سبل السلام

الإمام علي (عليه السَّلام): «من السَّعادة التوفيق لصالح الأعمال». 

(ميزان الحكمة 4/223، الريشهري)
الحرية الداخلية

إلقاء اللوم على الآخرين

إلقاء اللوم على الآخرين يعتبر نوعًا من آليات الدفاع، غرضها خفض التوتر الداخلي ولكنها في الوقت نفسه تدمر الذات، يؤدي اطلاق الأحكام المستمر ونقد الآخرين إلى الإنفصال عنهم فتأخذ العلاقات شكل تعلقات مع مشاعر الخوف والغضب والغيرة، التي ترافق تهديد لهذه التعلقات، وكذلك تنتج السلبية الداخلية والقصور الداخلي والضعف، وبسبب عدم الوضوح الداخلي للأهداف يحصل تشوشٌ يؤدي الى الشفقة على الذات والحسد والمزيد من الاستياء، وبالتالي يزيد الشعور بالذَّنب والنَّقص، ويجد البعض أنَّ الوسيلة للهروب هي من خلال هوس العظمة وعدم التسامح والتعصب والعجرفة والغضب، فتأخذ شكل قسوةٍ وتعالٍ وشراسةٍ وعدم اكتراثٍ بمشاعر ِالآخرين، كما أنَّ تقدير الذات المنخفض ينتجُ عنه انتقادًا للذات وللآخرين، وتنافسًا مستمرًا ومقارناتٍ وتحليلًا وازدراءً وشكًا ورغبةً بالانتقام، وعندما تفشل كل هذه الآليات يعود شعور اللامبالاه واليأس والتضحية.

والغرض العاطفي من هذا كله معاقبةُ الآخرين وجعلهم يشعرون بالأسف ومحاولةُ إجبارهم على تغيير مشاعرهم أو سلوكهم وجعلهم يعانون بسبب التقليل من قيمتهم والانقاص من شأنهم، ولمعالجة هذا الجانب علينا أنْ نصعد إلى مستوى الشجاعة وننظر إلى أسوأ مشاعرنا ونعترف بأنَّها جزءٌ من كوننا بشر، وأنَّنا لا نتحمل إلا مسؤولية ما نفعله معهم، وهكذا سيتضح لنا أنَّ هذه المشاعر السلبية تكبد ذواتنا الداخلية، وهذا السبب وحده كافٍ لتبرير سبب التمعن بها والإصرار على التخلص منها، فكل غضبنا واستيائنا يعود إلى تصورنا نحن أي إلى الطريقة التي من خلالها نرى الموقف وعندما يتم معالجة المشاعر الداخلية تتغير الطريقة التي نرى الأحداث من خلالها .

لذا عندما نكون لدينا القدرة على التخلص من دوافع اللوم والنقد المرضي نتمتع بعلاقات سوية ومتزنة، لأننا نحب النَّاس، ولسنا متعلقين بهم، ويمكننا أنْ نسمحَ لهم أنْ يكونُوا احرارًا، ولا تتعرض علاقتُنَا معهم للغيرة أو التهديد، ولا نكون ضحايا التلاعب بنا، لأننا وجدنا إشباعنا الداخلي بكل الأحوال، فعندما نتعامل مع الأفكار والمشاعر والمواقف السلبية بصورة إيجابية وفاعلة فإننا نستعيد قوتنا، ولا نعود تحت تأثير الحاجة لاستحسان الآخرين، ونبدأ بمحبة الآخرين لماهم عليه وليس لما يمكنهم أنْ يقوموا به من أجلنا.

وكلما انخفض مستوى الشعور بالذنب زاد تقديرُنا لذاتنا، فلا نتعرض للابتزاز العاطفي ونتوفق نحن أيضًا عن ابتزاز الآخرين من خلال الضغط العاطفي، لأن العلاقات مبنية على الصدق، فالشخص المستسلم لايعود بحاجة إلى الآخرين من أجل الاشباع الشخصي، ولكنه مهتم باختياره بسبب الحب والمتعة فالتعاطف تجاة الآخرين وتجاه انسانيتهم.

حالة الحرية الداخلية

نستقل عن العالم الخارجي في حالة التسليم كمصدر رضا، لأننا وجدْنا مصدر السعادة بداخلنا، وتتمُّ مشاركة السعادة مع الآخرين، لهذا يصبح الشخص المستسلم في العلاقات طرفًا داعمًا ومتعاطفًا ومشجعًا وصبورًا ومتسامحًا، ويصبح هناك تلقائية في تقدير قيمة الآخرين وقدرهم وفي مراعاة مشاعرهم، ونشعر في هذه الحالة بالارتياح والحيوية، ونزخر بالطاقة وتتدفق أحداث الحياة بتلقائية وسلاسة، ولا نعود نستجيب للنَّاس بدافع التضحية، بل نرى أننا نخدم الآخرين من باب الحب وأن تلك الخدمة مصدر مهم من مصادر الألفة والتكافل الاجتماعي، وتكون الشخصيةُ لطيفةً ومنفتحةً ومستعدةً لفك التعلق والزهد بدون توقف، حيث يتحول الشعور الداخلي إلى شعور بالامتنان والسرور والثقة، ومن خلال المراقبة الداخلية وربط تلك المراقبة بالقربة إلى الله تعالى يتحقق الفهم بأنْ هناك شيئًا ما يبقى ثابت ولا يتغير مهما حصل بالعالم الخارجي أو مع الجسد والمشاعر والعقل، ومع هذا الإدراك تأتي حالة الحرية التامة، ويتم اكتشاف الذات الداخلية ويأتي مع هذا الوعي هدوءٌ داخليٌ وسكونٌ واحساسٌ عميقٌ بالسلام الداخلي، لأنّ المحرك لذلك السّلوك هو رضا الله تعالى.

التحرر العاطفي:

عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: “إحصد الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك، وقال لرجل رآه يسعى على عدو له بما فيه إضرار بنفسه: إنما أنت كالطاعن نفسه ليقتل ردفه“.

ترتبط العلاقات برغباتنا الأساسية في الحب والأمان، وهي تمتلك قيمةً عاليةً جدًا بغض النظر عما إذا كانت تصنف بأنَّها جيدة أو سيئة، ففي عملية التحرر العاطفي يبدو كلُّ شيءٍ ذا قيمةٍ على حد سواء، وهذه المشاعر عبارة عن برمجات واستجابات مكتسبة حيث أننا عندما نقوم بفعل شيء معين فإننا نؤثر في مشاعر الغير نحونا ونحقق أهدافنا الداخلية، فلو ألقينا نظرة على الاستجابات العاطفية وغرضها الحقيقي سنجد أنَّه ليس على الاستجابات العاطفية أية سلطة على الحب، لأن الحب حالة من الاتحاد بالآخر وهو ليس مجرد عاطفة تأتي وترحل. وهذا بخلاف كلُّ المشاعر التي نشعر بها تجاه الآخرين والتي تنطوي على اعتقاد جوهري بأنَّنا غير مكتملين بداخلنا، ولذلك يتم اعتبار الآخرين والاستفادة منهم وسيلة لتحقيق غاية ما، إلا أنَّ كل ذلك لا يحصل في مستوى التحرر العاطفي والمحبة البريئة.

شارك المقال:
هل وجدت هذا المقال مفيدًا ، يمكنك الاشتراك لتصلك مقالات مشابهة
مواضيع ذات علاقة
التنفس الهاديء

التنفس الهاديء

قاعدة الخمس ثوان

قاعدة الخمس ثوان

العمل بالضد الأخلاقي

العمل بالضد الأخلاقي

التعامل مع الخسارة

ترك التعلق وفك الارتباط

الحرية الداخلية

إلقاء اللوم على الآخرين

العلاج بالوعي | الطمأنينةُ و الوقار في سَكينَة

العلاج بالوعي

خيالات جنسية -A plant emerging from a crack in the ground.

طاب وضعه بعد المجاهدة والإصرار

المشاعر السلبية في العمل

المشاعر الايجابية والسلبية

الفخر

النرجسية

هل تكتب مقالات؟

تستطيع الكتابة لمساعدة الآخرين، اكتب لنا و سننشر لك مع الاعتبار لسياسة كتابة المقالات التي نتبعها

Survey
Interested in reading articles
Articles Writer