الباحثون عن القيمة
الخواطر التي تنطلق من الإحساس الدائم بالعوز :”أنا في حد ذاتي غير كافي لا قيمة لي داخليا ، وإنما أكسب قيمتي من نظرة الآخرين لي ” قد تتحول لفكرة مهيمنة ، وفي أحيانا تجدها على شكل شعور بالوحدة والغربة والفراغ ، وعادة ما تكتمل المشكلة حينما تحاول الحصول على هذه القيمة من الآخرين، أو التطمين النفسي وملأ الفراغ بالتعلق بأحدهم .
نموذج آخر من الخواطر المرتبطة باكتساب القيمة يتعلق بالمهنة والمركز الإجتماعي: “فأنا لا قيمة لي بدون لقب أتمثل به اجتماعيًا كلقب سعادة الدكتور أو سماحة الشيخ وغيرها من الألقاب“، هذا قد تستنزف هذه الخواطر عمرك وربما تسلبك حيويتك، لاحظ أن كل الألقاب والإمتيازات سوف تتخلى عنك في يوم ، فالزهد فيها قد يمنحك اطمئنان.
البعض يجد نفسه صاحب وجاهة وقيمة الآن ولكن الخوف من قيمته المستقبلية يسلبه الراحة، فالخوف ردة فعل طبيعية جدًا تجاه الخطر، وما دامت الأنا تشعر بأنها مهددة بالهجوم وفقدان شيء عزيز فسوف تبقى في توتر مستمر، لاحظوا أنَّ التنبوء واستخدام الحدس وتوقع ما يمكن أن يجري في المستقبل، واعتبار هذا التكهن حقيقة واقعية وترتيب الآثار على هذا التخمين هو أحد أسباب القلق .
الشعور بعدم الثقة بالناس
تعتمد التصورات الذهنية أحيانًا على الخيال وإعطاء إيماءات الناس وحركاتهم ونبرات الصوت والطريقة التي يرمقونك بها تفسيرات غير منطقية، كالإحساس بأن الناس يراقبونك، ويتأمرون عليك، في هذه الحالة يلعب الوهم دورًا خطيرًا فهو يفسح المجال للنفس للارتياب في الناس والإتهام والشك وانعدام الثقة، ويطور الشخص المرتاب رُؤَاه حول الناس الذين يحسبهم يتجسسون عليه، في هذه الحالة يصعب الاسترخاء وتتخذ النفس دائما وضعية الدفاع ، ولن تقبل بحلول وسط، ستتراجع بك إلى الوراء خطوة لتنعزل وتعطي معاني خفية للأحداث، وفي خلواتك هذه مع سيل الخواطر المزدحمة وتيار المشاعر السلبية المتلاطمة، ستبدأ مشوارًا طويلا من التشكيك في دوافع وأفعال الآخرين، ربما ينتابك إحساسٌ قويٌ ومهيمنٌ بأن لك مقامًا وقيمة معنوية مخفية غير معترف بها من قبل الآخرين، وربما تصدق نفسك أن هناك قوى تتلاعب بك ، وتعمل ضدك، وعلى سبيل المثال، قد يظن أحدهم أنه يخضع لضغوط، وأن الناس يتعمدون تقويض حياته ، وحينما يصيبه الأرق ويقل نومه، فقد تتطور الخواطر والأوهم وتتفتق مخيلتُهُ عن أفكار غير واقعية ربما تكون على شكل إتهام بالخيانة الزوجية والأخلال بالشرف، أو أنَّ فلان يتعامل مع السحر وربما العين والحسد، أو تسليط بعض قوى الشر المغيّبة كالقرين والجن وغير ذلك.
ولن يبقى التشكيك منحصرًا في دواخله بل سيجهر به عبر الكلمات، وسيتمظهر في سلوكات غريبة الأطوار، هناك خلطة من الإجهاد والتوتر وعوامل ترتبط بالكيمياء الحيوية تسهل نشوء مثل هذا الأوهام والأخيلة التي تُفيضُ تلك الخواطر والمشاعر.
تمارين ( تقبّل الضغط الموجود)
عندما يغيب التسليم يحلُّ محله الرفض، لذلك فإنَّ مفتاح نجاتك ونجاة بيئتك يمر من بوابة أن تكون أنت الشاهد على الدوافع، لذلك:
● راقبْ إدمانك على الخلوة مع النفس لتشك وتفكر وترتاب، وشاهد الدوافع الذاتية التي تغور في العمق ، هل شعورك بعدم الأمان من المحيط ، أو استخدامك الدائم للتنبوء والتوقع بما يمكن أن يجري في المستقبل وترتيبك الأثر على هذا الحدس، يعود لعوامل ذاتية كإحساس بقصورك و شعورك بعدم كونك كفوًا لمواجهة الحياة، إن قبضت بوعيك على الأنا متلبسة بخداعك أن قيمتك تنبع من نظرة الناس لك، وأنَّها هي من يجعلك تشعر أنك في معرض التهديد والخطر، فستكون قد بدأتْ الخطوة الأهم في مشوار سلامك الداخلي ووجدت الطريق للتسليم والرضا بقدرك وعدم الرفض .
● أما الخطوة الثانية في التمرين فهي أن تتحرك ضد الأنا المنعزلة والمنغلقة وتتعلم كيفية التعبير عن نفسك وعواطفك بطريقة إيجابية .
● وكحركة أقوى وخطوة ثالثة أشد على الأنا في المجاهدة أن تستبدل سيل الخواطر والمشاعر المتهمة للغير بسلوكات ومهارات التأقلم وتقبل الآخرين.