأنَّ الواقع المحيط به كما ترى الأنا هو واقع متطلب، فالأنا هنا تبخلُ عن إعطاء الغير مساحة من وجودها فهي مشغولة تريد أنْ تخلوَ وتبتعد عن المجتمع حتى لا تدفع ضريبة هذا التواصل، والحيلة الأفضل للتجنب هي التقوقع والإنطواء، وهنا لا تبحث الأنا عن منقذ بل تفضّلُ أن لا يتطفل شخصٌ ما ويمد يد المساعدة وينقلها للمجتمع غير المأمون، هي تخلو لتكثف الأفكار ولتدقق في أمور بعيدة جدًا ولا تمس العاطفة بصلة، مع صناعة وهم الخبرة وأنك:” أنت الخبير الذي يحتاج الآخرون إلى معرفتك وأنت لا تحتاج لهم“، ربما يكون هذا الشخص المنسحب زوجًا فينسحب عن زوجه ولا يبادله العواطف ويبقى قابعًا في رأسه، لا يتبادل الحديث وكل ذلك حرصًا منه أن لا يدفع فاتورة التفاعل العاطفي؛ مثل: الذهاب للسوق، أو شراء الأغراض أو دفع بعض النفقات، أو الجلوس معًا ساعة أو ساعتين للغزل وتبادل عبارات الغرام، لا تريد الأنا أن تعطي شيء من مساحتها للغير ، لأن هذا الأنا يسجنك في عقلك وتفكيرك فهو يفضل أن تقضي ساعات طويلة في التفكير ودراسةَ أي شيء مهما كان على أن تقوم بأداء بعض المهام الإنسانية تجاه أقرب الناس إليك، هذه الآلية من آليات الدفاع تصنع البخل العاطفي والبخل المالي.
المنسحب الثالث: وهو صنف آخر من المنسحبين ينسحب ويتقوقع؛ لأنه لا يحب المشاكل، بل يريد أن يسترخي وينام لمدة طويلة، وأفضل شيء في الحياة أن يجد له أريكة يتمدد عليها، ربما يجلس لمدة ساعات لا يستشعر شيء ذا بال ولا يفكر في أي أمر، وهو يعتقد أنه في سلام من الداخل، قد يتسمّر أمام شاشة التلفاز، إنه دائمًا ما يجد أقرب الأبواب للفرار من مواجهة أي مشكلة.
تدريب: كن أنت الشاهد
١- هل تستخدم حيلة الانسحاب والانطواء ؟
٢- راقب نفسك اقبض عليها وهي متلبسة بجعلك تتراجع ثم تقفل.
تحرّك بشكلٍ عملي ضد هذا الزيف، إنْ كنتَ تختبيء ليبحث عنك أحدهم، فابقَ ظاهرًا، واسمح لمشاعر الألم والتوتر أنْ تبقى بصحبتك في العلن، وإنْ كنتَ تهرب من دفع الضريبة على مستوى الشعور أو المال فاستثمر في العواطف وتقبل أنْ تدفع ثمن الإنسانية، وإنْ كنت تنسحب لتسترخي أزل أريكتك المفضلّة واستبدلها بمواجهة المشكلة فور حصولها بشكل عملي.