النظرية السلوكية: ترى أنّ سلوك الإنسان يتشكل من خلال التعلم والاكتساب، مثالها: طفل عاش في بيئة تتسم بالتعنيف، فالأخ الكبير يعنف الأخت الصغيرة، لذلك هذا الطفل سيكتسب سلوك التعنيف من خلال نموذج حي أو من خلال بيئة تعزّز وتشجّع على هذا السلوك السلبي.
النظرية المعرفية: ترى أنّ سلوك الإنسان يتشكل من خلال الأفكار التي يحملها عن نفسه.
ويستهدف العلاج السلوكي المعرفي الأفكار الخاطئة والتصورات المغلوطة والفرضيات غير الصحيحة والتي تكون تحت مسمى الأخطاء المعرفية، التي يحملها الشخص عن نفسه أو عن أمر ما، والتي تؤثر على سلوكه، ويتمُّ تشخيص ومعالجة هذه بمساعدة المعالج أو الطبيب، إذ يعتمد هذا النوع من العلاج على النموذج المعرفي الذي يقول بأن السلوك والمشاعر الإنسانية هي نتيجة تفكير الشخص ويقسم هذا النموذج المعتقدات أو الأفكار الشخصية إلى ثلاث مستويات:
المستوى الاول: المعتقد الراسخ أو المحوري: غالبًا ما ينشأ مع الانسان منذ نعومة أظفاره، و يتأثر بالوراثة والتربية والمعاناة التي عاشها الشخص فترة طفولته، وينتج عنها معتقدات سلبية راسخة، مثلاً: أنا غير كفؤ أو أنا ناقص، ومن الصعب تغيير هذه المعتقدات إلا أن ذلك لا يعد من الأمور المستحيلة.
المستوى الثاني: المعتقدات الافتراضية: هي الافتراضات الخاطئة التي يضعها الإنسان عن نفسه ويقوم بالبحث عن أدلة من حياته اليومية لدعم هذه الافتراضات، مثلا: فكرة أنا لا أفهم مثل باقي زملائي، و في حال فشله في الاختبار: أنا فشلت لأنني لا أفهم، وبغض النظر عن بقية العوامل التي تسبب فشله، ويمكن تغيير هذه الأفكار من خلال الجلسات العلاجية.
المستوى الثالث: الأفكار الأوتوماتيكية أو الأفكار التلقائية: مثل السلوك التجنبي ومشاعر الحزن والعصبية والذنب، وهو ما يعرفه العامة بحديث النفس، وله ارتباط مباشر بالأعراض الجسمية مثل زيادة نبضات القلب وزيادة معدل التنفس والتعرق وبعض آلام البطن والصدر، وعادة يركز المريض على هذا المستوى لوجود أعراض جسدية واضحة، ويعتمد المعالج على أسلوب التدرج في علاج الأفكار الأوتوماتكية (الآلية)، فينقل الفرد للمستوى الثاني ثم المستوى الأول إلى أن يصل الفرد إلى مرحلة الثقة بالنفس.
مثال: إذا تعرض الشخص لموقف معين، ردة فعله تجاه الموقف أو سلوكه إضافة إلى المشاعر التي تنتابه خلال الموقف هي مرتبطة بأفكاره وطريقة تفسيره للموقف، وهكذا يتم تفسير ردود الفعل المختلفة للمواقف المتشابهة عند الأشخاص، فلو افترضنا أن شخصًا تعرض لحادث سيارة فهناك اتجاهان لردة فعله:
الاتجاه الأول ردة فعل الشخص تتسم بالبكاء والحزن تصاحبها أعراض خفقان القلب والتوتر بسبب تفكيره بالجانب السلبي والخسائر التي لحقت به وكيف سيقوم بتعويضها.
الاتجاه الثاني تفكير الشخص وردة فعله تعبّر عن امتنانه وحمده لله على سلامته، وأنّ الخسائر قد اقتصرتْ على الجانب المادي فقط، رؤيته للحادث من الجانب الإيجابي يقلل من منسوب حزنه وتوتره.
ولكلِّ شعورٍ سببٌ ينبعُ من رؤية الفرد للموضوع وطريقة تفكيره به
١– الشعور بالتعب والخذلان هو نتيجة التفكير بأن الصعوبات ستدوم للأبد.
٢- الشعور بالقلق هو نتيجة التفكير بأخطار المستقبل
٣- الشعور بحقارة الذات هو نتيجة مقارنة الذات بالغير.
٤- وغيرها من المشاعر السلبية التي لا يمكن حصرها وتكون نتيجة التفكير السلبي لدى الشخص.
استخدامات أو مجالات :
تستخدم لعلاج العديد من الاضطرابات النفسية، وبعضها تتزامن مع استخدام الأدوية العلاجية اعتمادًا على حالة الشخص، مجالات العلاج كالتالي:
١– علاج الاكتئاب.
٢- القلق.
٣- الوسواس القهري.
٤- تعكر المزاج ثنائي القطب.
٥- الرهاب.
٦- اضطرابات الأكل.
٧- اضطراب مابعد الصدمة.
٨- الاضطرابات الجنسية.
٩- اضطرابات النوم.
١٠- اضطراب تعاطي المخدرات.
١١- الفصام.
١٢- إدارة سيطرة الغضب.
١٣- ويكون كعلاج مكمل للمرضى الذين يعانون من السرطان و الروماتويد وغيرها من الأمراض المزمنة.
من أهم الأسس التي يعتمد عليها نجاح هذا النوع من العلاجات هي:
١– بناء العلاقة بين المعالج والمريض: (العلاقة الإرشادية) القائمة على الثقة والاحترام والتقبل، ومن المهم جدًا أن يكون المعالج متمرسًا وذا مهنية عالية، وخاصة أنّ المرضى في هذا المجال ذو حساسيةٍ عاليةٍ وسرعةِ ملاحظة.
٢- تحديد الخط القاعدي: وهو مستوى تطور أو تقدم المشكلة أو الحالة المرضية لدى الشخص، وهذا يتمُّ تحديدُهُ عادةً في الجلسات الأولى من خلال التاريخ المرضي، والأسئلة التي يوجهها المعالج للمريض، ولغة الجسد ، والتواصل البصري وتقنيات أخرى.
أنواع العلاج السلوكي المعرفي:
يمكن أن يكون العلاج فرديًا أو جماعيًا أو من خلال كتب وتطبيقات على البرامج الإلكترونية، وتأتي خطوات العلاج السلوكي المعرفي كما يلي:
١– تحديد الأفكار اللاعقلانية والمعتقدات التي يحملها الشخص عن نفسه والتعرف عليها، فكيف يفكر ويفسر الأحداث؟ يُطلب من المريض أن يذكر بعض المواقف التي يعاني منها أو يعتبرها مشكلة، أو معتقدات يحملها، أو يتم اعطاؤه سيناريو ويتم سؤاله عن الأفكار اللاعقلانية أو السلبية التي مرت عليه، مثال ذلك: الخوف من الامتحان، أو الرهاب من شيء معين، أو الاعتقاد أنه غير محبوب.
٢– ربط الأفكار بالمشاعر والسلوك، ويتم ربط المشاعر السلبية التي تنتاب الشخص بأفكاره اللاعقلانية، وخلق الوعي عند المريض بأن هذه المشاعر هي نتيجة أفكار سلبية عندها، من أمثلتها:
● سلوك الخوف من الامتحان يرتبط بفكرة الرسوب أو أن مستقبله سيهدم بمجرد رسوبه.
● الاكتئاب لشعوره بأنه غير محبوب والمرتبط بفكرة أنه يجب أن يكون محبوب عند الجميع.
٣– مرحلة تفنيد هذه الأفكار أو المعتقدات بعد تحديدها وذلك بواسطة طرق عديدة منها:
● الحوار السقراطي: يُطلب دليل على هذه الأفكار السلبية واللاعقلانية فيبدأ الشخص بالتشكيك في هذه الأفكار نحو: ما الدليل على انك سترسب في الامتحان؟ أو أن مستقبلك رهن الامتحان؟ أو هل حقًا أنت غير محبوب؟ هل طريقة تعبير عن الحب سواء بين الناس؟
● طريقة المنحدر العكسي: تسخيف الفكرة اللاعقلانية أو السلبية التي يحملها الشخص عن نفسه نحو: إذا وقفت أمام الجمهور سوف أفشل، وإذا فشلت ماذا سيحدث؟
٤- مرحلة استبدال الأفكار السلبية بغيرها إيجابية وتحويلها لأفكار إيجابية وعقلية، نلاحظ كيف يتغير سلوك الشخص ومشاعره إذا أصبحت أفكاره أكثر إيجابية من خلال عدة تقنيات منها:
● تقنية الحديث الذاتي الإيجابي: أنا سأنجح – أنا قادر – الجميع يحبني لكن بطريقته – وليس عليَّ إرضاء الجميع.
● تقنية حل المشكلات ومواجهتها وتحديد استراتيجيات لحلها بدل حل المشاكل بشكل عشوائي.
● تقنية تقليل الحساسية التدريجي مثل مواجهة الخوف تدريجيًا وغيرها من التقنيات.
كم تستغرق مدة العلاج؟
تكون جلسات العلاج منظمة ومحددة مسبقًا ومدة العلاج قصيرة المدى نسبيًا من 10-20 جلسة في كل أسبوع إلى أسبوعين تقريبًا، ويعتمد مدى فاعلية ونجاح هذه الجلسات على عوامل كالتالي:
١– نوع الاضطراب النفسي(وسواس – رهاب – قلق).
٢- شدة الأعراض.
٣- المدة التي يعاني فيها من الأعراض ومدى التوتر لدى الشخص.
٤- مدى الدعم الإجتماعي الذي يتلقاه من المجتمع والبيئة المحيطة به وغيرها.
تطبيق على جلسات العلاج السلوكي المعرفي:
الوسواس القهري
ملاحظة: جلسات التعرض الأولية لابد أن تكون ٩٠ دقيقة لكي تسمح للمريض بالتعود عليها، من المستحسن بعد جلسة التعرض الأولى تخصيص جلسة من ٤٥ دقيقة نهاية الأسبوع للتأكد من عدم وجود مشاكل من وجبات التعرض.
الجلسة ١-٢:
١– التقييم:
● تقييم المشكلة الحالية والاستفسار عن الأعراض.
● قوِّم وجود الأفكار الوسواسية والأفعال القهرية.
● قوِّم وجود تصرفات تجنبية.
● قوِّم وجود خلل في العلاقات الإجتماعية أو الأكاديمية أو الوظيفية.
● قوِّم مدى الدعم الإجتماعي ومدى اندماج أفراد العائلة في الأفعال القهرية.
● اطلب من المريض ملء استمارة الوسواس القهري.
● أقدم للمريض (مقاييس القلق) عند الحاجة.
● تحقق من وجود تشخيص مزدوج (مثل الاكتئاب أو القلق).
٢– تعريف المريض بالعلاج:
● أخبر المريض بالتشخيص وخيارات العلاج شاملة الأدوية.
● ابدأ بتكوين أهداف العلاج القصيرة والبعيدة المدى.
٣– الواجبات:
● اجعل المريض يبدأ قراءة الكتب المُساعدة.
● اجعل المريض يبدأ كتابة أهداف العلاج.
مثال: شخص يعاني من الوسواس القهري في النظافة، والأعراض التي يعاني منها تكرار غسل اليدين عند لمس الأسطح، والشعور بحكة في اليدين والتعرق، الأفكار التي تراوده هي قذارة كل شيء وانتقال الميكروبات من الأسطح إلى يديه عند لمسها؛ قطع أغلب العلاقات الإجتماعية لتقليل التعرض لهذه المواقف ومنع الإحراج، فهذا يعاني من اكتئاب مصاحب للحالة والشعور بالقلق .
الجلسات ٣-٤:
١– التقييم:
● قوِّم الواجبات.
● قوِّم القلق والاكتئاب بالإضافة إلى رغبة المريض في العلاج وحرصه عليه.
٢– تعريف المريض بالعلاج:
● ناقش مفاهيم العلاج المعرفي السلوكي للوسواس القهري مع شرح العلاج المعرفي السلوكي.
● أخبر المريض بنتائج الأبحاث.
● عزز الدافعية للعلاج إذا احتاج الأمر.
٣– السلوكي:
● درب المريض على مهارات الاسترخاء.
٤– الواجبات:
● اجعل المريض يكتب إيجابيات وسلبيات الاستمرار في العلاج.
● اجعل المريض يبدأ في كتابة وملء سجل الأفكار الوسواسية والأفعال القهرية.
● اطلب من المريض أن يمارس الاسترخاء التنفسي.
٥– متابعة التطور:
مثال الجدول: التقييم من ٠-١٠
الجلسات ٥-٦:
١- كما في الجلسات ٣-٤ التقييم.
٢- مشاركة المريض:
● احصل على التزام المريض بالعلاج.
● ثقف أفراد العائلة بالمرض ودورهم في العلاج إذا كان ذلك مناسباً.
٣- التدخل السلوكي:
● درب المريض على الاسترخاء العضلي.
● ساعد المريض على تكوين مدرج للوساوس والمواقف المتجنبة.
● خطط لبداية جلسات التعرض.
● درب المريض على مهارات منع الاستجابة : التأجيل ، الإبطاء ، تغيير الإعدادات.
٤- التدخل المعرفي:
● ثقف المريض عن الأفكار الدخيلة وأنها ظاهرة طبيعية.
● ساعد المريض في الاستنباط من التجارب السلوكية (مثل تجنب أو عدم تجنب الأفكار وتعقب النتائج، محاولة التأثير على الأحداث بواسطة الأفكار).
٥- الواجب المنزلي:
● اجعل المريض يكمل تدوين (سجل الأفكار الوسواسية والأفعال القهرية).
● اطلب من المريض ممارسة الاسترخاء التنفسي و العضلي.
● اطلب من المريض أن يقوم بتجربة سلوكية.
● اطلب من المريض ممارسة إعاقة وعرقلة الأفعال القهرية.
الجلسات ٧-١٠:
١– التقييم:
● كما في الجلسة ٣-٤.
٢– التدخل السلوكي:
● التعرض ( إليهما التخيلي والحقيقي ) للنقاط الأولية في مدرج الأفكار الوسواسية.
● ساعد المريض على وقف الطقوس المصاحبة للفكرة الوسواسية التي يجري عليها التعرض.
٣– الواجب:
● على المريض أن يعيد التعرض يومياً.
● اجعل المريض يستمر في تدوين (سجل الأفكار الوسواسية والأفعال القهرية ).
● المواصلة في إكمال تمارين الاسترخاء.
الجلسات ١١-١٦:
١– التقييم:
● كما في الجلسة ٣-٤.
٢– التدخل السلوكي:
● أكمل التعرض حسب مدرج الأفكار الوسواسية.
● ابدأ التعرض لمسلسل المواقف المتجنبة.
● راقب أي تجنب الواجبات التعرض.
● أكمل مساعدة المريض على إيقاف الأفعال القهرية.
● تأكد من عدم وجود أي فتور في منع الاستجابة.
● عالج أي أفكار تؤدي إلى تجنب التعرض.
٣– التدخل المعرفي:
● عالج أي أفكار ممكن أن تؤدي إلى الأفعال القهرية.
● ساعد المريض على تقييم فوائد ومضار الأفعال القهرية.
● عالج الأفكار الأتوماتيكية.
٤– الواجب:
● اجعل المريض يستمر في تدوين (سجل الأفكار الوسواسية والأفعال القهرية ).
● اطلب من المريض تسجيل أي أفكار أتوماتيكية من الممكن أن تؤدي إلى الانتكاسة.
● ممارسة التعرض يومياً.
● ممارسة الاسترخاء يومياً.
الجلسات ١٧-٢٠:
١– التقييم:
● كما في الجلسة ٣-٤.
● تأكد من عدم وجود أي أفكار وسواسية متبقية.
● تأكد من أي مشاكل في الحياة ممكن أن تعيق العلاج.
٢– التدخل السلوكي:
● اجعل المريض يطبق تمارين الاسترخاء عند ضغوط الحياة.
● أكمل مدرج التعرض.
● أكمل مساعدة المريض في إيقاف الأفعال القهرية.
● متابعة أي إخفاق في منع الاستجابة.
٣– التدخل المعرفي:
● تابع مقاومة الأفكار الأتوماتيكية.
● ساعد المريض على اكتساب المهارات المعرفية للتعامل مع ضغوط الحياة.
٤– منع الانتكاسة:
● ثقف المريض بإمكانية وجود أعراض متبقية واستخدام الانتكاسات الفرصة لتطبيق المهارات.
● تأكد من عدم وجود أي ضغوط أخرى.
● راجع مهارات التأقلم مع وضع سياسات للضغوط المستقبلية.
● حدد المشاكل الحياتية الحالية.
● اجعل المريض يعد قائمة بكل المهارات التي اكتسبها وتعلمها خلال الفترة العلاجية.
● حث المريض على الإتصال إذا احتاج الى جلسات إضافية.
٥– الواجب:
● اجعل المريض يمارس واجبات التعرض بنفسه.
● حفز المريض على مواصلة استخدام المهارات التي تعلمها.