القصد درجات ومنازل تعرف عليها

تعريف القصد ومعناه

قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ سورة النساء، آية ١٠٠، لا مقامَ حقيقيَّ لعبد إلا عبر قلبه، فمن خلاله يصل إلى ربّه ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ سورة الشعراء، آية ٨٩، إنما كانت الأعمال بالنيات لورود القصد في القلب قبل إتيان العمل، فـبِهِ يصلح ومن دونه يفسد العمل، يعرف القصد على أنه العزم وإجماع الهمّة للتحرك نحو أمر معين.

ومع القصد لابد من توفر الطاعة، فمن دونها (قصد الطاعة) لا يقع العمل موقعه من الله تعالى. قال تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾سورة فاطر، آية ١٠.

القصد درجات ومنازل : 

١- قصد التوجه لله تعالى

فقصد العبد يصحح عمله وسيره وسلوكه، وعزمه يؤكد إيمانه، وجزمه يوثق اهتمامه بنيته للمسير والسلوك لله تعالى في أقواله وأعماله.

● فبالقصد الخالص والنية المخلصة ينطلق العبد نحو الرياضة القلبية، فيفرغ قلبه من كل شيء سوى الله تعالى.

● القصد يحتاج إلى أن يتفكر العبد في حاله التي هو عليها، وينظر إلى قلبه ومكان الخالق منه. فإذا استقر نور الخالق في قلبه علم أن قصده ونيته متجهة لله تعالى، وهذا يشمل كل أوقات العبد في كل أعماله، فينظر موقع الخالق من قلبه حال أدائه أيَّ فعل أو قول.

● شدة التوجه لله تعالى حال العمل يخلص العبد من التردد في فعل الخير وأداء الصالحات.

● شدة التوجه لله تعالى تشغله عن الاشتغال بما هو ليس لله، فيعقد قلبه على ألا يهم لفعل ليس لله فيه وجود.

٢- أن يكون القصد قويًا مفعمًا

 في هذ الدرجة لا يكفي أن يكون القصد عازمًا، بل لابد أن يكون قويًا وشاملًا وثابتًا. 

● فإن شمولية القصد هي اشتماله على كل القلب في التوجه، فهو ليس فقط خاليًا من التردد، بل هو مندفع نحو هدفه.

● ليس للنفس سلطان على العبد في حال هذه الدرجة من القصد والنية لله تعالى، فالنفس منجذبة نحو المقصود ولا تملك إلا أن تستجيب للقلب، فأخلاقها أخلاق القلب المطمئن.

● هذا التوجه في هذه الدرجة من القصد يفكك أن محاولات شيطانية للحؤول دون إتمام الوصول للهدف المقصود (التزام النور الإلهي)، فالقصد يقطع الطريق على كل وسوسة شيطانية أو إنسية.

● هذه الدرجة من القصد ترفع كل أنواع الحجب النورانية منها فضلًا عن الظلمانية، فهي فوق الحجب لأن نور الله تعالى قد تغلغل في القلب واستقر فيه، فهو مقام العرفاء الواصلين لساحة القدس الإلهي.

● أصحاب هذ الدرجة من القصد المتمكن من القلب والنفس والعقل لا يجدون أي مشقة في اتباع الأوامر والانتهاء عن النواهي، فهم ليسوا كبقية الناس تثقل كاهلهم عبادة أو تحزنهم استقامة، بل هم على الدوام في عبادة واستقامة نحو المحبوب.

● هم أيضًا يتلذذون بالعبادة، فطعمها في قلوبهم يختلف عن طعم العبادة عند غيرهم، فخشوعهم بادٍ وخضوعهم واضح ورِقَّة أنفسهم دائمة لها أثر قبل وأثناء وبعد توجههم للعبادة.

٣- قصد الانقياد للعلم

● فهم منقادون دومًا للحكم الشرعي الذي به يتأطرون، ومن خلاله يعملون، ومعه ينطلقون.

● هم لبواطن الأحكام مستأنسون وإن صعبت تلك الأحكام بظواهرها على غيرهم، وهم متقبلون لما يأتيهم من ربهم من نور العمل فيبعدهم عن الدخول في المشاحنات والمخاصمات؛ لِما وضح لهم من الشرع الخفي على غيرهم وإن كانوا أصحاب حق فيدعونه تقربًا للمولى الذي خصهم بهديه وعلومه.

● أصحاب القصد الشامل الذي يغطي القلب والعقل والنفس محلهم من الله تعالى محل العارفين به، فهم يقتحمون بحر الفناء فتخرج أنفسهم من أجسادهم هائمة في ساحة القدس وإن كانت أجسادهم بين الناس قائمة، وهم يتلمسون النور من مصدره فقربهم يؤهلهم لأن تلتقي أرواحهم بأرواح القديسين الذين تتصاعد أنفاسهم في رحاب تلك العوالم الروحانية البعيدة عن الأرضيين والقريبة من الملائكة.

الخلاصة: إن إخلاص النية لله تعالى في الأعمال يحتاج إلى استدامة صدق وإخلاص ومثابرة ومواصلة وعمق وعزم وشمولية. وهذا التوجه يؤهل العبد لأن يكون محلًا للطف الرباني، فيتلقى النور الرباني والأدب الإلهي من مصدره. والقصد توجهًا لله تعالى يقوي الإيمان ويلذذ الطاعة ويبعد عن المعصية ويؤنس القلب.

#cwprotect