سبل السلام

الإمام علي (عليه السَّلام): «في لزوم الحقِّ تكون السَّعادة».

(ميزان الحكمة 4/222، الريشهري)
الحب

الحب الطاهر

الحب بين الزوجين

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قول الرجل للمرأة: إنّي أُحبكِ لا يذهبُ من قلبِها أبدًا.

الحبُّ كما أنه لغةُ الجمال ومنطقُ الخير كله، ومصنعُ الحنان والإخلاص والتسامح والتعاون والنهوض والرأفة والدفئ والامتنان والتواضع وصفاء السريرة والعذوبة، كذلك هو أسلوب حياة، وهو الطاقة التي تشعُّ من الكينونة والجوهر والداخل عند التخلي عما يحجبه، وهو أكبر من كونه عاطفة أو فكرة، لأنَّ الحبّ في أصله انجذاب نحو اللامتناهي من الجمال والكمال فهو حالة وجودية تنفتح لنا من خلال التخليّ والتحليّ.

الحب في الحياة الزوجية

كلُّ زوج لديه الفرصة للمساهمة في جمال الأسرة وتناغمها، من خلال التعامل اللطيف مع جميع أفرادها، فما نقدمه للأسرة بلا حساب يغمرنا مجددًا، لأنَّنا جزءٌ منها، فكل هِبة تعود إلى واهبها، وبمجرد استعدادنا لإعطاء الحُب نكتشف بسرعة أنَّنا محاطون به، فالحب حاضرٌ في كل مكان.

إنَّ الحبَّ يجيد كل لغات التعبير عن النفس، لغة العطاء، والتنازل، والتقدير والاحترام، والتفاهم، وتكريس الوقت، وفي الحياة اليومية وممارساتنا وتجاربنا الحياتية هناك عدة أنواع من الحب، منها حب الزوجة وحب الأطفال وحب الآباء والأمهات وحب الإنجاز والمساهمة بالإضافة للحب الشخصي، وكل تلك الأنواع تصنع من الحياة عالمًا تسوده السعادة والاطمئنان.

الحب شفاء

يسهّل الحب المقدس والمنضبط بضوابط الشريعة البعيد عن حالة التشهي والشره عملية الشفاء، فعندما يجد الطفل أو الزوج أو الأخ أو الانسان المحبة تغمره سوف يتعلم التخلص من العادات السيئة، ولن يستطيع مزاولتها أبداً، ويكتسب أموراً أخرى يستحيل القيام بها إلا من خلال قيمة الحب، وسترى أنَّ النَّاس يقومون بأمور من أجلك فقط، ولا يقومون بها من أجل الآخرين، فالحبُّ يسمح بحدوث التشافي الذاتي و يغير إلى الأجمل.

المحبةُ أسلوب حياة، يبدّل كل شيء بصمت نحو الأجمل، أمَّا الصفح فهو جانب من الحب، يسمح لنا برؤية أحداث الحياة بعين شاكرة فنتوب ونرجع لله ونسامح أنفسنا على الأخطاء التي قمنا بها عندما كنا أقل نضجًا فنسمو فوق الجوانب التي كانت ناقصة في ذواتنا من خلال تقبلها وحبها ومن هنا نرقي على الأنا  وحدوده ونتجاوزه للعمل الروحي .

في طاقة الحب نحاط بالحب، وهذا يحقق فينا الشكر فنغدو شاكرين وممتنين لحياتنا برمتها ومن فيها، ويظهر الحب في كل ما نقوله وما نقوم به من فعل، وتصبح حياتنا بركة لكل من حولنا، ونعترف للآخرين بقيمتهم كهبة بالنسبة لنا.

الحبُّ ينبع من القلب، وكلما أحببنا أكثر ازدادتْ قدرتُنَا على الحب أكثر، فالحبُّ لا حدود له، كما أنَّ الحب يولّد الحب ويطيل الحياة، فللحبِّ تأثيرٌ ابتنائي قوي، فهو يزيد من الاندروفين وهي هرمونات تعزّز الحياة، والجدير ذكرُهُ أنَّ للحبّ قدرةً على شفاء أجسادنا عندما تكونُ الظروفُ مناسبةً، فعلى المستوى الجسدي وبسبب الحالة الذهنية الإيجابية فإنَّ المرض عادة ما يبرئ نفسه بنفسه، وبعض الأمراض تزول تلقائيًا بدون إعارتها أي انتباه، وبشكل عام يقل انتباهنا للجسد لأنَّهُ يهتم بشؤونه ويعتني بنفسه من تلقاء نفسه.

يحلُّ الإدراك الحدسي تدريجيًا محل التفكير فمع مرور الوقت تحل العفوية والإدراك الحدسي محل التفكير وعمليته الذهنية، ويتمُّ تجاوزه بالمنطق لندرك أننا في عالم يحوى المجرد والمعنى كما كان يحتوي المادي  والسبب في هذا أننا نتخطى الكثرة في الوجود للوحدة ونتعلم أنَّ كلَّ شيءٍ يرتبط بشيء آخر، فتتفتح بصيرتنا وتصبح كالإلهام، وبسبب الهدوء الداخلي تصبح لدينا القدرة على إدراك افكار الآخرين ومشاعرهم بمستوى غير لفظي.

المتحابون في الله

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّ النبي صلى الله عليه وآله سأل ربه سبحانه ليلة المعراج فقال: يا رب أي الأعمال أفضل؟ فقال الله عز وجل: ليس شيءٌ عندي أفضل من التوكل عليَّ، والرضى بما قسمتُ، يا محمد، وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، ووجبت محبتي للمتعاطفين فيَّ، ووجبت محبتي للمتواصلين فيَّ، ووجبت محبتي للمتوكلين عليَّ، وليس لمحبتي علم  ولا غاية ولا نهاية، وكلَّما رفعت لهم علمًا وضعت لهم علمًا، أولئك الذين نظروا إلى المخلوقين بنظري إليهم، ولا يرفعوا الحوائج إلى الخلق، بطونهم خفيفة من أكل الحلال، نعيمهم في الدنيا ذكري، ومحبتي ورضاي عنهم“.

الحبّ في الله حالة من التجرد نختبر فيها مشاعر نادرة ومشعة وطاهرة، وتتسم بالفرح الداخلي والإيمان والصبر والتعاطف والانفتاح، وفي هذه الحالة نتخلى عن اعتبار الشخصية الذاتية، وهي العامل المسبب لكل شيء يحدث دون عناء من خلال التزامن.

يشرق الفرح من تجربة وجودنا الذاتي الداخلي، فقوة الفرح ذاتية وتنبع من الفطرة والتعلق بمصدر الوجود الحقيقي، وفي هذه الحالة يتألق الكمال الفطري والجمال الفاتن لكل الموجودات كإشعاع مستنير، لأنَّ ضخ الطاقة الروحانية يسهل عملية التحول من التصور الى الرؤية، ومن المحدود الى اللامحدود.

حينها يحصل الكرم والعطاء دون توقع شيءٍ من الآخرين، وعندما نصبح محبّين تزول كل القيود، فلا يكون ثمة تعلق ولا أجندة خفية، ولا مسك دفاتر يسجّل من أعطى الآخر، فالكرم والعطاء غير مشروط، وحينها نحصل على الاستعداد للتسامح فنرى الآخرين بصورة محدودين وليسوا سيئين، ومع التواضع كذلك نكونُ على استعداد للتخلي عن تصوراتنا للأحداث الماضية، ونتخلى عن اللذة التي نحصل عليها من الشفقة على الذات، وأنَّنا على حق وأنهم على خطأ، لم نعد نرى أنفسنا بطريقة معينة، وعندما نتقبل عودة كل مخلوق لبارئه سنرى الشخص الاخر بانه محبوبٌّ، إنَّ الحب والتولي لا يلغي البراءة من المعتقدات الاجتماعية الفاسدة أو ضغوطات الجائرة.

التفاني بدل الأنانية

الوعي والسير على مراقي التوحيد وإلغاء الكثرة يجعلنا في حالة أنْ نكون مع كل الموجودات، ويخيل لنا أنا نشهد تسبيح الكائنات وهي حالة لا يمكن أنْ توصف إلا بأنها عميقة، وعندما تحدث التحولات الداخلية قد تظهر بعض التغييرات في إسلوب الحياة، وغالبًا ما تتبدل بدون مجهود يذكر بل قد يكون هناك تغييرات بالفعل في إسلوب الحياة، وذلك بسبب تغيّر القيم الداخلية، و يبدأ السكون الداخلي والجمال بالحدوث لفترات أطول، ونملك في هذه الحالة قوةّ وعيٍ كبيرةٍ بحيث يمكننا أنْ نغوصَ عميقًا لمعالجة مشكلة في أعمق مستويات الوعي، وقد يحدث هدوء مفاجئ وسلام عميق بعد فترات طويلة من التسليم المستمر.

شارك المقال:
هل وجدت هذا المقال مفيدًا ، يمكنك الاشتراك لتصلك مقالات مشابهة
مواضيع ذات علاقة
التعامل مع الخسارة

ترك التعلق وفك الارتباط

الشعور بالذنب

العلاج العاطفي

فوائد تقنية السماح بالرحيل

التعامل مع المشاعر السلبية

القلق من منظور الدين الإسلامي | الجزء ٢

القلق من منظور الدين الإسلامي الجزء ٢

اضطراب القلق عند المراهقين والأطفال

اضطراب القلق عند المراهقين والأطفال الجزء ١

قبول الذات

الحالة الإنسانية

اضطراب القلق عند المراهقين والأطفال

اضطراب القلق عند المراهقين والأطفال الجزء ٢

التشافي بقراءة الدعاء

التشافي بقراءة الدعاء

الشفاء من الماضي 

تطبيق لتقنية العلاج بالمعنى

هل تكتب مقالات؟

تستطيع الكتابة لمساعدة الآخرين، اكتب لنا و سننشر لك مع الاعتبار لسياسة كتابة المقالات التي نتبعها

Survey
Interested in reading articles
Articles Writer