سبل السلام

الإمام علي (عليه السَّلام): «من كمالِ السَّعادةِ السَّعيُ في صلاحِ الجمهورِ». 

(11000 حكمة للإمام علي (عليه السَّلام)، الآمدي، الصَّفحة 200)
القلق من منظور الدين الإسلامي | الجزء ٢

القلق من منظور الدين الإسلامي الجزء ٢

القلق من منظور الدين الإسلامي

    تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية التابعة إلى الأمم المتحدة لسنة ٢٠١٩ أنَّ نسبة المصابين باضطرابات القلق قد بلغت ٣٠١ مليون شخص، ويذكر أهلُ الاختصاص أنَّ اضطرابات القلق هذه إذا تحوّلتْ من مجرد مشكلة في التفكير إلى مرض نفسي ناتج عن تحولات كيميائية إلى أعراض تؤثرُ على اتزان حياة المريض، ومنها التوتر والذعر وارتفاع معدل ضربات القلب، وزيادة معدل التنفس والتعرق والإرهاق والأرق والتعرض لأمراض معدية معوية، كلُّ هذه الأعراض والإحصائية المذكورة أعلاه تؤّكدُ على ضرورة تجنب هذا النوع من الاضطرابات النفسية لتستقيم حياة الإنسان النفسية والجسدية.

     أسباب القلق مختلفة وقد تشمل جميع مناحي الحياة، فمنها ما يتعلق بالرِّزق والصِّحة والأمن والعلاقات العاطفية والأسريةإلخ، ومهما تشعّبَ هذا المرضُ فسوف تجدُ له بالتأكيد علاجًا في التراث الفكري والحديثي الإسلامي، بدءً بآيات القرآن الكريم مرورًا بالأدعية المأثورة والأحاديث الشريفة وكذلك بعض الأحكام الشَّرعية التي تعالج بعض الحالات كالوسواس مثلًا، وهو يندرج طبيًّا تحت بند القلق، تجد الفقهاء يتعاملون معه معاملة استثنائية، فكثيرُ الشَّكِّ حكمُهُ عدم الاعتناء بشكِّهِ، في محاولة شرعية جلية وواضحة لمساعدة مريض الوسواس للتخلص من مرضه، وهكذا أينما وجدت نوعًا من أنواع القلق فإنَّك تجد له علاجًا، فها هو القرآن الكريم يؤصل لحالة الاطمئنان في جانب الرزق لتحصين المؤمن من الوقوع في قلق الحصول على الرزق، فالآيات الكريمة كثيرة في هذا المورد، ومنها ما طمأن به الخالق عباده بقوله تعالى (وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) الذاريات :٢٢ وكذلك قوله تعالى (وَلَا تَقْتُلُوٓاْ أَوْلَٰدَكُم مِّنْ إِمْلَٰقٖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) الأنعام :١٥١، فلا تجد مسلمًا مستوعبًا لمفهوم الرزق في القرآن والسُّنة إلا مطمئنًا مهما عصفتْ به الظروفُ المعيشيّةُ بعيدًا كل البعد عن القلق على رزقه، وهنا يجب التأكيد على أنَّ الاستيعابَ لهذا المفهوم الإسلامي يعني القيامَ بالعمل لطلب الرزق بالتوازي مع التوكل على الله، وإلا لما كان الفهمُ صحيحًا.

     وكذلك الحال في أنواع القلق الأخرى، فيستحيل أنْ تجدَ بُعدًا لم تشملْهُ منظومة الدين الشاملة، فإنك ترى الكثير من الآيات والأحاديث التي تدعو للتوكل على الله، قال تعالى (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا) الأحزاب:٣، اللهُ أكبرُ كم هي جميلةٌ ومطمئنةٌ هذه الآية، قل لي بربِّكَ أيها القارئ الكريم هل هناك أكثر اطمئنانًا من أن يوكل العبدُ أمره للهِ تعالى، وهل هناك قلق بعد التوكل عليه سبحانه لا سيما إذا فهمنا واستوعبنا وآمنا بقدرته حق الفهم والاستيعاب وحق الإيمان ؟

    ثمة آيات كثيرة تثبّتُ قلب المؤمن وتطرد الخوفَ والقلقَ من قلبِهِ وعقلِهِ، فعندما يقول الله في محكم كتابه (أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) الزمر: ٣٦ فهذه الآية عظيمة وباعثة على الطمأنينة، فعندما يخاطبك ملكُ الملوك ربُّ العرش ذو الجلال والإكرام بشكلٍ مباشرٍ ويقول لك يا عبدي ألا يكفي أنْ أكونَ أنا بعزتي وجلالي معك؟ فما يخيفك ومَنْ يخيفك ويقلقك بعدها؟ واللهِ لو يستوعب المسلمون عظمة هذه الآية لما خاف وقلق أحد منهم قط، وكل آيات الله عظيمة تُخجل من يقلق، وكيف لنا أنْ نقلق ونخاف والله يقول (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) الطور: ٤٨، الخطاب موجه للنبي صلى الله عليه وآله ولكل من سار على طريقه من أمته.

    ثقْ تمامًا عزيزي القارئ أنَّ الدين الإسلامي العظيم لم يتركْ جنبةً ولا نوعًا من أنواع القلق إلا وتطرق له في منظومته الشاملة، وكل ما ذكرناه مجرد أمثلة بسيطة تؤكد أنَّ مفاهيم الإسلام كفيلة بمعالجة جميع أنوع الأمراض النفسية ومنها القلق بكافة أنواعه.

     وأينما بحثت في المأثور ستجد ما يثبّتُ الفؤاد ويصحح مسار التفكير ليجعله سليمًا فعندما تقرأ في دعاء الافتتاح (وَلَعَلَّ الَّذي اَبْطأَ عَنّي هُوَ خَيْرٌ لي لِعِلْمِكَ بِعاقِبَةِ الأمُورِ) فهنا إجراء متقدم يبرمج العقل على التفكير الإيجابي، ويحوّل المواقف السلبية إلى نقيضها، وعوضًا عن الوقوع في القلق بسبب تأخير الرزق أيا كان نوع ذلك الرزق فإنَّ عقل المؤمن يبرر وبكل ثقة بربِّهِ أنه لم يؤخر عنه ما يطلبه إلا لكون الخير في ذلك التأخير ثقة بربه العظيم الرب الكريم الرؤوف بعباده، هكذا يربينا الدُّعاء وهكذا يربينا محمد وآل محمد عليهم أفضل الصلوات والسلام.

     يتبدد القلقُ وتحل محله السكينة والطمأنينة بذكر الله تطمئن وتهدأ ضربات القلب، بالإيمان الراسخ الصحيح بمفاهيم الدين يستقر العقل والفؤاد، قال تعالى (كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ) الفرقان: ٣٢، نعم هكذا خاطب القرآن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبالتالي هذا القرآن بما فيه يرمي لتثبيت قلوب المسلمين كذلك، فلا قلق ولا خوف إذ يقول الله عز من قائل (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ  لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) يونس:62-64، وعد إلهي صادق بالبشرى في الحياة الدنيا والآخرة لمن آمن واتقى.

     لا وجل ولا خوف ولا قلق خارج عن نطاق الحد الطبيعي في قلوب المؤمنين كيف يكون خلاف ذلك والله يقول في محكم كتابه (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) التوبة:٥١ لهذا أقول أنَّ المنظومة الإسلامية الشاملة حصنٌ من الأمراض النفسية لمن يفهمها ويستوعبها بالشكل الصحيح.

شارك المقال:
هل وجدت هذا المقال مفيدًا ، يمكنك الاشتراك لتصلك مقالات مشابهة
مواضيع ذات علاقة
القلق من منظور الدين الإسلامي | الجزء ٢

القلق من منظور الدين الإسلامي الجزء ٢

القلق من الامتحان -A man experiencing a new dawn after intense distress, sitting at a table surrounded by books.

التفوق والتغلب على القلق من الامتحان

العمل بالضد الأخلاقي

العمل بالضد الأخلاقي

العلاج بالوعي | الطمأنينةُ و الوقار في سَكينَة

العلاج بالوعي

التشافي بالقران الكريم من داء القلوب والأمراض النفسية

التشافي بالقرآن الكريم من داء القلوب والأمراض النفسية

العلاج بالمعنى | الطمأنينةُ و الوقار في سَكينَة

العلاج بالمعنى

تشكيل الثمانين آية للشفاء بالقرآن الكريم

تشكيل الثمانين آية للشفاء بالقرآن الكريم

الإجهاد والتوتر

الإجهاد والتوتر ١ : الأنواع والعلامات

قاعدة الخمس ثوان

قاعدة الخمس ثوان

هل تكتب مقالات؟

تستطيع الكتابة لمساعدة الآخرين، اكتب لنا و سننشر لك مع الاعتبار لسياسة كتابة المقالات التي نتبعها

Survey
Interested in reading articles
Articles Writer