الاستشفاء بالقرآن عند أهل البيت
قال رسول الله صلى الله عليه وآله:”مَن لم يستشفِ بالقرآن فلا شفاه الله”، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: “القرآن هو الدواءُ”، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: “استشفِ بالقرآن فإِن الله عز وجل يقول (وشفاءٌ لما في الصدور)، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: “من استشفى بغير القرآن فلا شفاه الله”.
قال علي بن خلف: شكا رجل على محمّد بن حميد الرازي الرمد فقال له: أَدِمَ النظر إِلى المصحف فإِنه كان بي رمدٌ فشكوت ذلك إِلى حَزيز بن عبد الحميد فقال لي: أَدِم النظر إِلى المحف فإِنه كان بي رمدٌ فشكوت إِلى الاَعمش فقال لي: أَدِم النظر إِلى المصحف فإِنه كان بي رمدٌ فشكوت ذلك إِلى عبد الله بن مسعود فقال لي: أَدِم النظر إِلى المصحف فإِنه كان بي رمدٌ فشكوت ذلك إِلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لي: أَدِمِ النظر إِلى المصحف فإِنه كان بي رمدٌ فشكوتُ ذلك إِلى جبرئيل فقال لي: أَدِمِ النظر إِلى المصحف.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “شفاءُ أُمتي في ثلاث: آية من كتاب الله أَو لِعقة من عسل أَو شَرطةِ حجّام”، وقال الامام علي بن أبي طالب عليه السلام: “ثلاثة يزدن في الحفظ ويذهبن بالبلغم: قراءَة القرآن واللُبان والعسل”، وسئل الامام الباقر محمّد بن علي عليهما السلام عن المريض هل يعلق عليه تعويذ أو شيء من القرآن فقال عليه السلام: “نعم لا بأْس به، إِن قوارع القرآن تنفع فاستعملوها”، وقال الامام الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: “السِواك وقراءَة القرآن مقطعة للبلغم”، وقال الامام الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: “لا بأْس بالرقية والعوذة والنشرة إِذا كانت من القرآن، ومن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله، وهل شيء أَبلغ في هذه الاَشياء من القرآن؟ أَو ليس الله يقول: (وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) سورة الإسراء، آية ٨٢”.
قال الامام الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: “من قرأ مائة أية من أَيِّ آى القرآن شاءَ ثم قال سبع مرات: يا الله فلو دعى على الصخور فلقها”، وفي رواية أُخرى: لقلعها إِن شاءَ الله، وقال الامام الكاظم موسى بن جعفر عليهما السلام: “في القرآن شفاءٌ من كلِّ داء”.
وقد افتتح الكلام فيه بقوله فيما تقدم: “إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم“ سورة الإسراء، آية ٩ ثم رجع إليه بقوله: “ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا” الخ وقوله “وإذا قرأت القرآن” إلخ وقوله: “وما منعنا أن نرسل بالآيات” إلخ، فبين في هذه الآيات أن القرآن شفاء ورحمة، وبعبارة أخرى مصلح لمن صلحت نفسه ومخسر للظالمين، وأنه آية معجزه للنبوة ثم ذكر ما كانوا يقترحونه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الآيات والجواب عنه وما يلحق بذلك من الكلام.
وفي الآيات ذكر سؤالهم عن الروح والجواب عنه، قوله تعالى: “وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارًا” من بيانية تبيّن الموصول أعني قوله: “ما هو شفاء” إلخ، أي وننزل ما هو شفاء ورحمة وهو القرآن، وعدَّ القرآن شفاء، والشفاء إنما يكون عن مرض، وذلك دليل على أن للقلوب أحوالًا نسبة القرآن إليها نسبة الدواء الشافي إلى المرض، وهو المستفاد من كلامه سبحانه حيث ذكر أنَّ الدين الحق فطرى للانسان، فكما أن للبنية الانسانية التي سويت على الخلقة الأصلية قبل أن يلحق بها أحوال منافية وآثار مغايرة للتسوية الأولية استقامة طبيعية تجري عليها في أطوار الحياة كذلك لها بحسب الخلقة الأصلية عقائد حقة في المبدء والمعاد وما يتفرع عليهما من أصول المعارف، وأخلاق فاضلة زاكية تلائمها ويترتب عليها من الأحوال والأعمال ما يناسبها.
فللانسان صحة واستقامة روحية معنوية كما أن له صحة واستقامة جسمية صورية، وله أمراض وأدواء روحية باختلال أمر الصحة الروحية كما أن له أمراضًا وأدواء جسمية باختلال أمر الصحة الجسمية ولكل داء دواء ولكل مرض شفاء، وقد ذكر الله سبحانه في أناس من المؤمنين أن في قلوبهم مرضًا وهو غير الكفر والنفاق الصريحين كما يدل عليه قوله:”لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم“ سورة الأحزاب، آية ٦٠، وقوله: “وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ما ذا أراد الله بهذا مثلا”سورة المدثر، آية ٣١.
وليس هذا المسمى مرضًا إلا ما يختل به ثبات القلب واستقامة النفس من أنواع الشك والريب الموجبة لاضطراب الباطن وتزلزل السر والميل إلى الباطل واتباع الهوى مما يجامع ايمان عامه المؤمنين من أهل أدنى مراتب الايمان ومما هو معدود نقصا وشركا بالإضافة إلى مراتب الايمان العالية، وقد قال تعالى: ” وما يؤمن أكثرهم بالله الا وهم مشركون ” يوسف ١٠٦ وقال: ” فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما النساء: ٦٥.
والقرآن الكريم يزيل بحججه القاطعة وبراهينه الساطعة أنواع الشكوك والشبهات المعترضة في طريق العقائد الحقة والمعارف الحقيقية ويدفع بمواعظه الشافية وما فيه من القصص والعبر والامثال والوعد والوعيد والانذار والتبشير والاحكام والشرائع عاهات الأفئدة وأفاتها فالقرآن شفاء للمؤمنين.
وأما كونه رحمة للمؤمنين – والرحمة افاضه ما يتم به النقص ويرتفع به الحاجة – فلان القرآن ينور القلوب بنور العلم واليقين بعد ما يزيل عنها ظلمات الجهل والعمى والشك والريب، ويحليها بالملكات الفاضلة والحالات الشريفة الزاكية بعد ما يغسل عنها أوساخ الهيئات الردية والصفات الخسيسة.
فهو بما انه شفاء يزيل عنها أنواع الأمراض والادواء وبما انه رحمة يعيد إليها ما افتقدته من الصحة والاستقامة الأصلية الفطرية فهو بكونه شفاء يطهر المحل من الموانع المضادة للسعادة ويهيئها لقبولها، وبكونه رحمة يلبسه لباس السعادة وينعم عليه بنعمة الاستقامة. فالقرآن شفاء ورحمة للقلوب المريضة كما أنه هدى ورحمة للنفوس غير الامنة من الضلال، وبذلك يظهر النكتة في ترتب الرحمة على الشفاء في قوله: ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ” فهو كقوله: ” هدى ورحمة لقوم يؤمنون: يوسف: ١١١ وقوله: ” ومغفرة ورحمة ” النساء: ٩٦، فمعنى قوله: ” وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ” وننزل إليك أمرا يشفى امراض القلوب ويزيلها ويعيد إليها حالة الصحة والاستقامة فتتمتع من نعمة السعادة والكرامة.
وقوله: ” ولا يزيد الظالمين الا خسارا ” السياق دال على أن المراد به بيان ما للقرآن من الأثر في غير المؤمنين قبال ما له من الأثر الجميل في المؤمنين فالمراد بالظالمين غير المؤمنين وهم الكفار دون المشركين خاصة كما يظهر من بعض المفسرين وانما علق الحكم بالوصف أعني الظلم ليشعر بالتعليل اي ان القرآن انما يزيدهم خسارا لمكان ظلمهم بالكفر، والخسار هو النقص في رأس المال فللكفار رأس مال بحسب الأصل وهو الدين الفطري تلهم به نفوسهم الساذجة ثم إنهم بكفرهم بالله وآياته خسروا فيه ونقصوا، ثم إن كفرهم بالقرآن وإعراضهم عنه بظلمهم يزيدهم خسارا على خسار ونقصا على نقص إن كانت عندهم بقية من موهبة الفطرة، وإلى هذه النكتة يشير سياق النفي والاستثناء حيث قيل: ” ولا يزيد الظالمين الا خسارا ” ولم يقل ويزيد الظالمين خسارا.
وبه يظهر أن محصل معنى الآية أن القرآن يزيد المؤمنين صحة واستقامة على صحتهم واستقامتهم بالايمان وسعادة على سعادتهم وإن زاد الكافرين شيئا فإنما يزيدهم نقصا وخسارا، وللمفسرين في معنى صدر الآية وذيلها وجوه أخر أغمضنا عنها من أراد الوقوف عليها فليراجع مسفوراتهم، ومما ذكروه فيها أن المراد بالشفاء في الآية أعم من أشفاء الأمراض الروحية من الجهل والشبهة والريب والملكات النفسانية الرذيلة وشفاء الأمراض الجسمية بالتبرك بآياته الكريمة قراءة وكتابة هذا.
ولا بأس به لكن لو صح التعميم فليصح في الصدر والذيل جميعا فإنه كما يستعان به على دفع الأمراض والعاهات بقراءة وكتابة كذلك. يستعان به على دفع الأعداء ورفع ظلم الظالمين وإبطال كيد الكافرين فيزيد بذلك الظالمين خسارا كما يفيد المؤمنين شفاء هذا، ونسبة زيادة خسارهم إلى القرآن مع أنها مستندة بالحقيقة إلى سوء اختيارهم وشقاء أنفسهم إنما هي بنوع من المجاز، قد قال أمير المؤمنين علي عليه السلام في خطبة له عن فضل القرآن: “وإستعينوا به للأوائكم” واللأواء هي الشدائد والصعوبات،
خواص الآيات والسور القرآنية
قول الإمام الصادق عليه السلام : “كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كسل وأصابته عين أو صداع، بسط يديه فقرأ فاتحة الكتاب والمعوذتين، ثم يمسح بهما وجهه ، فيذهب ما كان يجده ” . وروي عن الإمام الباقر سلام الله عليه قال : ” من لم تبرئه الحمد [ يعني سورة الفاتحة] لم يبرئه شيء “. وقال إمامنا الصادق عليه السلام : ” من نالته علته فليقرأ الحمد (سورة الفاتحة ) سبع مرات، فإن ذهبت العلة وإلا فليقرأها سبعين مرة وأنا الضامن له العافية “. وجاء في حديث آخر، قال عليه السلام : ” ما قرأت الحمد على وجع سبعين مرة إلا سكن بأذن الله، وإن شئتم فجربوا ولا تشكوا ” . وقد روى الفريقان عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: عن سورة الفاتحة ” هي شفاء من كل داء إلا السام ” ، والسام هو الموت وحلول الأجل.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام وقد سأله ابن سنان عن حكم العوذات والأحراز فأجاب عليه السلام قائلاً : ” يا بن سنان، لا بأس بالرقية والعوذة والنشرة إذا كانت من القرآن، ومن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله، وهل شيء أبلغ في هذه الأشياء من القرآن؟” أليس الله يقول ” وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين “، أليس يقول الله جلّ ثناؤه ” لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله “.
ثم قال عليه السلام : “سلونا نعلمكم ونوقفكم على قوارع القرآن لكل داء “، وقال الإمام الباقر عليه السلام: “إن قوارع القرآن تنفع فأستعملوها”، والمقصود بالقوارع الآيات الكريمة التي تقرع الداء فتدفعه وعليه نجد أهل بيت النبوة عليهم السلام يأمروننا بأستعمال هذه الوصفات القرآنية شريطة نفي الشك عن القلوب والتعبد لله في استخدامها كوسيلة لطلب الشفاء منه عزوجل، كما يأمروننا بالرجوع الى أئمة الهدى عليهم السلام لمعرفة قوارع القرآن وما ينفع منها لكل داء، فهذا من العلم الذي خصّ الله به أوليائه عليهم السلام.
ولا مجال للشك في ادنى ذلك لمن آمن بالله وقدرته وإستجابته للدعاء الذي يرفع القضاء المبرم، وأنه تبارك وتعالى هو مسبب الأسباب وبيده كل الأسباب.